بيروت - لبنان

اخر الأخبار

24 أيلول 2022 12:00ص بيروتيّات (6).. مجلس الشيخ علي بن حسن الفاخوري في الجامع العمري الكبير

وثيقة بيت الشيخ علي الفاخوري وثيقة بيت الشيخ علي الفاخوري
حجم الخط
بعد وفاة الأمير أحمد المعني تولّى الإمارة الأمير حيدر الشهابي ابن بنت الأمير أحمد فانتقلت الإمارة الى الشهابيين وأصبحت بيروت تابعة لهم. وتوارثوا السلطة عليها. وتوطّن الأمراء الشهابيون بيروت بظروف أعدّ لها الأمير ملحم. فقد كان ياسين بك، وهو رجل تركي، متسلّماً عليها وكانت بينه وبين الأمير ملحم مشاحنة، فأمر هذا الأخير الشيخ شاهين تلحوق بأن «يمخرق» في ضواحي المدينة وأطرافها كالمصيطبة والأشرفية ورأس بيروت وغيرها، فقام الشيخ شاهين بعدّة غارات عجز ياسين بك عن إحلال السلام وردّ الغارات وكتب الى والي الشام عثمان باشا يخبره بما يقوم به اتباع الأمير ملحم فكتب عثمان باشا الى الأمير عارضاً عليه تسلّم بيروت فقبلها مسروراً وأزاح ياسين بك عنها..
وبعد سيطرة الشهابيين على بيروت وتوطّنهم فيها مع حلفائهم فمن غير المستبعد أن يقوم بعضهم بتجاوزات لم يكن باستطاعة أهل المدينة مقاومتها أو الاعتراض عليها أو انتقادها. كما ان الأمراء وحلفاءهم سيطروا على تجارة المدينة وبنوا فيها الخانات والقيساريات حتى ان الأمير حيدر، مؤرّخ تاريخ الجزار، قال بأن أرباب الوظائف الإدارية والأمنية ودزار القلعة وكذلك المغاليق (جمع مغلق) أي المخازن والدكاكين كانت كلها موقوفة على موافقة الأمير ملحم وتحت أمره.

انصراف علماء بيروت للتصوّف والتأليف
وقد يكون من الجائز القول بأن سيطرة الأمراء الشهابيين وحلفائهم على التجارة في بيروت واحتكارهم لها ولمداخيل الميناء وفرضهم الضرائب والرسوم وتحميل أهل المدينة مطاليب الباشاوت، دفع البيارتة للانصراف الى بناء الزوايا الصوفية. ومنهم من اعتزل في بيته وخطّ ما عرفه من العلم ودوّن في أول ورقة:
مذنب خطّه عسى دعوة غير خائبه
رحم الله قائلا رحم الله كاتبه
وآخر كتب:
اجعل جليسك مجموعا تطالعه
لتستفيد من الآداب والحكم
واترك مجالسة أقوام تجالسهم
فتكسب الِإثم من سمع ومن كلم
وثالث اختار:
اطلب العلم يا فتى إنما العلم بالطلب
رحم الله من قرأ ودعا للذي كتب
ومنهم من كان يتردد الى الزوايا ينشد الأذكار والأوراد أو ينشد التنزيلات الصوفية مما نظّم على عروض ألحان شعبية رائجة.
ومنهم من كرّس وقته لتعليم الناشئة قراءة القرآن وحفظه وترتيله، كالشيخ علي حسن الفاخوري والد المفتي الشيخ عبد الباسط الفاخوري.
الشيخ علي بن حسن الفاخوري
وُلد الشيخ علي بن حسن بن محمد الفاخوري في بيروت في الربع الأخير من القرن السابع عشر. تلقّى مبادئ الفقه والعلم على شيوخ زمانه. انتسب الى الطريقة الصوفية الخلوتية البكرية على يد الشيخ عمر اليافي. ذكر الشيخ عبد الباسط قولا لوالده «كان شيخنا وأستاذنا الشيخ عمر اليافي  قدّس سرّه إذا تكلم أفاد وإذا كتب أجاد». وكان للشيخ عمر اليافي الكثير من المريدين في بيروت ذكر بعضهم في ديوانه، منهم صهره الشيخ أحمد طبارة وعبد القادر وعبد الغني ومحمد سعادة ومحمد البكداشي ومحمد الغندور ومحمد ناصر تعبانه وأبناء النقيب والشيخ أيوب المجذوب والشيخ علي الفاخوري.
كتب الشيخ عمر اليافي قصيدة للشيخ علي الفاخوري جوابا على كتاب جاءه من هذا الأخير يعلمه فيها بوفاة والده الشيخ حسن قال فيها:
منك الكتاب يا علي وافى كروض مقبلِ
وفاح من مضمونه عبير نفخ المندل
شممت منه ريح أخلاق الحبيب الأول
وذقت معناه الذي مع لفظه قد لذّ لي
أما الذي ذكرته عن والد منتقل
لرحمة الله ورضوان القديم الأزلي
فقد علمت قبله حكم القضاء المنزل
ويشدّد عزيمة مريده الشيخ علي:
وشمر العزم وسر لقرب باب معتل
واخلع عذار الحب واشطح ما عليمك من الحلي
واشرب مدام الورد حيث الكاس يجلى ممتلي
واشطح وعربد هائما لا تستمع للعذل
تلامذة الشيخ علي الفاخوري
لم نتبيّن ما إذا كان الشيخ علي الفاخوري متوليا على الجامع العمري الكبير إنما عُرف ان له مجلسا في الجامع لتدريس من آنس فيه من الناشئة النباهة والمثابرة وكان على رأسهم الشيخ محمد درويش الحوت فحبّب إليه العلم وتحفيظه القرآن واتقانه استظهارا وترتيلا ودرّسه علم القراءات. وأخذ التلميذ عن أستاذه الطريقة الخلوتية بطقوسها التي بيّناها في كتابنا «زوايا بيروت».
وأخبرنا تلميذه الآخر أي الشيخ عبد الباسط الفاخوري في مخطوط بعنوان «خبايا الدراية» قال: كان العارف ابن عراق المدني رحمه الله تعالى يعلّم تلامذته أبياتاً لحفظ القرآن فيحفظونه إذا لازموا عليها وقد حفّظنيها والدي رحمه الله حين كنت صغيرا في المكتب، وهي:
كلام قديم لا يملّ سماعه تنزّه عن قولي وفعلي وقوتي
به اشتفي من كل داء ونوره دليل لقلبي عند جهلي وحيرتي
فيا رب متّعني بسر حروفه ونوّر به سمعي وقلبي ومقلتي
مما يدلُّ على أن أبيات ابن عراق التي ردّدها سنة 1517 في زاويته كانت لا تزال تدرّس وتحفظ في بيروت في القرن التاسع عشر. تأمّل!
وفي سنة 1820م عاد الشيح محمد الحوت من دمشق، فأشار عليه الشيخ علي الفاخوري بأن يدرّس في الجامع العمري الكبير «رغبة بنفع الخاص والعام، لما شاهد أن كلاً من الأهالي ببحار جهله قد عَام». فأخذ يدرّس في جوار مقام النبي يحيى في الجامع المذكور.
قال الشيخ عبد القادر قباني في ذكرياته التي نشرت في «الكشاف» سنة 1927 «كان الشيخ علي الفاخوري من علماء أهل الطريق وكانت له مشيخة المشايخ». وقال المفتي الفاخوري في «خبايا الدراية»: «رحم الله صديق الوالد السيد أحمد البربير المتوفى في دمشق الشام حيث يقول حين حضر من دمياط وسكن بيروت البيتين الشهيرين: بيروت  مقبرة العلوم الخ..».
كما قال في مخطوط «فرائد الفوائد»: «شطر شيخ الوالد (يعني اليافي) ستة أبيات  للإمام الشافعي».
منزول دار الشيخ علي الفاخوري
قال الشيخ عبد القادر القباني  ان البيارتة كانوا يستعيرون  دار أبي عسكر (يونس نقولا الجبيلي) فيصفون المقاعد  ويسرجون القناديل ويدعون الناس لسهرات أفراحهم ثم أخذوا يؤمّون منزل  الشيخ علي الفاخوري في زاروب الشيخ رسلان وكانت داره فسيحة  وغرفها كثيرة. يذكر ان جردة أوقاف الجامع العمري التي جرت سنة 1843 ودوّنت في السجل الشرعي الأول ذكرت  البيت المذكور فقالت «بيت في زاروب شيخ الإسلام (الشيخ رسلان) من داخل داره ايوان  وقاعة عليها نصف تخت وبئر ماء نابع ومطبخ داخل قبو ومرتفقين وسلم حجر في اثناها عليّة يعلوها تخت وفسحة دار وايوان وعلّيتين يعلوهما تختين ومرتفق وأيضا  في الدار السفلية سلم حجر لجهة الشمال يصعد منه الى ظهر القاعة ويعلو ظهر القاعة  ايوان وعلّيتين خراب سكن الشيخ علي الفاخوري مشترى المتولي السابق الحاج بكري درويش بموجب حجة شرعية  في آخر الزاروب المذكور».
وفاة الشيخ علي ورثاؤه
كان للشيخ علي الفاخوري  الأثر الكبير في نفوس القوم  كما يتبيّن من رثاء الشيخ قاسم الكستي والشيخ إبراهيم الأحدب لهو يرجّح تاريخ وفاته حوالي سنة 1283هـ/ 1866/67م قال الكستي:
مصاب علينا وجب الدهر  ندبه
بفَقدِ إمام كان بالفضل ندبهً
عليّ مقام يشهد العصر انه
لقد كان في أمر الولاية قطبه
وقد كان في علم الحقيقة ساريا
الى ما به الإيمان أوضح دربه
ويقول:
أحبتنا أين المعزي بعابد
وليحبب الله قيد قلبه
ولم يلهً بالدنيا ولا مال راغبا
لمال ولكن التقى كان كسبه
الم تعلموا ان التقى منه يرتقي
الى منزل لا يهجر العزّ رحبه
 وقال الشيخ إبراهيم الأحدب قصيدة مطلعها:
راع القلوب مصاب جاء بالعجب
نابت دموع الورى فيه عن السحب
 الى أن يقول:
قضى عليّ به صدّيق كل هوى
من كان بالحق فاروقاً لذي  ريب
محيي طريق الهدى به مشتملا
على المعارف سامي  الفضل والنسب
زكي نفس بتقوى الله ظاهرة
لقد علا بصفاها أرفع الرتب

* مؤرخ