بيروت - لبنان

اخر الأخبار

13 تموز 2018 12:02ص بين سوداوية الجمود.. وظلامية التفلت

حجم الخط
اقتضت حكمة الله تعالى أنْ يبعث لهذه الأمة مَنْ يجدّد لها أمر دينها، فإنّ الأمة لا تخلو من مُجدِّد أو مجدِّدين، ولا يلزم أنْ يكون المجدِّد واحداً فقد يتعدَّد، ولا بد أنْ يتعدّد لزيادة عدد الأمة الإسلامية وترامى أطراف أقطارها وتنوّع المستحدثات التي تحتاج إلى التشريع الجديد، المبني على أساس من منابع التشريع الأصلي، والتي تواكب العصر وتحلّ مشاكله، وتوضّح الطريق الصحيح، فيجدون الحلول المطلوبة في هذا التشريع الجديد، مع الاحتفاظ بأصل التشريع وعدم الخروج عنه، وإلا فلا يكون تجديداً، إنّما هو ميول عن الحق، وضلال عن الصراط المستقيم، أو تحريف لنصوص ثابتة من الكتاب والسُنَّة وهذا شرٌّ ما بعده شر، فنكون كالأمم السابقة الذين غيرَّوا وبدَّلوا بعد أنبيائهم، ولكن الله تعالى قد حفظ هذا الدين بكتابه - وسُنّة نبيه وجميع أصوله، قال الله تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}.
ومن هنا نقول وللمرّة الألف ... لا بد من تفعيل موضوع التجديد في بلادنا وأفكارنا وأعمالنا وطريقة فهمنا لكتاب الله وسُنّة الرسول، لأننا نفهم التجديد بأنّه إصلاح لعلاقة المسلمين بدينهم والتفاعل مع أصوله والاهتداء بهديه لتحقيق العمارة الحضارية، لأنّ التجديد هو العودة بفهم الدين وتطبيقه وعرضه والعمل به إلى جادة الحق التي أمرنا سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام بالحفاظ عليها حين جلس بين أصحابه وخط خطاً وقال: «هذا سبيل الله»، ثم خط خطوطاً عن يمينه وعن يساره وقال: «هذه سُبُل وعلى كل سبيل منها شيطان» ثم قرأ قول الله تعالى: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون}، وذلك بالطبع دون إغفال مراعاة الزمان والمكان وتطوّر العصر وما فيه من مستجدات على كل الصعد.
ومهمة المجدِّد هي القيام بإحياء ما انطمس من معالم الدين وجوانب الحق العلمية والعملية، وهي بلا شك مهمة واسعة الأرجاء ومتشعبة المسالك، وبالتالي لا بد من توافر صفات عالية ومواهب رفيعة عنده تؤهله للتصدى لهذا الواجب إلى جانب تأييده من الله تعالى، وقد تكلم في هذه الصفات والأسس العديد من العلماء والفقهاء، ورأوا أنّ منها ما يتعلّق بالمواهب المكتسبة، ومنها ما يرتبط بمؤهلاته الخاصة ومواهبه الذاتية، ومنها ما يتعلق بسيرته ومسلكه، ومنها ما يعود إلى قدراته العملية، ومن أبرز صفاته العلم، والعدالة، والاعتدال والتوسّط، وأنْ يكون قدوة، وبالتالي دورنا أنْ نخرج للأمة مجتهدين حتى يستطيعوا ممارسة أدوراهم؟!
وهنا يبرز السؤال...  هل نحن نعمل على تخريج مثل هؤلاء؟!
وهل نحن نؤمن بضرورة التجديد؟!
أعتقد بأنّ هذه الأسئلة الملحة لا بد من الإجابة علينا لنحدّد أي مستقبل نريد لأمتنا ولبلادنا.؟!