بيروت - لبنان

اخر الأخبار

24 أيلول 2021 12:00ص بين فقه الأولويات وفشل المحاولات... الشعب يغرق في المزيد من الأزمات

حجم الخط
يعتبر فقه الأولويات أمرا لا بد منه عند كل مسؤول في عصرنا الحالي وفي كل العصور حتى لا يكون مقصّرا في تأدية الدور المطلوب منه.

وفقه الأولويات هو العلم بالأحكام التي لها حق التقديم على غيرها بناء على العلم بمراتبها وبالواقع الذي يتطلبها، ومن مظاهر غيابه الانشغال بالفروع عن الأصول، وكذلك العناية بالشكل أكثر من المضمون.

ولا يظن أحد أن هذا الأمر مستجد على ساحة العمل العام أو مستحدث بل هو قديم منذ عهد النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام، ففي أحاديث كثيرة نرى فقه الأولويات واضحا، وأكثر الأحاديث دلالة تلك التي يسأل فيها الصحابة رضي الله عنهم رسول الله عليه الصلاة والسلام عن أفضل الأمور أو خيرها أو أحبّها إلى الله تعالى، مما يشكّل هديا نبويا لكل حاكم أو مسؤول ليدرك كيفية تقييم أمور رعيته ويعمل لخدمتهم.

فقه غائب

ومن هنا نقول أن ما نشاهده اليوم من (عشوائية) في الخطاب السياسي والديني والاقتصادي والاجتماعي والمعيشي عند كثير من المسؤولين.. لن يزيد الناس إلا اضطرابا وتذبذبا وضياعا وبلبلة ويأسا..؟!

بل سعى الكثير من المسؤولين في مختلف الاتجاهات يريدون تأسيس واقع اجتماعي جديد يقوم على «الفساد المشرعن»... أو «باطل مقونن» ... تحت ستار أنه أمر واقعي وعلينا أن نتعامل معه، وبدلا من أن يحاربوا كل فساد... ويعملوا على إزالته وإحقاق الحق... ضربوا حق المواطن بعرض الحائط ثم قالوا بلسان خبيث: «واقعنا هكذا تعالوا لنتعامل معه»..؟!

ثم.. تركوا الساحات للمتسلّطين والنافذين والأزلام.. وغابوا عن القيام بأدوارهم المطلوبة، فصار قانون الغابة هو السائد، والمواطن الحلقة الأضعف فيه..؟!

وجاءت الكارثة حين عمّموا عمدا أن كل ما يحصل للمواطن اللبناني هو بلاء من الله وعليه أن يصبر ويتأقلم بل ويحمد الله على ما هو فيه... وحلّ الغطاء الديني من كل الاتجاهات لتلك الاكذوبة ليقفل على قلوب وأعمال المواطنين في إصلاح الفساد...؟!

فكانت النتيجة أن كثيرا من المواطنين شاركوا في هذا الفساد وتاجروا به واستغلّوه تحقيقا للاستفادة منه..؟!

والأسوأ... أن أي مواطن من شباب وشابات بلادي يقدم على (جريمة الإصلاح؟!) نراه يُظلم على أيدي من يدّعي المسؤولية...؟!

فالمخلصون يُبعدون عمدا...؟!

والمصلحون «يُأبلسون»... بـ«وسوسة» من المعنيين..؟!

وحتى العلماء والشخصيات الصادقة... يُنبذون بأيادي «شيطانية»..؟!

أما المنافقون والمستفيدون ممن أتقنوا «تمسيح الجوخ» وتميّزوا في فنون «تقبيل الأيادي واللحى» ففي كل مكان وبعون ورضى المرجعيات يستمتعون...؟!

أي دور لنا في الحياة?

أيها السادة.. إن ما تشهده الساحة اللبنانية اليوم في كل مجالاتها من اختلاط (الحابل بالنابل) ومن ضياع للأولويات ومن اختلال للموازين والمعايير ليس سوى نتيجة لضبابية الرؤية وانعدام الخطة وغياب الهدف و«إبليسية» الأهداف عند المسؤولين، وإذا ما استمر الأمر على ما هو عليه فإن الآتي أعظم وأخطر وأسود وأكثر فسادا وضياعا..؟!

فنحن نحتاج أولا إلى إعادة تشكيل نظرتنا لمعنى الحياة ولدورنا المطلوب فيها وأننا لسنا مجرد كائنات تأكل وتشرب وتستمتع ثم ترحل، وإنما نحن بشر كرّمنا الله تعالى وفضّلنا على سائر المخلوقات حتى نعمل ونبدع ونصلح ونعمل عقولنا في كيفية عمارة الأرض فنقدّم للمستقبل تاريخا مشرّفا يفخر به الأبناء والأحفاد..؟!

ونحتاج ثانيا... إلى «نفضة» قوية تزيل من ساحاتنا كميات الأتربة المتراكمة منذ سنوات فوق رأس المواطن اللبناني حتى حجبت النور عن سمائه وبات في ظلام مستمر.

ونحتاج ثالثا... إلى القضاء الفوري على تلك «الآفة اللبنانية التراثية» التي زرعت في نفوسنا وهي آفة التهجّم على الآخر - كل آخر - فقط لأنه يخالفنا في الرأي، فهي التي أنتجت لنا أناسا يشتمون ويتهكمون ويسخرون ويشهّرون ويدعون ما ليس بهم، ثم في نهاية الأمر يجلسون في بيوتهم «يطقطون» بأراجيلهم... ثم لا يقدمون لمجتمعهم شيئا سوى البلبلة المرفوضة.. وخدمة مصالح أسيادهم..؟!

نعم.. وبكل أسف...

إنني أنظر يمينا وشمالا... وأتأمّل في ما نقدمه الآن في حاضرنا ليكون تاريخ المستقبل لأبنائنا فلا أرى إلى الفساد والخبث والمشاكل والمعارك والحروب والعصبية والمذهبية والتخلف الفكري والعلمي والعملي والسياسي والدعوي.. فأي تاريخ هذا الذي نعمل على كتابته..؟!

ومن هنا نناشد الجميع بالتوقف عن (سياسة المحاولات) والعمل الجاد للوصول إلى خطة عمل إنسانية واعية وراقية تراعي فقه الأولويات وتسعى في تقديم الحلول للمواطن الذي بات قاب قوسين أو أدنى من اليأس الشامل والتام، فحالة الشباب والشابات في هذا البلد لم تعد تحتمل مزيد من التجارب ولا مزيدا من الهفوات، فلقد فشلتم كثيرا... وأخطأتم كثيرا... وأعتقد أنه حان الوقت لعمل يثمر وينتج.. إن كانت النوايا صافية... وأشك في ذلك..؟!

يا كل مواطن لبنان... يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ مِنَ النَّاسِ مَفَاتِيحَ لِلْخَيْرِ مَغَالِيقَ لِلشَّرِّ، وَإِنَّ مِنَ النَّاسِ مَفَاتِيحَ لِلشَّرِّ مَغَالِيقَ لِلْخَيْرِ، فَطُوبَى لِمَنْ جَعَلَ اللهُ مَفَاتِيحَ الخَيْرِ عَلَى يَدَيْهِ، وَوَيْلٌ لِمَنْ جَعَلَ اللهُ مَفَاتِيحَ الشَّرِّ عَلَى يَدَيْهِ).. فتعالوا لنصنع الخير.. حتى لا نكون بأنفسنا شرا على البلاد والعباد..؟!