لا شك أن ما نعانيه نحن اليوم إنما هو نتيجة الغياب الكامل والتام عن هذه الحقيقة التي أهملناها حتى كبر «الغول» في ديارنا وانقلب علينا، فشبابنا اليوم - وبكل أسف - تربّى على ثقافة التقليد والتبعية والسير خلف كل متكلم أيا كان حتى أصبحنا نعيش وسط جحافل من الأتباع لكل من هبّ ودبّ... دون أن يكون هذا التابع عارفا أو مفكّرا أو متدبّرا بآراء وأقوال المتبوع..؟!
بل العكس هو ما يحصل... فكل من يصرخ في بلادنا يجد خلفه من يؤيّده..؟!
وكل من يرفع الصوت وإن بالباطل يجد من يكون صدى لصوته..؟!
ولذلك نسأل.. أما آن للقائمين على أمور البلاد بمختلف المجالات أن يدركوا أن العقل هو مناط التكليف وأننا إن أهملناه ضاع صاحبه وأصبح كالريشة في مهب الريح..؟!
إن أوجب الواجبات في أيامنا هذه تربية العقل التربية السليمة التي تؤسّس على حسن العلم وحسن الفهم لنضمن في المستقبل حسن التفكير وحسن العمل.
فبالعقل والفكر.. تتحضّر أمتنا وتتقدّم إلى المراتب الأولى..
وبالعقل والفكر.. نعيش أمة قوية وراقية وعاملة وعالمة...
وبالعقل والفكر.. نحقق الصلة التي أمرنا بها المولى تعالى مع كتابه الكريم..
وبالعقل والفكر.. نسير حقاً على سنّة النبي صلى الله عليه وسلم..
وبالعقل والفكر... نصحّح صورة هذا الدين الحنيف في نفوسنا ونفوس أولادنا قبل نفوس العالم كله...
وطبعا بالعقل والفكر.. نكون مسلمين حقا.. قولا وعملا وفكرا وتأثيرا..
ولكن الفكر الذي نقصده ليس ذاك الذي يصيغ صاحبه الحياة كما يريد ووفق المنهج الذي يريد، وإنما هو العقل الذي إن أحسنا تربيته والاهتمام به كان خير مستقبـِل لأوامر الله تعالى، وخير فاهم لها، وخير عامل بها، وخير عارض لها، وخير متدبّر فيها..
فيا كل عاقل... أحسنت تربية هذه النعمة الكبيرة... واهتم بتزكية فكرك حتى تكون فعلا ممن عمل بمقتضيات التكريم الرباني للإنسان، والذي ذكره الله في كتابه فقال: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلا}...