بيروت - لبنان

اخر الأخبار

17 كانون الثاني 2020 12:02ص تعالوا لنصنع التاريخ..

حجم الخط
كثيرا ما أتوقف مع قول الله تعالى في القرآن الكريم: {إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ}، وتحديدا قوله سبحانه {وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ}..

وقد سألت نفسي... هل نحن فعلا ترجمنا عمليا إيماننا بهذه الآية وبدأنا نعدّ العدّة لتكون آثارنا التي ستُكتب من بعدنا آثارا إيجابية تنشر الخير في المجتمع بعد رحيلنا..؟!

إن الآثار التي ستكتب علينا بعد رحيلنا هي في الحقيقة تاريخ يسجل كل تفصيلة من تفاصيل نتاجنا الذي قدّمنا في هذه الحياة الدنيا من إسهامات على كل الأصعدة فإما أن يكون نتاجا حضاريا راقيا يترجم إيماننا بـ (لا إله إلا الله محمد رسول الله) وإما فهو من الزبد الذي يذهب جفاء..؟!

أنظر يمينا وشمالا... وأتأمّل في ما نقدّمه الآن ليكون تاريخ المستقبل، فلا أرى إلا الفساد والخبث والمشاكل والمعارك والحروب والعصبية والمذهبية والتخلّف الفكري والعلمي والعملي.. فأي تاريخ هذا الذي نعمل على كتابته..؟!

روى التاريخ لنا أن ملكا من الملوك رأى فلاحاً عجوزاً في التسعينات من عمره يغرس شجرة زيتون، فقال له: «لماذا تغرس شجرة الزيتون وهي تحتاج إلى عشرين سنة لتثمر وأنت عجوز في التسعين من عمرك، وقد دنا أجلك؟»، فما كان من العجوز إلا أن أجابه بلسان العقل الإيماني: «السابقون زرعوا ونحن حصدنا ونحن نزرع لكي يحصد اللاحقون»..؟! 

نحن اليوم لم نأكل من غراس السابقين فحسب، بل أصابتنا التخمة ثم رحنا «بفخر خادع» نشوّه ما زرعوا، وفوق كل هذا كان زرعنا للاحقين من بعدنا شجرا خبيثا لا يثمر إلا العلقم المرّ..

أين مساهمتنا في كتابة تاريخ اللاحقين الفكري من إنتاج أدبي وشعري علمي وفقهي..؟!

وأين نحن من كتابة تاريخ اللاحقين في المجال الإبداعي والفني الراقي..؟!

إننا أيها السادة الكرام نعيش في زمن نحتاج فيه إلى «نفضة» قوية تزيل كميات الأتربة المتراكمة منذ سنوات فوق رؤوسنا حتى حجبت النور عن سمائنا..

ونحتاج أيضا إلى إعادة تشكيل نظرتنا لمعنى الحياة ولدورنا المطلوب فيها وأننا لسنا مجرد كائنات تأكل وتشرب وتستمتع ثم ترحل، وإنما نحن بشر كرّمنا الله تعالى وفضّلنا على سائر المخلوقات حتى نعمل ونبدع ونصلح ونعمل عقولنا في كيفية عمارة الأرض فنقدّم للمستقبل تاريخا مشرفا يفخر به الأبناء والأحفاد، ومن هنا ندرك لماذا وصف الله تعالى هؤلاء الذين يرفضون الاعتراف بهذه الحقيقة فقال: {إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِندَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ}..