بيروت - لبنان

اخر الأخبار

21 تموز 2018 12:05ص جمعية المقاصد في عباءة شعبة المعارف الأهلية

حجم الخط
كثرت في الفترة الأخيرة الانتقادات لجمعية المقاصد وكثر المنظرون حتى يصح القول في بعضهم ما قيل في المنافقين بأنهم من إخوان الشياطين.وحبذا لو يضع  الغيارى على المقاصد أيديهم في جيوبهم لا في جيوب غيرهم وإخراج ما فيها للجمعية بدل وضع أصابعهم في آذانهم  فذلك أنفع وأجدى وأفضل سبيلا .وحبذا أيضاً لو يعمد كلّ من تعلم ودرس في مدارس المقاصد من آلاف الطلبة الذين نهلوا من معينها الوطني والديني بتقديم ما أمكنه ولو دريهمات وفاء وعرفاناً بالجميل للمعلمين وللجمعية التي  وفرت عليهم الذهاب الى الصين لطلب العلم  فقدمت لهم في موطنهم علوم الدنيا والدين.

أرسل باتريمونيو قنصل فرنسا العام في بيروت رسالة في 18/9/1882م الى رئيس وزراء فرنسا ووزير خارجيتها يذكر فيها تلقي الوالي أحمد حمدي باشا أمراً من القسطنطينية بحلّ الجمعيات الخيرية التي أسسها مدحت باشا وسحب أوقافها وأن قدوم حمدي باشا هدفه وضع حدّ لمكائد الجمعيات المذكورة التي اكتسبت نفوذاً كبيراً وأن جمعية بيروت هي الأكثر تأثيراً لأشخاصها وفروعها.ويعيد القنصل أحد أسباب الحلّ الى ضبط 85 برميل بارود من مرفأ بيروت وصلت لحساب سعيد طرباه أحد مؤسسي الجمعية ورجح أن تكون هذه الحمولة مرسلة الى مموّلتها جمعية بيروت الخيرية وينهي القنصل رسالته بأن قرارات الوالي بملاحقة القضية دون جدوى لأن جميع مسلمي بيروت وعلى رأسهم رجال الإدارة والقضاء اجتهدوا بإنقاذ المتهم وإخلاء سبيله لعدم ثبوت الأدلة الكافية لإدانته.
وردت في رسالة القنصل المشار إليه عبارة لفت نظرنا وهي «ان الوالي طلب من قاضي بيروت الذي وصل حديثاً من القسطنطينية التداول بشأن تنفيذ أوامر الباب العالي..» والقاضي المشار اليه هو عبد الله جمال الدين الذي سبق له أن تولى قضاء بيروت وكان أحد المشاركين في اختيار بعض الأعضاء من مؤسسي الجمعية من العاملين تحت سلطته القضائية وهو الذي أشرف على تسليم الجمعية لبعض الأوقاف ثم سافر الى الأستانة وعاد سنة 1299 هـ/1881م مرة ثانياً قاضياً لبيروت. والذي يلفت النظر أيضاً أن الوالي بعد ان قرّر حلّ جمعية المقاصد وإلحاقها بالمعارف تحت اسم شعبة المعارف الأهلية عيّن القاضي عبد الله جمال الدين رئيساً لها. وترافق تولي القاضي منصبه مع قدوم المنفيين من مصر إثر فشل ثورة عرابي، فتعرف على بعضهم كعبد الجواد القاياتي الذي قال في القاضي «إنه عالم بطريق الرياسة خبير بأصول السياسة ثابت الجنان قوي الأركان غاية في الفطنة والإتقان..». 
إطلاق اسم القاضي عبد الله جمال الدين على كلية الدراسات الإسلامية 
وبما ان الفضل يعرفه ذووه فحبذا لو تقوم الجمعية بإطلاق اسم عبد الله جمال الدين على كلية الدراسات الاسلامية فقد تمكن القاضي المذكور من استيعاب قرار حلّ جمعية المقاصد والتفّ عليه بأن اختار أو أشار على الوالي الجديد تسمية أعضاء شعبة المعارف الأهلية. فتعين في الشعبة تسعة أعضاء من مؤسسي الجمعية هم بشير البربير وحسن بيهم وحسن الطرابلسي وحسن محرم وسعيد الجندي عبد القادر قباني محمد المغربل ومحمود رمضان ومصباح محرم إضافة الى عضوين دخلا الجمعية سنة 1881م هما أحمد القباني ورشيد الفاخوري وأضيف اليهم ستة أعضاء هم القاضي ونائبه محيي الدين حمــــــــــادة ومحمد عبد الله بيهم ومحمود الخجا ومحيي الدين طيارة وعبد القادر الدنا.
وهكذا تمكن القاضي عبد الله جمال الدين الذي شارك سابقاً باختيار بعض المؤسسين تمكن من موقعه القضائي المتجدّد من تنفيذ قرار حلّ الجمعية من جهة والحفاظ على دورها وتحقيق أهدافها وحفظ أموالها من جهة ثانية وذلك من خلال تسعة من المؤسسين والذين شكلوا غالبية أعضاء شعبة المعارف الأهلية وكأنه أراد تحويل الأنظار عمّا نسب للجمعية من خلفية سياسية وعن ارتباطها بمدحت باشا وشبهات دعوة هذا الأخير الإصلاحية كما استطاع من موقعه القضائي ورئاسته لشعبة المعارف ومعرفته بأشخاص المؤسسين وسرائر الجمعية من إقناع الوالي بالاكتفاء بما حصل للجمعية وتأكيد ولاء اعضاء الشعبة للسلطان.وتأكد هذا الولاء من خلال نفي شبهة تعاطف البيارتة مع حركة أحمد عرابي وترك علماء المدينة مسافة بينهم وبين الإمام محمد عبده المنفي الى بيروت  فلم يثبت أنه القى خطبة في مسجد بيروت رغم صداقاته التي غلبت عليهــــــــــــا الصبغة الثقافية. 
ولا ينكر دور عبد الله جمال الدين في إبعاد الشبهات عن علاقة جمعية المقاصد بالمنشورات التي ألصقت في شوارع بيروت وببراميل البارود التي ضبطت لسعيد طرباه، فتمكن بصفته نائب بيروت ورئيس مجلس التمييز من إبقاء علاقة سعيد طرباه ببراميل البارود ضمن  إطاره التجاري وقام بإخلاء سبيله وحفظ الشكوى. واستمرت المحكمة الشرعية في الاستعانة به وبغيره من مؤسسي الجمعية في حلّ النزاعات التي تحصل بين السكان فعلى سبيل المثال حضر عمر بن الحاج مصطفى بن عبد الرحمن القباني في 12 شوال 1305 هـ /1888م وادعى على جارته ليلى بنت محيي الديــــــــن بن عبد الحليم خطاب الشامية أنها أحدثت علّية فوق غرفة دارها في محلة الباشورة وجعلت لها باباً وشباكاً كاشفين مع سلم خشب يصعد اليها على فسحة داره العلوية والسفلية وعلى مطبخيهما التي هي مقر النساء وجولانهن وقد أجابت ليلى بأن عمر هو الذي كاشف من واجهتي داريه على فسحة دارها التي هي كذلك مقر النساء وجولانهن وطلبت منع الكشف فجرى الكشف على الدارين بحضور ثلاثة من مؤسسي جمعية المقاصد هم محمود عبد الغني عمر رمضان وأحمد سعيد مصطفى دريان وسعيد طرباه فتعرفا انه يلزم كلاً منهما منع الكشف المحدث منه على الآخر وتعهد كل منهما بمنع هذا الكشف.
عمل القاضي عبد الله جمال الدين على استمرار مسيرة جمعية المقاصد تحت عباءة شعبة المعارف الأهلية. فقد استدعى بوصفه رئيس الشعبة عموم الأعضاء وخطب فيهم مثمناً خدمة جمعية المقاصد للملة والوطن ما استوجب شكرها وقال بان تبديل الجمعية بشعبة المعارف لا يغير من هذا المقصد شيئاً فدعا الجميع للدولة بدوام العز وبحفظ السلطان عبد الحميد. ثم جرت المذاكرة على الدور والتسليم وتعيين وقت الاجتماع وفقاً لنظام المعارف العمومية ويستفاد من دفتر اجتماعات الشعبة  بين سنتي 1321 و1326 ان الشعبة كانت تجتمع في مدرسة الاناث الاولى وان الشيخ حسن ابن المفتي الشيخ عبد الباسط الفاخوري كان مفتشاً للمكاتب. 
ومن الإنجازات التي قامت بها شعبة المعارف الأهلية افتتاح المدرستين  اللتين كانت الجمعية قد أنشأتهما في محلة رأس النبع من المال الذي اوصى به للجمعية السيد علي الشخيبي وإنشاء المدرسة السلطانية سنة 1883م (كلية المقاصد للبنات) وبعض المدارس الأخرى التي كانت جمعية المقاصد قد قررت إنشاءها وذلك حتى سنة 1908م عند إحياء جمعية المقاصد. ومما عرف عن الشعبة أن مفتي بيروت الشيخ عبد الباسط الفاخوري (والد المؤسس الشيخ محمد) قد ترأس الشعبة سنة 1884م حتى  وفاته ثم عين لها سنة 1907م عبد القادر الدنا (المقرب من أبي الهدى الصيادي).
ومما يؤسف له عدم  وجود سجلات كاملة لشعبة المعارف الأهلية ومحاضر مداولاتها فلم يتبيـــــن ما إذا كانت الشعبة التي استلمت أوقاف المقاصد قد تولّت أمور مقابر الباشورة والمصلــــــــى (الخارجة) والسنطية الذي سبق لعبد الله خرما ان تنازل عن توليته عليها الى حسن محرم بك رئيس الجمعية؟.
يشار الى ان عبد القادر قباني اقفل جريدته  سنة 1908م بعدما قامت جمعية الاتحاد والترقي باستلام السلطة وكتب سنتها مقالاً بعنوان الحق أحق ان يقال ويتّبع ندد فيه بما نزل به من الظلم  بسبب عزله عن نظارة المعارف. فتعرض للمضايقة والاضطهاد من الاتحاديين وأشاعوا عنه أخباراً ملفقة. ففي شباط 1911م نشرت جريدة  المفيد بعنوان» القباني والصنائع «مقالة استنكرت فيه ما أذيع من تعيين القباني عضواً في مجلس المعارف في الولاية « لأننا على ما نعلم أن الأفندي قد عزل من إدارة المعارف عزلاً  فكيف قد رجع إلى منصب قد عزل منه؟...» ونسب المقال إلى القباني» فكرة يخشى أن يبوح بها» ثم يقول «انعقد مجلس المعارف في أيامنا الأخيرة فقال عبد القادر أفندي إن جمعية المقاصد الخيرية تتلاعب بها الأطفال ولذلك أرى أن تلغى مدارسها ونستولي على وارداتها البالغة 12 ألف قرش، نسيّر فيها مكتب الصنائع. فوافق جل أعضاء المجلس حتى إذا دخل اليه أحد أعضائه، التفت إليه بعضهم وقال إن سعادة الأفندي أبدى فكرة حسنة وهي أن نلغي جمعية المقاصد الخيرية ونستولي على وارداتها نسيّر فيها مكتب الصنائع...» ويمضي المقال ليخبر» بأن العضو المذكور اعترض لأن الفكرة مخالفة للشرع والقانون فأملاك جمعية المقاصد الخيرية أوقفها الأجداد المسلمون لرفع الغوائل عن فقرائهم وتعليم أبنائهم. وأن تحويل الأملاك إلى مكتب الصنائع يخلّ بشروط الواقف لأن مكتب الصنائع لأولاد المسلمين وغير المسلمين...» وقد رد القباني على ما نشرته جريدتي المفيد والحقيقة فاعتبره بهتاناً وافتراءً وتقدم بدعوى قدح وذم ضد الصحيفة إلا أن المحكمة اعتبرت  أن ليس فيما نشر ما يدل على القدح والذم وأن ذلك لم يخرج عن دائرة الانتقاد، فبرأت المدعى عليهم . 
وكانت للوالي أحمد حمدي باشا انجازات مهمة منها سعيه بوضع المنبر ونصب الخطيب في زاوية البدوي الجديدة التي عرفت بجامع الأحمدين نسبة الى السيد احمد البدوي والى الوالي احمد حمدي باشا ويعرف اليوم بجامع الباشورة. واحتفل في حزيران 1882م بوضع الحجر الأول في السراي الجديدة التي عرفت فيما بعد بالسراي الصغير. وتمّ تدشينها في كانون الأول سنة 1884م. 
وقد سكن احمد حمدي باشا في منزل كبير يملكه آل العريس  اقيمت محله الحديقة العامة في محلة حوض الولاية وقد توفي فيه ودفن في مقام اقيم شمالي المدرسة السلطانية عرفت بمحلة قبر الوالي وقد نقل الضريح وقبته الى داخل مقبرة الباشورة بعد فتح طريق البسطة. اما لماذا حوض الولاية فلأن الادارة أنشأت عدة احواض لمنفعة السكان منها حوض قرب المدرسة العسكرية (مدرسة حوض الولاية) ولأن البيت الذي يسكنه الوالي يطلق عليه دار الولاية.

* محامٍ ومؤرخ