بيروت - لبنان

29 تشرين الثاني 2019 12:02ص حرّروا الدين... من سجون أفكاركم المتسلّطة..؟!

حجم الخط
اسمحوا لي بداية، وبكل صراحة أن أقول أننا في ظل هذه الأزمة التي تمرُّ على بلادنا، ظهر جليّاً وللناس جميعا حجم الهوة الكبيرة التي باتت واقعة بين الدعاة وبين الناس للأسف الشديد..؟!

هوة.. جعلت الناس أولا يرون الدين - بما وصل إليهم - وكأنه بعيد عنهم ومخاصم لحياتهم ولا يناسب طموحاتهم ولا فطرتهم، كما جعلتهم أيضا ينظرون إلى كل داعية نظرة شك وريبة استقرّت في نفوسهم منذ زمن بعيد دون أن يروا الحد الأدنى من السعي الحقيقي للإصلاح أو لتغيير الأسباب التي روّجت لهذه النظرة..؟!

ومن هنا أقول وبصوت عالٍ....

متى سنحرّر الدين ونطلق حقيقته للناس؟!...

متى سنخبرهم أن غالبية ما نقوله لهم هو فهم أشخاص معيّنين للدين... وليس الدين..؟!

بل ومتى سنتحوّل - ونحوّل معنا المجتمع - من مفسدة وراثة الدين، إلى فضيلة التفكّر والتدبّر لأمور هذا الدين العظيم..؟!

إننا أيها السادة الكرام ومنذ عقود طويلة نعاني من (حَوَل فكري في التعامل مع النص) أدَّى بدوره إلى اختلاط المفاهيم وإلى ضياع المقاييس وإلى إندثار التفاعل الحقيقي مع كتاب الله... فكانت النتيجة ان أجيالا كثيرة آمنت بما قاله فلان أو علّان عن النص… وليس بما قاله النص ذاته...؟!

وهذا الحول الفكري «غير البريء» في كثير من الأحيان... أوصلنا الى كارثة مفجعة جعلت الدين بكليّته عند عدد غير قليل من الناس في مواجهة الحياة...؟!

فإما أن يعيش الإنسان حرّا كريما متفاعلا مع كتاب الله ومع الكون كله من حوله مستفيدا من كل معطيات عصره وزمانه، وهو حينها ضال وزنديق وربما كافر...؟!

وإما أن يسير فقط على الفهم الذي يريدوننا أن نؤمن به للنص ليعيش مطأطئ الرأس ومقبّل الأيادي «يتبارك بلمس عباية مولانا».. وحينها طبعا هو مثال للمؤمن الملتزم..؟!

نعم... علينا أن نعترف جميعا أننا ومن قبلنا أجيال كثيرة سجنّا الدين عمداً في إطر «مفاهيمية» مقولبة، وفي اتجاهات فكرية محددة ثم قلنا للناس «هذا هو الإسلام، وهكذا عليكم أن تفهموه، وأي فهم آخر.. هو رِدَّة وهو فسوق وهو كفر»...؟!

أعلم تماماً أن دعوتي لـ (تحرير الدين) ربما تقلب الطاولة فوق رأسي، وربما تجعلني في (نظر هؤلاء القالبين) من أعوان الشيطان..؟! ولكن هذا لا يغيّر شيئا من الحقيقة التي نعيشها في كل تفاصيل حياتنا... وهي أننا حوّلنا الدين إلى «عُلَبٍ» نمطية جاهزة، نقدّمها للناس بعد أن ختمنا على غلافها كلمات من مفردات (مقدّس.. ومعصوم.. ومجمع عليه) فانتشر بيننا «الجهل المقدس»..؟!

إن الحقيقة التي علينا أن نعترف بها جميعا... هي أننا غرباء عن نقاء وصفاء ورقيّ هذا الدين العظيم... وأننا لأسباب كثيرة هجرنا أصل وحضارة النص القرآني ثم قدّمنا للناس شروح فلان أو علّان كنص بديل عنه، ثم بعد ذلك ولضمان نجاح «جريمتنا» روّجنا للكذبة الكبرى بأن «باب الاجتهاد مقفول».. فوصلنا إلى ما نحن عليه الآن..؟!

حرّروا الدين من سجون أفكاركم المتسلّطة، وفكّوا عنه تلك القيود التي «قدّستموها» حتى غيّبت حقيقة التفاعل مع كتاب الله تعالى.. فالدين حياة... وبألف تأكيد.. لا حياة في ما تقولونه ولا فيما تروّجون له..؟!

bahaasalam@yahoo.com