بيروت - لبنان

اخر الأخبار

13 تشرين الأول 2021 12:01ص شهر الأنوار المحمّدية

حجم الخط
نستقبل شهر ربيع الأنور برسول الله صلى الله عليه وسلم والأزمات محدّقة بالأمّة، ونعتبره شهر بلسمة جراح المكلومين، الذين أصابتهم لأواء الحياة، وظلم السياسيين؛ ليعودوا لرسول الله ويتعلّموا من مدرسته كيفية بناء الإنسان والأوطان، والتي يستشعر المؤمن عظيم الاتباع للنبي محمد صلى الله عليه وسلم الذي تعامل مع الأزمات بحكمة ورويّة وأنقذ البشرية بريادة، وأطلقها من رق الفوضى وعبودية الأوهام، فقد بعث النبي صلى الله عليه وسلم وكان العرب أتباعاً، فأصبحوا أسياداً، وكانوا قبائل متناحرة، فأصبحوا إخوةً ينصر بعضهم بعضاً، ذلك أنه لا سبيل إلى السعادة والفلاح في الدنيا وفي الآخرة إلا على يد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا سبيل إلى معرفة الطيب والخبيث على التفصيل إلا من جهته، ولا ينال رضا الله البتّة إلا على يده.

وإن النبي محمدا هو إمام المرسلين وخاتم النبيين الذي أرسله الله رحمة للعالمين في زمن كان العالم مصابا بإنسانيته فسجد للحجر والشجر والنار والبقر، ولم يفعل ذلك مع خالق القوى والقدر، فكان الذئب راعيا، والخصم الجائر قاضيا، والظلم مستشريا تعبد الأصنام، وتؤكل الميتة، وتؤتى الفواحش، وتقطع الأرحام، ويساء الجوار، ويأكل القوي الضعيف، فبعث الله رسولا معروفا نسبه، وصدقه وأمانته وعفافه، دعا إلى الله ليوحّد الناس ويعبدوه، ويخلعوا ما كانوا يعبدونه من الحجارة والأوثان، فأمر بصدق الحديث، وأداء الأمانة، وصلة الرحم، وحسن الجوار، والكفّ عن المحارم والدماء، ونهى عن الفواحش، وقول الزور، وأكل مال اليتيم، وقذف المحصنة، وأمرنا بالخير كله، فرسول الله صلى الله عليه وسلم للإنسان كالهواء للنفس، الماء للحياة، وهو ترياق القلوب وإمام الأرواح، نقل الناس من حال إلى أحسن حال، من الظلام إلى النور، ومن الضلال إلى الهداية، ومن التخبّط والحيرة إلى الأمن والاطمئنان، وربّى أناسا تحمّلوا أمانة الدين في الأمة فكانوا على مستوى الأمانة التي حملوها، أسعدوا الإنسانية، وأرشدوا الضال، وأصلحوا الفاسد، ورأبوا الصدع، وأقاموا في الأرض القسط، وبسطوا على العالم جناح الأمن.

وهذا هو مصداق قول الله تعالى {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بالله} فما أحوجنا إلى رسول الله في حياتنا كلها، حيث ترك الكثير منهجه، وأحاطت بالأمة المكائد، وحيكت لهم المؤامرات، وشوّهت رسالة الإسلام، واستضعفت الأمة حتى غدت تعيش جاهلية جهلاء، فصلاح العالم بصلاح منهجه، ومنهجُه الصالح هو برسول الله.

شهر النور المحمّدي

لذلك والحديث عن شهر ربيع الأول، شهر النور المحمدي الذي أشرق على الدنيا بميلاد رسول الله وأطفئت كل قناديل الظلم وبهرجة البغي أمام عدل رسالة الإسلام ونقاء سيد الأنام صلى الله عليه وسلم الذي كان بحق قدوةً للناس في واقع الأرض، وقائداً للبشر في واقع الأمر، والذي تَجمَّعت فيه كلُّ الصِّفات الحسَنَة والأخلاق الطيِّبة التي تفرَّقَت في البشر، تتمثَّل فيه كل الصِّفات والطَّاقات الخيّرة، والتي يراها العقلاء في كل عصر ومصر رأي العين دون قراءة كتاب، يرَونها في بشَرٍ فتتحرَّك لها نفوسهم وتَهفو لها مشاعرُهم وتَنجذب لها عقولهم، وتَرتاح لها ضمائرهم، وتطمئن لها قلوبهم، يرَونه واقعاً يتحرَّك في واقع الأرض.

سُئلَت السيدة عائشة رضي الله عنها عن خُلق رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالَت: «كان خُلُقه القرآن»، وفي روايةٍ: «كان قرآناً يَمشي على الأرض»، ومن هنا كان صلى الله عليه وسلم قائداً ربَّانيّاً يُؤتمَن على الودائع ويَضع الحَجَر ويحقن الدِّم، ولذلك لما التزم الصحابة طاعة رسول الله، بها حققت الأمة العزّة والقوة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم يأمر بالتعلّم والحثّ عليه، والعمل وإتقانه، والخلق الحسن والإحسان للجميع ورعاية البيئة ورحمة الحيوان، فكان يأمر بالحق ويدعو لإقامة العدل وتجنّب الظلم ومحاربة الخرافة والجهل والوثنية والشرك، وجاء بالتوزيع العادل للأموال في المواريث ورعاية الفقراء وتنظيم أمر التجارة بالحق وتحريم الربا والغش، وإنه بهكذا خلق تعمر الأوطان وتطمئن القلوب وتنعم العقول بالحكمة، وعليه فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو أكمل الناس خَلقاً وخُلقاً، وشريعته أتمّ الشرائع وأكملها.

وقد زخرت سيرته قولاً وفعلاً بما يرشد الناس إلى أنسب الخلال في السلوك والمعاملات بما لا تظفر به في نظام ولا تجده عند أحد غيره، فغيَّر بشريعته وقيادته وبيَّض وجهَ الأرض، وعطَّر نسيم الكون، ونظَّم شؤون الحياة‏، بالوحي الذي جاء به من عند الله، وتجمعت في شخصه الكريم كل الصفات الحميدة، والأخلاق الحسنة التي تفرّقت في البشر السويّ، فكان مع ربه العبد الطائع، وكان مع الناس الفقير الجائع، وكان مع زوجاته المحب الودود، وكان مع جيرانه الكريم الجواد وهذه إنما تتوفر في القائد القدوة.

والوطن الذي تعتصره الأزمات والنكبات هو بحاجة لأن يعيش عيشة القائد رسول الله القدوة في كل شيء لتنهض بلادنا وتتغيّر أوضاعها إلى ما يصبو إليه المواطنون بعد أن حلّت النكبات والويلات والمحن والنوائب، وتغيير الحال لن يكون إلا بتغيير ما في النفس والعمل ليكون على منهج من جعل للإنسانية كرامة وصيانتها وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم فحريّ بنا أن نتعرّف عليه ونقتدي به ونتأسّى بما جاءنا به، قال الله تعالى: {لقدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُوْ اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً}.