بيروت - لبنان

اخر الأخبار

13 شباط 2020 12:05ص علاقة الأم مع بناتها في عصرنا الحالي

لا بدّ من التواصل النفسي والفكري حتى نحسن تأسيس المستقبل المُشرق

حجم الخط
تتميّز التربية الإسلامية عن غيرها أنها تربية إنسانية، هدفها الأول والأخير هو إنشاء الإنسان الصالح. وفي الوقت الذي تهدف فيه التربيات الأخرى إلى إعداد المواطن الصالح كما يقولون ثم يختلفون على مواصفاته وكل يبني فلسفته التربوية على وفق هدفه وميوله، نجد الإسلام يهدف إلى تربية الإنسان بصرف النظر عن جنسه ولونه ولغته وبلده، فالإنسان هو محور التربية الإسلامية بعقله وروحه وجسمه وغرائزه، ونجد الإسلام يرسم المنهج الذي يوصل إلى تلك الغاية، فهو يريد الإنسان الأتقى {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}، يريد الإنسان العابد {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}، الإنسان الذي يبتغي رضوان الله في السر والعلن ويتبع هديه {فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ}.

وكما تتميّز التربية الإسلامية بأنها إنسانية، تتميّز بأنها دينية، تربط الإنسان بخالقه يرجوه ويخافه، وتخاطب فيه الفطرة، وتستنهض عوامل الخير في داخله، ولذا قيل: «إن ارتباط الضمير الإنساني بالله هو الخط الأول في تربية خلقية عميقة الجذور، وهذا يقتضي أن تُتخذ العقيدة الدينية قاعدة أساسية للتربية الفردية أو الاجتماعية في سبيل تكافل اجتماعي لا يحقق مصلحة اجتماعية فحسب، ولا مصلحة قومية فحسب، بل كذلك يحقق غاية إنسانية بعيدة تتّسم بالرغبة في إرضاء الله وحده، والتضحية بالغالي والرخيص إبتغاء وجهه الكريم».

ولكن كيف تكون تربية البنات في عصرنا الذي أصبح مليئا بالتحدّيات؟.. هذا ما سنحاول الإجابة عنه في تحقيقنا التالي.

الشيخ الخانجي

{ بداية قال الشيخ محمد الخانجي إمام وخطيب مسجد قريطم: طبيعة البنات منذ القدم أن يكون لهن أسرار مشروعة، وأن يَحْفظنَها عن أعين الناس، ولم يكن هذا يمنع إنشاء علاقة صداقة بين الأم وبناتها، أمَّا في عصرنا فنلاحظ أن الأُم والزوجة انشغلتِ بأمور كثيرة جدّا ونتج عن هذا أن أصبح إشرافها على تربية الأولاد في ذيل قائمة الاهتمامات، ولذلك ندعو كل أم في مجتمعنا لكي تعود إلى فطرتها ودورها الأساس منعا للخطر الذي قد يلحق بالأولاد بصفة عامة والبنات خاصَّة.

وأضاف: إذا كانت الأم قد تنازلت عن دورها، فماذا عسى البنات أن يفعلن غير اللجوء للصديقات، والبوح لهن بأسرارهن ومشكلاتهن التعليمية والعاطفية والمعيشية وغيرها، ويتعرَّضن للوقوع في المصائب والأخطاء بسبب غياب الأم؟!

وأول خطوة هي أن تتجنّب الأم كَثْرَةِ اللَّوْمِ والعِتاب وإظهار العيوب للابنة، فعليها مراعاةُ الحِكْمة في توجيه الابْنة، والتنويع هو مسلك الناجحين، وتحيُّن الأوقات المناسبة بما يحتاجه الموقف والظروف والحالة النفسية للابنة الحبيبة، فالأُمّ إن تعاملت مع بنتها كصديقة ستكون سبباً في صلاحها، فعليها بالدعاء لها لا عليها، لأن الرسول  صلى الله عليه وسلم دعا للأطفال، فبارك الله في مستقبلهم بالعمل والمال والولد؛ فعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: (ضمَّني النبي  صلى الله عليه وسلم إلى صدره وقال: اللهم علّمه الحكمة)؛ وبفضل دعوة رسول الله  صلى الله عليه وسلم أصبح ابنُ عبَّاس حبر الأمة وترجمان القرآن، فالدعاء للابنة أمامها يكون سبباً للتواصل والقُرب بينها وبين الأم، إلى جانب الراحة النفسية بشعورها أنَّ أمَّها تحبُّها، وتدعو لها وهذا له أثر رائع تلمسه الأم والابنة.

خطوات عملية

{ أما المتخصصة في الشؤون الأسرية نوال مراد فقيه فقالت: لا بد أن يكون لدى الأم وعي كافٍ بدورها تجاه ابنتها، وقراءة واعية ومدققة لفترة المراهقة وما يصاحبها من تغيّرات، فالأم يجب أن تقيم علاقة صداقة مع ابنتها تكون الأم فيها المثل الأعلى والقدوة الحسنة؛ ومن ثم تصبح حكيمة في التعامل مع ابنتها، فتكون رقيقة وليّنة في الأوقات التي تقتضي ذلك وتكون حازمة وشديدة في أوقات أخرى، ويمكن للأم أن تحكي لابنتها سيرة بعض النماذج التي تعالج مشكلة ابنتها إن وجدت بطريقة غير مباشرة.

- الاحترام المتبادل: فالاحترام ومنح الاعتبار ضروريان في إشعار المراهِقة بالقبول والذي يُعد مطلباً نفسياً هاماً لا تستغني عنه الفتاة؛ فهي ترفض أن تكون منبوذة أو مكروهة من والديها، أو تُعامل معاملة الأطفال، هذه المعاملة تجعلها تشعر بالدونية والامتهان، وتؤدّي إلى تكوين حاجز نفسي بينها وبين والديها؛ ومن ثم لا يستطيعان التأثير فيها بسهولة حيث لا تقبل توجيهاتهم لها.

- الوقت والاهتمام: يحذّر علماء النفس الأم من انشغالها عن الأبناء، لأن تواجد الأم بين أبنائها يمنحهم الأمان النفسي، ويشعرهم بالاستقرار، وتحتاج الفتاة إلى وجود أمها بجوارها لوقت كافٍ على مدار اليوم والليلة، حتى يتحقق التواصل الفعلي بينهما، فدوام الرؤية تمكّن الأم من إظهار الاهتمام لابنتها ومتابعة أخبارها ومساعدتها في شؤون دراستها، ومشاركتها في الاهتمامات وغيرها، فلا تقوم الصداقة بغير هذا التواصل والاهتمام والمشاركة بين الأصدقاء.

- تبادل الاستشارات: من العوامل الهامة لكي تكسب الأم ودّ ابنتها تبادل الرأي والمشورة بينهما، فتقدّم الأم لابنتها الخبرات التي تعدّها أماً للمستقبل، ويجب أن تتعرّف الأم على صديقات ابنتها وأسرهن، وتعطي للابنة قدراً من حرية الاختيار، وإذا حدث خلاف تتناقش معها بودٍّ وتقنعها بأسلوب منطقي دون ضغط أو إجبار وتشركها معها في الأعمال المنزلية وتشاركها في هوايتها.

- المصارحة والوضوح: ينبغي أن تعتمد الأم منهج الصراحة والمكاشفة مع ابنتها، على أن تكون مستودعاً لأسرارها، وتراقبها بدون أن تشعرها بذلك وإن وجدت خطأ فيمكن معالجته بطريقة الإيحاء غير المباشر أو بضرب المثل والقدوة.

- الحوار: فقد أكدت الدراسات العلمية أن أكثر من 80% من مشكلات المراهقين في عالمنا العربي تأتي كنتيجة مباشرة لمحاولة أولياء الأمور تسيير أولادهم بموجب آراؤهم وعاداتهم، ومن ثم يحجم الأبناء عن الحوار مع أهلهم لأنهم يعتقدون أن الآباء إما أنهم لا يهمهم معرفة رأي أبنائهم في مشكلاتهم، أو أنهم لا يهمهم معرفة مشكلات أبنائهم من الأساس.

- الاعتدال في المعاملة: العاطفة المقترنة بالحزم أنسب إطار لإنجاح دور الأم نحو ابنتها المراهقة؛ فالأم الفطنة هي التي تعرف كيف توازن بين الرقة حيناً، والشدّة حيناً، وبينهما وعي الأم وقراءتها المدققة لفترة المراهقة ومخاطرها، يُعد هو الأسلوب الأمثل في تربية الفتاة والتعامل معها، فلا يكفي أن تحب الأم ابنتها وتخاف عليها ثم تترك الأمور تسير قانعة بهذا الشعور القلبي وحده، ولكن يجب أن يكون الحب والخوف مفتاحين لعلاقة إيجابية وصداقة ناجحة بين الطرفين، بعيداً عن التأرجح بين الشدّة واللين، إما حرية وتسامح لا حدود لها، وإما قسوة وشدّة لا رحمة فيها.