بيروت - لبنان

اخر الأخبار

4 آب 2021 12:00ص في حوار حول واجب المواطن في زمن الأزمات مزوق: على العلماء رفع لواء الحق والثورة على كل فاسد

حجم الخط
كثُرت علينا في الآونة الأخيرة الفتن والابتلاءات.. لقد ابتلانا الله بطبقة حاكمة فاسدة حرقت الأخضر واليابس..

ابتلانا بطبقة مجرمة قتلت الأبرياء.. بطبقة جشعة.. احتكرت الدواء والحليب.. والمحروقات..

بطبقة لم تشعر بالألم وأوجاع النّاس، ولم تنصت لصوت المريض والموجوعين..

الأزمات توالت واحدة تلو الأخرى على المواطنين ولا حيلة لهم إلا التوكّل على الله والصبر على البلاء.. فالأب لم يعد قادراً على شراء احتياجات أطفاله.. أو على دفع فاتورة اشتراك المولد الكهربائي.. حتى كثرت الأفكار للانتحار والتخلّص من هذا البلاء..

هنا يبرز دور العلماء في نشر الثقافة الدينية والشرعية وحث النّاس على الصبر وتوجيههم على حسن اختيارهم لمسؤوليهم في المرة المقبلة..

كيف يتصرف المسلم في زمن الفتن والابتلاء؟.. أي دور للعلماء في هذه الأزمات من حيث الدعوة والتوعية؟... كيف تستطيع الأسرة بث روح الصبر والتحمّل داخل المنزل؟...

أسئلة عديدة حملناها إلى رئيس دائرة الفتاوى في دار الفتوى الشيخ وسيم مزوق، فكان هذا الحوار..

{ في زمن الفتن والابتلاء كيف يتصرف المسلم؟

- يقول ربنا سبحانه وتعالى في كتابه العزيز {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً}، يخبرنا ربنا في هذه الآية الكريمة ان الدنيا هي دار ابتلاء واختبار وامتحان وعند نزول البلاء يحصل التمحيص بين الناس، ففي زمن الفتن يظهر المؤمن العابد الصابر المحتسب الذي إذا أصابته مصيبة قال «إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعون»، فقد قال ربنا سبحانه وتعالى {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ}، والمراد هنا بالمصيبة ليس الموت فحسب بل ذلك من المصائب، والمصائب التي تنزل بالعبد كثيرة منها: الفقر، والغلاء، وتسلّط الأعداء وتسلّط سلطة فاسدة تحكم بالعباد والبلاد، كما نعيش في لبنان.. حيث يُعاني المواطن اللبناني الكثير الكثير حيث لا يجد دواء ولا محروقات «بنزين ومازوت»، ويعاني ارتفاع أسعار المواد الغذائية حيث لا توجد رقابة من الدولة لأن المواد الغذائية تبقى أسعارها مرتفعة ولو نزل الدولار، وكلنا نعلم ان الدواء جرى تخزينه في المستودعات من أجل الاحتكار حيث ينتظر هؤلاء التجار الفجّار رفع الدعم حتى يخرجوا هذه الأدوية إلى النّاس، أو إذا دفعت الآن بالدولار يحضر الدواء ويصبح بين يدي المواطن. في ظل كل هذه الأزمات، قد تأتي أفكار ووساوس للناس منها الانتحار، وقد جاءتنا أكثر من حالة إلى دار الفتوى وإلى المسجد أناس يستفتون من أجل الانتحار ويسألون ما مصير المنتحر في ظل هذه الأزمات الصعبة حيث لا يملك ثمن الطعام والشراب، وليس لديه قدرة علی دفع اشتراك الكهرباء لأصحاب المولدات وعنده أولاد لا يستطيع أن يؤمّن لهم الحليب والحفاضات، فجاءته هذه الفكرة بل هذا الوسواس ألا وهو قتل النفس.

{ بناء على ما ذكرت، كثير من النّاس ينتظرون دوراً من الدعاة، فأي دور لهم في هذه الأزمات من حيث الدعوة والتوعية؟

- هنا دور العلماء والخطباء والأئمة أن يصبّروا النّاس وأن يعلّقوا قلوبهم برب العباد، فإن الله هو الرزّاق ذو القوة المتين، فان الله هو الذي يشفي وهو الذي يرزق وهو الذي يعطي وهو الذي يمدُّ الإنسان بالصحة والقوة، وعلى العلماء أن يتكلموا عن التوكل على الله عزّ وجلّ ويذكّرونهم بحديث رسول الله  صلى الله عليه وسلم «ولو انكم تتوكلون على الله حق توكّله لرزقكم مثل ما يرزق الطير تغدو خماصاً وتلوح بطانة»، فمن رزق الطير الله، فكما رزق الله سبحانه وتعالى الطير يرزق النّاس أجمعين، وهنا دور العلماء أن يتكلموا بالحق وأن يثوروا بوجه الطبقة السياسية الفاسدة التي سرقت العباد والبلاد وأن يقولوا لهم ارحلوا وتوقفوا عن الفساد والإفساد في الأرض، فإن الله لا يحب المفسدين، عليهم أن يقولوا لهم ارحلوا لأنهم لم يكونوا ولن يكونوا على قدر الأمانة، لأن المسؤول مؤتمن، وقد أعطوا أكثر من فرصة، فباءوا بالفشل بل ظهر فسادهم أكثر حيث يبحثون عن مصالحهم الشخصية منها أكثر.

وأضاف: علی العلماء إزاء ذلك أن ينشروا الوعي بين النّاس بأن يقولوا لهم انظروا لمن تصوّتون في الانتخابات وصور من ترفعون، وأي هتافات تقولون لأي زعيم، هل هذا الزعيم أو الحزب أو التيار الذي تناصرونه وتدافعون عنه وتؤيّدونه هل يخاف الله؟ هل يحلم بالعدل؟.. هل همّه أن يعالج الأزمات والفتن التي نعيشها؟ هل همّه أن يؤمّن الدواء والكهرباء وسائر مقومات العيش؟.. لأن المواطن سيحاسب أيضاً كما يحاسب المسؤول..

فأنت أيها المواطن انظر من تحب ومن تناصر لأنك ستحشر معه، قال رسول الله  صلى الله عليه وسلم «المرء مع من أحب»، ففي ظل هذه الأزمات التي نعيشها توجد أزمة الفساد في الطبقة السياسية وتوجد أزمة الفساد عند بعض المواطنين الذين ما زالوا يدافعون عن زعمائهم الفاسدين، ومن فساد بعض الشعب الذين يستغلّون هذه الأزمات ويتبارون بها، فعلى العلماء أن يحذّروا النّاس وأن يخوّفوهم من الله وأن يبيّنوا لهم الأحكام الشرعية فيما يتعلق بالاحتكار والغش، كلنا نرى اليوم كيف يتم احتكار البنزين والمازوت حيث يتم بيعه بالسوق السوداء بأسعار خيالية، وأيضاً نرى كيف يتم بيع غالون البنزين وهو مغشوش حيث يوضع فيه الماء، فكم من الضحايا وقعوا بين أيدي هؤلاء الغشاشين، فهذا المواطن المقطوع من البنزين فوق الهم الذي كان فيه وفوق السعر الخيالي الذي دفعه ثمن البنزين وإذا بالسيارة تتعطّل، فليتقوا الله ويعودوا إلى الله، وعلى كل عالم أن يضاعف جهده في دروسه وخطبه لنشر الثقافة الدينية والشرعية وليركّز على الأخلاق وعلى التراحم بين العباد، لأن الناس إن لم يتراحموا فيما بينهم فإن الرحمة الربانية قد تتأخّر حتى يعود النّاس إلى الله، فالراحمون يرحمهم الله.

{ ماذا عن دور الأسرة داخل المنزل في بث روح الصبر والتحمّل إزاء ما يحصل؟

- أما بالنسبة لدور الأهل في الأزمة، فالآباء والأمهات هم القدوة، فالأب عليه أن يكون في قمّة الصبر، نعم أعلم كم يُعاني الأب من ضغوطات مادية ونفسية واجتماعية عندما يخرج من الصباح الباكر للعمل وفي ظل هذا الطقس الحار وفي ظل تدهور العملة اللبنانية وفي ظل ارتفاع الأسعار وخاصة إذا طلب منه ولده شيئاً ولم يستطع إحضاره بسبب الغلاء، نعم سيشعر بضغوطات كبيرة، ولكن بالرغم من كل هذه الآلام والضغوطات عليه أن يتحلّى بالحلم والصبر وأن يطلب من الله أن يفرج عنه ما هو فيه، وأن يقول «اللهم أجرني في مصيبتي هذه واخلفني خيراً منها» وأن يقول «اللهم ارفع عنا البلاء والوباء والغلاء وشماتة الأعداء»، وأن يدخل إلى بيته مبتسماً، فقد قال  صلى الله عليه وسلم «تبسّمك في وجه أخيك صدقة» فكيف التبسّم في وجه الزوجة والأولاد؟ تبسّم أيها الأب ولو كنت في أزمات كبيرة، فالله عزّ وجلّ هو الذي يفرج عنك وعنّا ما نحن فيه، نعم أيها الأب عليك أن تبث الأمل والتفاؤل في نفسك وفي زوجتك وأولادك، إيّاك أيها الأب وأنتِ أيتها الأم أن تقولا للأولاد اننا سنموت من الجوع، أو لم نستطع الخروج من هذه الأزمة، أو لم أسجلكم في العام القادم في المدرسة أو الجامعة إذا استمر الوضع هكذا..

وأضاف: أيها الآباء والأمهات احسنوا ظنكم برب العباد وتوكلوا عليه فهو القادر على أن يبدّل حالنا إلى الأحسن.

فكم مرَّ لبنان الحبيب في أزمات وحروب وبإذن الله تعالى خرج منها ووقف على قدميه، ولكن علينا أن نكون مع الله وأن نطلب من الله أن يزيل عنا هذه المحن، فقد قال ربنا {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ}.

{ ما هي كلمتك الأخيرة التي توجهها للناس؟

- أقول للناس اتقوا الله حق تقاته، واتركوا الذنوب والمعاصي والآثام، فمن أسباب نزول البلاء المجاهرة بالمعاصي ومن أسباب ارتفاع البلاء التوبة والإنابة إلى الله والعودة إليه، لأننا في ظل هذه الأزمات نرى المرابين أصحاب الأموال يعطون النّاس قروضاً ربوية مستغلّين أزمة المصارف، فهو يرابي بماله مباشرة، ونرى أيضاًًَ للأسف النساء الكاسيات العاريات في الطرقات وعلى الشواطئ البحرية والمسابح، فبالله عليكم كيف نريد أن يتغيّر حالنا ونحن لا نغيّر ما في أنفسنا ولا نتوب إلى الله ولا نستغفره، نسأل الله أن يتوب علينا وأن يهدي شبابنا وشاباتنا وأن يصرف عنا السلطة السياسية الفاسدة، وأن يولي علينا خيارنا وأن يصرف عنا شرارنا.