بيروت - لبنان

اخر الأخبار

3 حزيران 2022 12:00ص في ظل أزمة خانقة تشمل كل مناحي الحياة: دور الدعاة هو زرع الأمل ونشر الإصلاح ورفض الظلم

حجم الخط
لا شك أن الدعاة إلى الله هم طليعة الصلاح والإصلاح في أي مجتمع، ودورهم دور كبير في تصويب مسارات الناس بشتّى الوسائل والأساليب المشروعة; السمعية والمرئية والمكتوبة.
وهذا الدور يزداد أهميةً وأثراً في حياة الناس وقت الأزمات والشدائد والفتن، إذ حينها ينتظر الناس منهم ما يُثبّتهم، ويبحث الخائفون عمّن يزرع في قلوبهم الطمأنينة والثقة بالله سبحانه، ولذلك قال سبحانه {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ}.
وفي أزمة مثل أزمتنا في لبنان... وفي أيام عصيبة كالتي تمرُّ علينا في مختلف المجالات.. ما هو موقع ودور العلماء والدعاة..؟!
وما المطلوب منهم.. وكيف يكون خطابهم الدعوي.. وما الإسهامات الإيجابية التي ينتظرها الناس منهم، بل وأي خطاب ينتظر الناس منهم؟...

الكردي
بداية قال القاضي الشيخ أحمد درويش الكردي ان إرشادات الدين للشباب في هذه الأيام العصيبة هو أن يؤمنوا ويوقنوا بأن الله تعالى بيده تقاليد كل شيء، وبذلك المؤمن لا يعرف اليأس ولا القنوط من رحمة الله، والمؤمن بشكل عام يتفاءل بالخير في أشدّ الأوقات العصيبة وهذا هو منهج الأنبياء والرسل فإذا نظرنا الى سيدنا موسى عليه السلام حينما أدركه فرعون وجنوده وكان البحر أمامهم أصاب قومه خوف شديد فقال لهم: ألا ان ربي معي فيهدين. وكذلك سيدنا يوسف عليه السلام حينما ألقي في البئر جاءته البشرى, وكذلك سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم حينما لجأ الى الغار هو وصاحبه أبو بكر الصديق ووصل المشركون الى باب الغار وخاف على رسول الله خوفا شديدا فقال له النبي الكريم: ما ظنك باثنين الله ثالثهما.
وأضاف: من هنا نقول ان مواجهة الواقع بمحاربة الفساد والمفسدين ولا يصحّ أبدا السكوت على الظالمين والاكتفاء بشكواهم الى الله تعالى فقط لا بدّ للشباب والمجتمع أن يتحركوا في وجه كل فاسد سواء كان سياسيا أو تاجرا أو بأي نقابة من النقابات التى تحارب الناس بأرزاقها وحياتها وتزرع الخوف في قلوب الناس جميعا.
وتابع قائلا: الدعاة هنا واجبهم زرع الأمل والثقة بالله تعالى في قلوب الناس كلها سواء في المساجد أو الخطب المنبرية أو المدارس في التربية التعليم أو في المجتمع لجهة الباعة وأصحاب المحلات وعلى الدعاة أيضا أن يغرسوا التراحم بين الناس لأن الرحمة لا تنزع إلا من قلب شقيّ، فنحن بحاجة الى التعاون، الى البرّ والتقوى، وعلى أن تكون هناك رحمة في قلب القوي تجاه الضعيف ولا يصحّ لشبابنا أن يهجروا أوطانهم ويتركوها للفاسدين لأن لولا فسحة الأمل لما طابت الحياة.
واختتم قائلا: أدعو جميع الدعاة وجميع رؤساء الجمعيات وكل التجار أن يتعاونوا على تخفيف الأزمة عن الفقراء والمحتاجين وأن ينهوا عن الطمع والجشع وحب المال وجمعه لأن الربح من الناس الفقراء هو فساد مطلق.
حداد
أما المفتش العام للأوقاف الإسلامية في دار الفتوى الشيخ الدكتور أسامة الحداد فقال: أمام ما يحلّ بنا من أزمات اقتصادية ومعيشية ناتجة عن الفساد الإداري والمالي والسياسي، وهذا التزايد الملفت في معاناة المواطنين في انقطاع الكهرباء وغلاء المحروقات وانهيار قيمة العملة الوطنية أمام الدولار، لا بد أن نثق بقوله تعالى: {قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْهَا وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ...}، ومهما طال البلاء فلا تيأسوا.. فقد يطول البلاء ليعظم العطاء.. فثقوا بالله واسألوه اللطف والفرج القريب..
وانظروا معي إلى قصة سيدنا يوسف عليه السلام، عندما رماه اخوته في البئر ثم بعد فترة وجده عابرون للطريق فأخذوه وباعوه وأصبح عبداً، ثم دخل السجن لسنوات، وببركة طاعته للّه نجّاه الله ورفعه ليصبح وزير المال ثم يصبح حاكم مصر، بالله عليكم، لو كنا مكان يوسف عندما كان في البئر ماذا ستكون أقصى أمنيتنا؟ ستكون حتماً أن نخرج من تلك المحنة، وأن نخرج من البئر ليس أكثر ولا يخطر ببال أحد أنه بعد تلك المحنة منحة كبيرة وعطاء واسع من الله تعالى..حيث أصبح ملكاً..
وأضاف: نحن الآن في هذه الأزمات لو شاء الله لحققَ لنا مُرادنا في طرفة عين، فهو لا تخفى عليه دموع رجائنا ولا آهات همومنا، ولا يعجزه إصلاح حالنا، لكنه سبحانه وتعالى يبتلي خلقه ليرجعوا إليه ويتوبوا، ويندموا على تقصيرهم في حقه، قال الله تعالى: {وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ}، فإن صبرنا ورجعنا إلى طاعة الله سيكون العطاء من الله كبيراً، ألم يقل ربنا: {إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ}؟ لم يقل: بما صلّوا، ولا بما صاموا.. بل قال: «بما صبروا» لأن الصبر عبادة لا يستهان بها.
وتابع: ولكن ليس من حكمة الدعاة دعوة الناس إلى الصبر فقط، فالصبر على البلاء فضيلة شرعية أوصانا الله بها، ولكن هذا الصبر لا يمنعنا من محاربة الفساد أينما كان، بشتّى الوسائل المتاحة بما لا يتعارض مع مقاصد الشريعة الإسلامية، فإننا في لبنان نعاني من جهنم الدنيوية التي بشّرنا بها أحدهم، والتي وصل حرّها إلى المواطنين بمختلف أطيافهم، يتجرّعون يومياً كأس الذلّ والفقر والخوف وفقدان الحاجات الأساسية، في ظل غياب تام للدولة عن معالجة الأزمات، وإذا أرادوا تنفيذ القانون، فتراهم لا ينفذونه إلّا على من لا واسطة له ولا نصير، في حين أنهم يعجزون عن توقيف المهرّبين واللصوص الكبار والتجار المحتكرين، والمتلاعبين بالدولار وبلقمة عيش المواطن، مما أدّى إلى توالي الأزمات، من غلاء فاحش، إلى انقطاع الكهرباء، وشحّ المحروقات، وانعدام الأمن، وفقدان الدواء، وتدهور القطاع الصحي، والإهمال في الدوائر الحكومية، حتى أصبحت مواجهة الفساد واجباً دينياً ووطنياً، وإن استمرار الولاء للفاسدين هو مشاركة لهم في الفساد وتمكين لهم في إذلال الناس وقهرهم، ونهب مقدرات الوطن، فلا تصدّقوهم، ولا تنخدعوا بشعاراتهم، ولا خطاباتهم، هم قوم فقدوا أدنى درجات الإحساس بالمسؤولية، مصالحهم فوق كل اعتبار، وهم المتخمة بطونهم بمال الشعب المسكين.. إنها مسؤوليتنا جميعاً في التصدّي للفساد والاستبداد، فعلينا رفع الصوت عاليا في وجوه الفاسدين لعلهم يرتدعوا، وعلينا أيضاً إيقاظ المسؤولين النائمين لعلهم يستيقظوا وينتبهوا إلى مصالح مجتمعهم وشعبهم.
وهنا يتجلّى دور الدعاة في توجيه الناس إلى تغيير واقعهم من خلال البدء من تغيير أنفسهم، فإن الله تعالى يقول: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ...}، هذه الآية الكريمة هي دعوة من الله تعالى ليعمل المجتمع على تغيير ما في أنفس أفراده، فإذا غيَّر الأفراد ما بأنفسهم نحو الأفضل تغيّر المجتمع نحو الأفضل، وإن كان التغيير إلى الأسوأ كان تغيير المجتمع نحو الأسوأ، وهذا يؤكد أن الله عزّ وجلّ جعل مسألة التغيير بيد الإنسان، قال تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ}.
وقال: إنّ قرار التغيير في الحياة ليس فقط شعاراً، بل هو منهج حياة، وقد ذكر الله تعالى في القرآن الكريم عن القوم الذين كانوا يتأذّون من قوم يأجوج ومأجوج فقال: {قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا، قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْماً آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَاراً قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْباً}، ونحن نعاني في لبنان من حيتان الفساد ويأجوج ومأجوج السرقات، الذين أوصلوا البلاد إلى العتمة والإهمال وتراجع كافة الخدمات، وأوصلوا العباد إلى الهجرة من الوطن، أو إلى الغربة في وطنهم، وقد أعطانا القرآن الكريم مثلاً واضحاً عن سلوك الفاسدين فقال تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعجِبُكَ قَولُهُ فِي الحَيَوةِ الدُّنيَا وَيُشهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلبِهِ وَهُوَ ‌أَلَدُّ الاخِصَامِ وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرضِ لِيُفسِدَ فِيهَا وَيُهلِكَ الحَرثَ والنَّسلَ واللَّهُ لَا يُحِبُّ الفَسَادَ وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتهُ العِزَّةُ بِالإِثمِ فَحَسبُه جَهَنَّمُ وَلَبِئسَ المِهَادُ}، وهذه الآية تعمّ بلفظها كل من يحسن الكلام والخطابات وينمّق العبارات، يجذب العقول ويؤثّر في النفوس وينال إعجابها.. يعجبك قوله ولا يتورّع على أن يكذب، وأن يعد ولا يفي، كما يحصل غالباً في خطاب القسم، وخطاب التنصيب، وخطابات الانتخابات... وبعد تلك الخطابات والوعود سعى في الأرض وانطلق ليفسد فيها ويهلك الحرث أي الزرع وما يقتات عليه الناس، وما تناسل من الحيوان والإنسان، ويهلك أموال الناس كما حصل في لبنان..