بيروت - لبنان

اخر الأخبار

23 أيلول 2021 12:01ص في ظل الأزمات المتلاحقة في بلادنا: نعم لتعجيل الزكاة ودفعها للفقراء والمحتاجين

حجم الخط
لا يخفى أن ما يعانيه الوطن في ظل وباء كورونا، والحالة الاقتصادية التي وصل إليها أغلب اللبنانيين، تستوجب تكافلا اجتماعيا، وتعاونا على جميع الصعد والمستويات، خاصو مع بدء موسم المدارس وعجز الكثير من الأهل على تحمّل نفقات الدراسة ومستلزماتها.

فالمرء بإخوانه، والناس معادن، ولا تظهر إلا عند الأزمات والملمّات، والواجب أن يتكافل الناس جميعا للخروج من هذه الأزمة المحدّقة بهذا الوطن كما هو مستقرئ ومعلوم، وإن من أخلاقيات الإسلام أنه رغّب في تقديم الصدقات، واعتبرها مكفّرة للذنوب، ورافعة للدرجات؛ لأن في المال حقا سوى الزكاة كما قال عليه الصلاة والسلام، وإن مساعدة الإنسان المعوز يؤجّر المرء عليها أيا يكن ذلك الإنسان؛ لأن في كل كبد رطبة أجرا كما بيّن الرسول صلى الله عليه وسلم، وأيا يكن ذلك المتصدَّق عليه وهذا يعتبر صدقة تطوّع.

بيد أن الإسلام في فلسفته المالية أوجب أداء الزكاة من أغنياء المسلمين للفقراء المسلمين وحدّدها بمن بلغ ماله نصابا، وحال عليه الحول، واعتبر أن ذلك حق للفقير في مال الغني، بل وأجاز الفقه الإسلامي تعجيل الزكاة قبل حلول الحول لمن بلغ ماله نصابا إن كان في ذلك من مصلحة للفقراء والمساكين، وهذا ما ينطبق على الواقع اللبناني المعايش وحالة الظروف الطارئة التي أصابت لبنان، وإنه في ظل هذه الأزمة أضحى القول بجواز تعجيل الزكاة على ما عليه جمهور الفقهاء مدخلا للتيسير على المعسّرين وخاصة فيما وصل إليه مستوى الدخل للفرد اللبناني بأكثريته.

عجّلوا زكاة أموالكم

القول بجواز تعجيل الزكاة قبل حلول الحول سواء دفعت مقسّطة أو مرة واحدة أو عن طريق «شيك» يمكن صرفه دون تأجيل، قول فقهي عظيم لما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه رخّص للعباس بن عبد المطلب رضي الله عنه في تعجيل زكاته قبل أن يحول عليها الحول، بل وقال عليه الصلاة والسلام لعمر بن الخطاب رضي الله عنه: إنا قد أخذنا زكاة العباس عام الأول للعام.

فالزكاة وإن كانت حقا للفقراء في مال الأغنياء إلا أنها من أعظم العبادات للّه تعالى فضلا عن أنها ركن من أركان الإسلام، قد ذكرت في القرآن مقرونة بالصلاة في سبع وعشرين مرة للتأكيد على أن الصلاة حق الله تعالى والزكاة حق مشترك بين حق الله وحق العباد، ولأن كل حق للعباد فيه حق للّه تعالى، والصلاة التي هي عبادة بدنية ومعنوية، فالزكاة كذلك هي عبادة مالية، ومعنوية، فإن وجدت مصلحة في تعجيلها جاز ذلك إذا ملك النصاب وهذا مذهب جماهير الفقهاء، بل ذهب بعض الفقه كالحنفية ومتقدمي الشافعية وغيرهم إلى جواز دفع الزكاة قبل ميعاد وجوبها لحولين قادمين لما ورد عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إنا كنَّا احتجنا فاستسلفنا العباسَ صدقةَ عامين. ومما لا يخفى على أحد أن أزمة كورونا والحجر المنزلي الصحي الذي قال به الطب وألزمت به الدولة لحماية المواطنين أدّى كل ذلك وغيره من الأسباب لتعطيل الأعمال وخاصة عند ذوي الدخل المحدود فكان ذلك الأمر شاقا عليهم مستوجبا العمل الجاد للتعاضد والتكافل الاجتماعي بكل مندرجاته فرضا كأداة الزكاة ولو قبل حلول الحول ولعامين اثنين وكذلك في أداء صدقات التطوع نفلا، حفظا لماء الوجه وتأكيدا على أهمية القيم الإسلامية الإنسانية التي تتأكّد عند الأزمات، فقد ورد عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما آمن بي من بات شبعان وجاره جائع إلى جنبه وهو يعلم، بيد أن الله تعالى يقول في كتابه: {مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}.

الأوْلى في أيامنا

وقد حذّر القرآن الكريم من عدم أداء زكاة المال وأوجب لذلك عقوبة من الله تعالى، فإذا كان الهدف من أداء الزكاة كفاية الفقير فضلا عن إغنائه فمن باب أولى وفي ظل هذه الأزمة أن تؤدّى تلك الفريضة حتى قبل حلول الحول؛ لأن المصلحة للفقير أكيد وألزم، وقد قال عليه الصلاة والسلام من رواية أبي هريرة رضي الله عنه: «من فرّج عن أخيه المؤمن كربة من كرب الدنيا فرّج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر على مسلم ستر الله عليه في الدنيا والآخرة، والله تعالى في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه».

لا يخفى ما حدث في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما أعسرت على الأشعريين حالتهم المادية فكانوا يقتسمون ما عندهم يجمع كلٌّ ما عنده ثم يوضع كل ما جمعوه في إناء واحد ثم يقسّم بينهم بالسويّة فأثنى عليهم النبي صلى الله عليه وسلم وقال: «هم مني وأنا منهم».

وبناء على ما سبق نقول بأن الزكاة هي باب عظيم من أبواب التيسير على المعسّرين والتأكيد على عظيم التكافل والتعضيد الاجتماعي الذي حثّ عليه الإسلام وأكده الله تعالى بقوله: {وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ وَمَا تُنْفِقُونَ إِلا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تظلمون}.