بيروت - لبنان

اخر الأخبار

9 أيلول 2022 12:00ص في ظل الأزمات المنتشرة من حولنا في كل المجالات.. الدعاة: المشكلة في فساد السياسيين وكذلك فساد أبناء الوطن؟!

الشيخ أحمد البابا الشيخ أحمد البابا
حجم الخط
تتوالى الأزمات على اللبنانيين واحدة تلو الأخرى، من أزمة مياه، كهرباء، دواء، وغلاء أسعار بسبب جشع وطمع تجار الأزمات، ولكن هذه الأزمات تركت آثاراً نفسية سيئة على نفوس المواطنين، حتى أصبح اليأس سيّد الموقف على كل الأحوال والأصعدة..
اليأس والملل والضياع، إذا صحّت التعابير، مشاعر استملكت نفوس اللبنانيين، وأصبحوا تائهين في ظلمات الحياة الصعبة التي تكتم الأنفاس والأرواح، ما العمل؟ هل نترك اليأس يستملك قلوبنا أم نواجهه بالصلابة والدعاء والتقرّب إلى الله، فارج الهمّ؟ كيف نواجه هذا اليأس المنتشر من حولنا؟ وما هو دور الدعاة في هذا الأمر؟.. هذا ما سيطلعنا عليه العلماء في تحقيقنا التالي:

البابا
بداية, قال رئيس مركز الفاروق الإسلامي الشيخ أحمد البابا ان ما نعانيه في هذا الزمان وفي لبنان خاصة هو أزمة إنسان وهي أفضح الأزمات وأشدّها إيلاماً، لأن هذه الأزمة بمعناها الأخلاقي تفجّر حقيقة النفوس وما تكنّه الضمائر, ولو نظرنا إلى ما نعاني من مواجع لنجد ان جوهر الأزمة هو أزمة أخلاق تتجلّى اليوم بكل سلبياتها على ما نجده من اخطبوط مجرم يطوّق حياة النّاس ويحوّلهم إلى الجحيم وينحط بهم الى إدراك الخسائر العظيمة، وهذه المعاناة المتجددة والمتنوعة والتي نجدها في ما نتقلّب به من كوارث ومحن تجعلنا نشدّ النواجذ على ما نحن عليه من قيم أصبحت نادرة في هذا الزمان وهي التي تهيّأنا بالقريب العاجل إلى حياة الرشد بإذن الله تعالى.
وأضاف: فعند بزوغ مرحلة جديدة نستأنف بها قوة الحياة وضوابط الخير وتمام التقدّم، نجد ان ما كنا عليه وما عانيناه هو حياة زائفة، فان معاناة النّاس في هذه الأيام كشفت عن حالة متردّية أخلاقية وغير بريئة نواجهها على كل المستويات، سواء على مستوى المسؤولين أو على مستوی عامة النّاس، وان حل أزمة السلوك الإنساني وتناقضاته وتغيير معايير نمط الحياة لا بدّ أن يكون بالعودة إلى الأصالة التي يجب أن نعيشها حتى ننعم بسعادة الحياة.
وتابع قائلاً: ان ما تكشّف من نبض الظالم وقهر المسؤولين وهو يعج بهذه الأيام بتجاهل متطلبات حياة المواطنين وعدم مواجهة الأخطار المحدّقة بالوطن يجعلنا متأكدين بأنهم يتاجرون في صفقة خاسرة، وان العمل بالحكم وقيادة الأمة يستوجب التفاني والجهاد الدائم والتضحية حتى تصل النّاس إلى شاطئ الأمان ونردّ عنها غوائل الجوع وجريمة النهب التي مارسها المسؤولون طوال عقود على هذا المواطن المسكين، حيث تسبب ذلك بفقدان مدخرات النّاس وسلبهم لحقوقهم بالكامل دون أي وازع من ضمير، وهذا منتهى التخلّي عن الواجبات وأقصى منحدرات الأخطاء التي يجب تصحيحها حتى تعاود الحياة حركتها وإغراق المواطن بالأمل والخلاص.
مزوق
وقال رئيس دائرة الفتاوى في دار الفتوى الشيخ وسيم مزوق: إن ربنا سبحانه وتعالى قال في محكم تنزيله {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً} وروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم  بأنه قال «لن يَغْلِبَ عُسْرٌ يُسرَيْنِ», وذلك لأن العسر وان تكرّر مرتين فقد تكرّر بلفظ المعرّفة فهو واحد، واليُسر تكرّر بلفظ النكرة فهو يُسران، فالعسر محفوف بيُسرين، يُسر قبله ويُسر بعده فلن يغلب عسر يُسرين.
ننطلق بهذا المفهوم الذي ذكره العلماء بناء على الآية التي ذكرناها والأثر الذي روي عن الحبيب صلى الله عليه وسلم  لكي نخاطب جميع النّاس في لبنان وخاصة المؤمنين بأن يتكلوا على الله وأن لا ييأسوا من رحمة الله.
وأضاف: فهذا العسر الذي نعيشه والأزمات التي تعصف بهذا الوطن الحبيب، سواء أزمة الدواء أو الكهرباء أو الماء أو المدارس، الآن بسبب الغلاء الفاحش، فنحن نعلّق قلوبنا بالله عزّ وجلّ، وهنا دور العلماء والدعاة إلى الله بأن يتوجهوا في خطبهم ودروسهم للحديث عن رحمة الله سبحانه وتعالى بعباده، فإن الفرج سيأتي بإذن الله تعالى، ولكن بشرط أن يرحم الناس بعضهم بعضاً، فليس المشكلة فقط في الطبقة السياسية الفاسدة، ولكن الفساد منتشر بين أبناء الوطن، فتجار الأزمات الذين يستغلون حاجات الناس، حيث لا يخفى على أحد أن الأدوية في سوق السوداء تُباع بأسعار خيالية، وان بعض أصحاب المولدات لا يرحمون الناس، حيث يتحكّمون برقاب النّاس فلا يقبلون إلا بالدولار ويرفعون الاشتراك الشهري ويقللون عدد ساعات التغذية حيث لا رقيب من الدولة ولا محاسبة، وهؤلاء ربما لا يتعرّفون على أقربائهم، بسبب الجشع والطمع، فعلى العلماء أن يحذّروا هؤلاء، وان ما يقومون به فيه حرمة شرعية ويدخل الحرام إلى أموالهم فيأكلون السحت، وقد قال صلى الله عليه وسلم «أيما جسد نبت من سحت فالنار أَوْلى به».
وهكذا أيضاً بالنسبة لصهاريج بيع المياه حيث يبيعون مياه الخدمة بأسعار خيالية، ونشاهد ذلك حيث تتفاوت أسعار براميل المياه بين منطقة وأخرى, حيث يصل هذا التفاوت إلى أضعاف مضاعفة.
بالرغم من كل هذه الآلام نقول: اثبتوا أيها النّاس على الدعاء، فالدعاء سلاح المؤمن، والدعاء هو العبادة، ادعوا الله أن يصرف عنا شرارنا وأن يولي علينا خيارنا.
قال الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاة} فالدعاء سبب للصبر وليس معنى ذلك أن يسكت الشعب عن المطالبة بحقه، فما يزرع الأمل أن نحسن الظن بالله، فهو الذي يسمع عباده ويستجيب لهم، والمؤمن المتوكل على الله يأخذ بالأسباب، فمن الأسباب لتغيير الواقع أن نقوم بالدعاء وأن نقول للفاسد أنت فاسد وللسارق أنت سارق، وأن نغيّر من أنفسنا بأن نحسّن أخلاقنا بترك استغلال حاجات بعضنا البعض وعدم الغش وعدم السرقة، فالمؤمن الصدوق هو الذي يشعر بإخوانه فيقوم بالعطف عليهم ورحمتهم ومساعدتهم، وهنا تظهر معادن النّاس، لأن الرحماء يرحمهم الله، ورسولنا الحبيب صلى الله عليه وسلم  علّمنا ان «من أَحَبُّ الأعمالِ إلى اللهِ عزَّ وجلَّ سرورٌ تُدخِلُه على مسلمٍ، أو تقضِي عنه دَيْناً، أو تَطرُدُ عنه جوعاً». وهذا الزمن الذي نعيشه اليوم تكاثرت فيه الشدائد، والناس في هموم كثيرة، فرحم الله من كان سبباً في تنفيس هذا الكرب والغم، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «مَن نفَّس عن مؤمنٍ كربةً من كُرَب الدنيا، نفَّس الله عنه كربةً من كُرَب يوم القيامة».