بيروت - لبنان

اخر الأخبار

4 تشرين الثاني 2022 12:00ص في ظل التغيّرات السلبية التي تحيط بالأبناء من حولنا: الدعاة يطالبون بمزيد من المسؤولية التربوية حفاظاً على عقول الأجيال الناشئة

الشيخ د. مازن القوزي الشيخ د. مازن القوزي
حجم الخط
يعيش العالم اليوم في ظل تغيّرات اجتماعية كبيرة تؤثر بدورها على مختلف نواحي الحياة، وأولها الناحية التربوية التي باتت تشكّل تحدّيا كبيرا أمام الأهل تجاه أبنائهم.
فالوسائل والسبل والمغريات وما هو متاح.. كلها أصبحت تهدّد عقول الأبناء بانحرافات كبيرة وكثيرة، ومن هنا تطوّر الدور التربوي عند الأسرة حتى بات فعلا مسؤولية ضخمة تتطلب استعدادا مختلفا عما كان في السابق.
ولكن كيف نواجه هذه التحدّيات وهذه التغيّرات..؟!
وكيف نستعدّ لها ونكون على قدر المسؤولية..؟!
وكيف وجّه الإسلام الحنيف الإنسان لمواكبة كل تحدٍّ جديد وحسن التصرف معه..؟!
هذا ما طرحناه على الدعاة والمختصين وكان هذا التحقيق..

القوزي
بداية قال الشيخ د. مازن القوزي، رئيس دائرة المسجد في المديرية العامة للأوقاف الإسلامية، أن من سنن الحياة التي عاشتها البشرية: التغيّرات، فالتغيّرات أمر لا بد منه، ومن هذه التغيّرات: التغيّر من الباطل إلى الحق والتغيّر من الظلم إلى العدل. هذا من الناحية التعاملية.
أما من الناحية الجسدية فيتغيّر الإنسان من مرحلة الطفولة إلى الشيخوخة الهرمية، لا يستطيع أي مخلوق التدخّل في هذه التغيّرات كونها أمور ربانيه خلقية، متفقين ومسلمين أن الله عزّ وجلّ خلقنا في أحسن تقويم: {لقد خلقناكم في أحسن تقويم}.
ولكن ما يهمّنا أيضا هي التغيّرات التي تصيب ديدن المجتمع الأساسي وهي الأسرة والأفراد فيها التي تندمج كما هو معروف بالثقافات والعادات التي تختلف من مجتمع إلى آخر.
ولذلك فحديثي اليوم عن معركة حامية وضروس بين الأسرة التي تهتم بتربية أولادها على الأخلاقيات وعلى الأقل الأعراف والعادات والالتزام بدينها، وبين المغريات التي تتعرض لها هذه الأسرة وبالتالي المجتمع.
من هنا كان لا بد أن ننوّه أن التربية الحديثة تختلف اختلافا تاما عن التربية فيما قبل على الأقل فيما قبل خمسين عاما، وكون العالم فتح أبوابه بمصراعيه على كافة الثقافات العالمية سواء كانت هادفة أو عشوائية أو غوغائية إلخ، كان لا بد لنا كمسلمين وكوننا مسؤولون على من نعول لقول النبي صلى الله عليه وسلم : «كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته»، وصار لزاما علينا أن ندير اهتمامنا ونعمل ليل نهار أن نطوّر العدة في ظل كافة المغريات في هذا العصر من تواصل اجتماعي وهواتف ذكية وتطبيقات من مخدرات وغيرها ومثيلاتها التي تدمن على الشيء فتهلكه لا سمح الله من ناحية أولادنا وشبابنا وبناتنا، وهذا يصعب.. نعم يصعب خصوصا في ظل الحالات الاقتصادية القاهرة التي يصعب في بعض الأحيان على الأهل أن يتفرغوا لأولادهم من أجل هذا الموضوع.
لذلك كان لا بد أن نتعلّم كيف نستطيع للوصول إلى تربية صحيحة مع أولادنا ولو كنا في وسط العاصفة وفي أي زمن. فكل زمن له داء ولكن لم يجعل الله داء إلّا جعل الله له دواء.
وقال: ولو كانت المغريات كثيرة تحيكها ثقافات عدة ولكن لا بد لك كأب وأم وأخ وأخت وزوج وزوجة أن نتقرّب بقدر الاستطاعة إلى رضى ربنا بالدرجة الأولى، والسير بالطرق المنهجية الصحيحة الفكرية الدينية مع ما يمليه عليها شرعنا بالطرق العملية من لدن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، لذلك أنصح القارئ العزيز أن يعرف أنه مسؤول وهو الدرع المتين أمام عواصف المغريات. مسؤول دنيويا وأخرويا، فنحن مسؤولون لتوريث جيل لما بعدنا.
واختتم بالقول: فعلينا أن نكون على قدر المسؤولية لنكون خير سلف لخير خلف مهما كانت المغريات مهما علونا أو دنونا، ولكن الأجيال هي المهمة، هي التي تتكلم وتثبت نفسها، وهي النبتة الصالحة من دون اعوجاج لا تحرّكها رياح وإن حرّكتها فإنها تميل ميل الإجبار لتعود كما كانت، هكذا تكون المجتمعات الحضارية والأخلاق العالية التي تربّينا عليها، وهذا ما نرجو الله عليه ونعاهده على ذلك أن نكون.
العرب
أما الشيخ حسن العرب، إمام المركز الإسلامي في سبنيه، فقال بدوره:
لو تأمَّل المسلم قليلاً من الوقت في حال الأجيال الناشئة في مجتمعنا، لرأى كثيراً من صُوَر الانحراف في أخلاق وعقول كثيرٍ من شبابنا وأبنائنا؛ إلاَّ ما رحِمَ الله؛ ذلك أنَّ هذه الأجيال فقَدَت كثيراً من عوامل التربية الإسلامية الرشيدة، والموجِّهة لسلوكهم وأخلاقهم وعقولهم، فالواقع أنَّ عوامل ومدارس التربية كثيرة، فالبيت أساس التربية، والمدرسة والجامعة لها دورٌ آخر كبير الأثر، والمساجد لها دور عَقَدي إيماني واضح، لكنَّ الإشكال أنَّ هذه المدارس الثلاثة الكبرى للتربية كانت محوراً أساساً في هذا الباب إلى عهدٍ قريب منَّا، لكننا اليوم أصبحنا نرى خلْطاً وتشويشاً في توجُّهات الأجيال المسلمة الناشئة؛ وذلك لوجود عددٍ من الوسائل الأخرى والتي تُشارك وبقوَّة وتأثير في مهمة التربية، ومن أهمها وسائل الإعلام؛ المرئية، والمسموعة، والمقروءَة، ووسائل النت على حدٍّ سواء، والتي بدورها تُسهم في تشكيل العقل والفكر والسلوك، وتُشاركهم طريقة مطعمهم ومَلبسهم، حتى تسريحة شعرهم، ولون حِذائهم.
وقال: لقد أصبَح لهذه الوسائل جاذبيَّة كبيرة في استقطاب نظر الناشئة، وطبقات الشباب والفتيات، والواقع الذي لا مَحيد منه أنَّ جُلَّ القائمين عليها - إلاَّ مَن رحِم الله - لا يرقبون في شباب الأُمَّة إلاًّ ولا ذِمَّة، ولا يحملون الأمانة بصِدق وحِكمة، فأفسدوا كثيراً بما يقدمون للأجيال من شبهات لزعزعة عقائدهم وقيمهم، وما يثيرون من شهوات الرذيلة لإغوائهم وإفسادهم من خلال البرامج الغنائية الساقطة، والثقافية التافهة، والمسرحية والدرامية الهزيلة، إلى جانب ذلك الرُّكام من الأفلام والمسلسلات والتي تجمع في أهدافها هدْمَ القِيَم والأخلاق الثابتة من شعائر الإسلام وشرائعه، وتُمَيِّع الهُوية المسلمة في قلوب أبنائنا، وتُذَوِّبهم في المدِّ الغربي والعلماني الجارف، بعيداً عن وحْي الله - تعالى - ومنهجه، وتحثُّهم على قتْل قِيَم الحياء والأدب في نفوسهم، وتحثّهم على الوقوع في الفواحش والرذيلة، والمعاصي والمنكرات، كما تُغريهم وتعلِّمهم وسائل الانحراف، وتناول المسكِرات والمخدرات، إضافةً إلى الانحراف العقدي والفكري.
كما لا ننسى دور المجلات والدوريَّات والمواقع الإلكترونية ووسائل التواصل على أنواعها التي تأخذ حيِّزاً كبيراً من أوقات الشباب والفتيات، في مطالعة ومتابعة قَصص الحبِّ والغرام والهيام، وأخبار اللاعبين والفنانين والمطربين، الذين سَرَقوا أوقات وعقول هذه الأُمة، وسَرَقوا أموالها وثرواتها تحت مُسَمَّى رسالة الفن والإبداع.
كما لا ننسى أيضاً بعض التوجُّهات المشبوهة في التعليم الجامعي وما قبل الجامعي، تلك التي تطمس نورَ الإيمان والعقيدة في قلوب الأجيال، وتزوِّر بعضاً من حقائق التاريخ الإسلامي والإنساني، وتنادي بتمجيد الفن والموسيقى، ورِفعة النحت والتماثيل، وحمْل العود والبيانو والمعازف، ولا تهتم كثيراً بغرْس القِيَم والدين والأخلاق، ولا تهتم كثيراً بتعليم سِيَر الصحابة والعلماء والفاتحين، ولا تعبأ بأن تكون حصة التربية الإسلامية حصة أو حصتين على مَدار الأسبوع كلِّه.
وتابع: إلى جانب آخر من السيطرة والإحكام والتحجيم المتعمَّد على دور المسجد في حياة الشباب المسلم، وإبعادهم بشتَّى الوسائل والطرق عن العلماء والصالحين هنا وهناك، والتضييق عليهم، وقتْل فُرَص التربية الإسلامية الصحيحة في بيوت الله - تعالى - وتحت رعاية أهل العلم الصادقين.
كل هذه الوسائل وغيرها تُشارك في قضية تربية الأجيال والشباب، شِئنا هذا أم أبينا، لكن الحق وكل الحق، أنَّ الأسرة المسلمة والبيت المسلم، هو القاعدة الأساس، والعمود الأوحد في هذه القضية كلها، مهْمَا تعدَّدت مدارس التربية، لماذا؟ لأن هذه الوسائل مهما كَثُر خطرُها، وامتدَّ ضررها، فبالإمكان تضييق الخِناق عليها، وردُّ الباطل منها، وإضعاف تأثيرها، وبالإمكان إبعادها من حياتنا والاستغناء عنها إلى مرحلة تربويَّة صحيحة، تُغْرَس فيها القِيَم، وتُعَلَّم فيها أصولُ الإسلام وعقائدُه.
وقال: ثم الأهم من ذلك كله أنَّ الله - تعالى - في كتابه وسُنَّة رسوله -صلى الله عليه وسلم - بيَّن لنا أن الأسرة هي أصل التربية للأجيال وعمودها، فقال - تعالى -: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ}، كما جاء في الحديث أنَّ تعليم العقيدة وغرْسها أصلها الأسرة، فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - كان يحدِّث قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم -: (ما من مولود إلاَّ يولد على الفطرة؛ فأبواه يهوِّدانه، أو ينصِّرانه، أو يمجِّسانه، كما تنتج البهيمة بهيمة جَمعاء، هل تحسون فيها من جَدَعاء)، ثم يقول أبو هريرة - رضي الله عنه -: «فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا».
نصر الدين
من جهتها قالت الإخصائية التربوية ليال نصر الدين: ان المقصود بالتربية هي العناية والاهتمام وتقديم الإرشاد والتوجه السلوكي، وهو نشاط يقع على عدة جهات من أبرزها البيت الذي هو اللبنة الأولى في تكوين الشخصية لدى الإنسان، ومن أبرز المناهج التربوية في إخراج الأجيال الواعية والهادفة هو منهج التربية الإسلامية التي تقود الفرد والجماعة، فالتربية بشكل عام تهدف الى تكوين وإعداد النشء الصالح حيث يتم من خلالها تنمية الصفات المطلوبة والمرغوبة مثل الصدق وحسن معاملة للآخرين واحترامهم واحترام الوقت والالتزام بالمواعيد، وحسن التعامل مع الكائنات الحية تندرج من ضمن السلوكيات والصفات الجيدة وتفيد التربية في التخلص من الصفات السيئة مثل الكذب والاضرار بالآخرين واستغلالهم بشكل سلبي.