بيروت - لبنان

اخر الأخبار

4 تموز 2019 12:04ص في عصرنا المليء بالفتن والمغريات: تأكيد على مبدأ الصراحة بين الأهل والأبناء

ضمانة لحُسْن التنشئة وصيانة للمستقبل

حجم الخط
إِنَّ التأكيد على أهمية دور الأسرة في رعاية الأولاد، من أَجَلِّ الأمور التي يجب أن تتضافر في سبيل تحقيقها جهود الآباء والأمهات، وأهل العلم، والدعاة، والتربويين، والإعلاميين..

فالمحافظة على بناء الأسرة الصالحة في المجتمع أمانة أمام الله تعالى ونحن مسؤولون عنها، والمرء سيحاسب على تأدية الحقوق المتعلقة بأسرته، إِنْ خيرا فخير وإلا غير ذلك، قال تعالى {يأَيُّهَـا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالحِجَارَة}..

وإنطلاقا من هذه الأهمية نؤكد على ضرورة حسن تربية الأبناء وبناء القيم والسلوك في نفوسهم، فدور الأسرة في رعاية الأولاد منذ ولادتهم دور كبير، وخاصة في ميدان تشكيل أخلاقهم وسلوكهم، وكم جميل قول عمر بن عبد العزيز «الصلاح من الله والأدب من الآباء».

ولكن هنا يبرز السؤال.. ما أهمية تربية الأبناء على مبدأ الصراحة في القول...!؟

وما آثار هذا الأمر على تكوين المفاهيم الحياتية للأبناء..؟!

صراحة لا وقاحة

{ بداية نقول بأن الصراحة المطلوبة هي الوضوح في القول والصدق في التعبير، ويعرّفها العلماء بقولهم أنها إظهار الشخص لما تنطوي عليه نفسه من غير تحريف ولا مواربة بحيث تكون أفكاره واضحة جليّة وبحيث توافق أفعاله أقواله.. فإذا ما عوّد الأبوان أولادهما على هذا الأمر كان البناء سليما والتربية صحيحة.

فالولد إن لم يتعوّد على الصراحة والصدق مع أهله لجأ عند كل مشكلة إلى غيرهم وتعلّم منهم ما يمكن أن يكون خطأ أو اعوجاجا، ورسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم قد ربّى صحابته على هذا الأمر وأرشدنا إليه، فإن صارح الأبوان أبناءهما عند كل مشكلة وتناقشوا فيها كانت النتيجة إيجابية جدا، وأرست في نفوس الأبناء مبدأ الحوار والصدق.

ولعل أوضح مثال نعرضه هنا هو ما أورده القرآن الكريم عندما وصفت ابنة شعيب موسى بالقوة والأمانة، قال الله تعالى: {فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَن تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِندِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ}، ففي هذا العرض إرشاد واضح لصراحة الإبنة مع أبيها، مما دفع بالأب إلى تحقيق مصلحة ابنته فاختار لها زوجاً صالحاً.

ومبدأ الصراحة في التربية أكثر ما يكون مطلوبا في الفترة التي قال عنها النبي عليه الصلاة والسلام (وصاحبه سبعا)، وهي السنوات التي يبدأ فيه الطفل بمخالطة العالم الخارجي بمفرده؛ وبالتالي يكون لديه صاحب لا يُكذبه ولا يغشّه ولا ينكره وهو والده أو والدته، وهذا الصديق الصدوق واثقٌ به وبقدراته يُعينه ولا يُعين عليه، فيتشاوران ويتباحثان ويتسامران ويتصارحان بكل ثقة.

سليمان

{ الإختصاصية الإجتماعية دلال سليمان تقول أن الصراحة والصداقة بين الأهل والأولاد تبني جسر من الثقة وتبادل الأخيار عن تصرفاتهم وصداقاتهم، فبالتربية الصحيحة تجعل الطفل يرفض أي تصرّف أو صديق ينافي أخلاقه وأسلوبه الذي تربّى عليه من أخلاق ونظافة وترتيب وأناقة.

فالصراحة والصداقة بين الأهل والأولاد لها فوائدها وخاصة إذا كانت الثقة موجودة مسبقاً وطريقة النصح العقلانية بدون تعسّف، فلا بد ان تقم ثقافة في البيوت بين الأهل وأولادهم، ومما لا شك فيه ان تربية الأبناء مسؤولية كبيرة تقع على عاتق الأبوين وأفضل طرق التربية الناجحة التي يجب أن يتبعها الأهل في التعامل مع أبنائهم تكون عن طريق إنشاء صداقة قوية بينهم لخلق جو من الثقة والإلفة والتفاهم بين الطرفين، فعند اختفاء الصداقة وغيابها تصبح العلاقة بين الأبناء والآباء علاقة متوترة ومتأزّمة لعدم وجود رابط أو تفاهم أو حوار.

وتُشير إلى ان غياب الصداقة بين الأهل والأبناء ينشأ سلبيات عديدة وله عواقب وخيمة تعود آثارها على الطرفين وقد تؤدي إلى انعزال الأبناء وفقدانهم الأمان ولجوئهم إلى مغريات الحياة بدون توجيه وإرشاد تربوي وشعورهم بعدم اكتراث الأهل للأمور التي يواجهونها، فيعتاد الأبناء على مجتمعهم الخاص والذي سيرفضون مشاركة أحد به مستقبلاً بالتالي سينتج تشتّت وضعف في الترابط الأسري.

وإختتمت قائلة: أن الصراحة بين الأهل والأولاد مطلب تربوي مهم لأنه يضمن حسن النيّة والثقة بين الطرفين.

خانجي

{ الشيخ محمد خانجي إمام وخطيب مسجد قريطم قال بدوره: إن العلاقة التي من المفروض أن تسود بين الآباء والأبناء في سن المراهقة هي التي نص عليها الإسلام، أي علاقة احترام وود ولطف، فالأب الذي ربّى أولاده على تعاليم الإسلام الصحيحة يستطيع أن يتفهّم طبيعة هذه المرحلة من حياة ولده، ومن هذا الفهم يستطيع أن يوجّهه التوجيه الصحيح، ويبتعد به قدر الإمكان عن أوجه الفساد والتي كثرت في هذا الزمان ولبست أثواب متعددة، فكثير من الجهات تحاول إفساد الشباب من ناحية فكرية ومن ناحية مسلكية، وبعض هذه الجهات تتسلل إلى عقول الشباب تحت أسماء مغرية تجذبهم.

وقال : إن هذه المرحلة مرحلة خطيرة، وعلى الآباء والأمهات أن يدركوا أن أبناءهم وبناتهم الذين بلغوا سن المراهقة قد دخلوا في مرحلة جديدة وعليهم أن يساعدوهم على اجتياز هذه المرحلة، وإذا لم يتمكنوا من إيصالهم إلى بر الأمان فإنهم سيلجأون إلى أصدقائهم ليشرحوا لهم معاناتهم ومشاكلهم، ومنهم من سيدلّهم على طريق الفساد.

ويضيف: في هذه المرحلة يظهر فيها الانطواء عند المراهق وهي حالة طبيعية، لأن المراهق في هذه المرحلة يميل لطرح بعض اهتماماته على أصدقائه أكثر من والديه، إلا أن هذا الانطواء يكون غير طبيعي إذا كان شبه كلي عن الأسرة، وانفتاح شبه كلي على الأصدقاء، ولعل هذه الفجوة التي تشهدها العلاقات الأسرية لا تنعكس على العائلة فحسب؛ بل على المجتمع أيضا، وفي هذا الزمان أعباء الحياة كثيرة ووسائل التكنولوجيا متعددة، وهذا يؤدّي إلى دخول كثير من هذه الوسائل في حياة الناس مما يؤثّر على نوعية العلاقات الأسرية، وبالتالي يؤثّر مباشرة على سوء المفاهيم عند الأبناء والشباب.

واختتم موجّها النصيحة للجميع: مهما حاول البعض الحفاظ على أبنائهم وبناتهم في هذه المرحلة من حياتهم في ظل انقطاع العلاقة الصحيحة والسليمة فإنهم لن يتمنوا من تحقيق أي تربية تفيد، لذلك لا بد من العودة إلى الثقافة الإسلامية، لأنها الأساس في تربية الأبناء.