حثّ الإسلام على برّ الوالدين، في كتاب الله عزّ وجلّ، وسنّة نبيه صلى الله عليه وسلم، لما لهما من فضل وحقوق على الأبناء، قال تعالى: {ووصينا الإنسانَ بوالديه حملته أمُّه وَهْناً على وَهْنٍ وفِصالُه في عامين أنْ اشكُرْ لي ولوالديكَ}, فهي - أي الأم - في تعب وجهد من قبْل الولادة، ثم أثناءها ثم بعدها، وكذلك الأب يسهر لتعب الابن، ويحزن لمرضه، ويقلق ويخاف عليه أثناء غيابه، فاستحقا بذلك البرَّ بهما، فهما - أي الأبوان - ربّيا أطفالهما صغارا، واعتنيا بهما كبارا، فاستحقا بذلك الشكر والبرّ، جزاء ما قدّما وقاما به من حسن التربية والتنشئة، واستحقا البرّ جزاء موفورا، فبرُّ الوالدين واجب وفريضة على الأبناء، وفي برّهما أجر كبير وثواب عظيم، فبرّهما من أفضل الأعمال، وحقّهما هو الحق الثالث بعد حق الله تعالى وحق نبيه صلى الله عليه وسلم.
مزوق
بداية قال رئيس دائرة الفتاوى الشيخ وسيم مزوق بأن القرآن الكريم أمرنا أن نبرّ الوالدين وخاصة الأمهات لأنهن يجهدن ويتعبن بسبب مشاق الحمل والوضع والرضاع والتربية في جوانب يتفردن بها عن الآباء، لذلك يقول الله جلّ شأنه: {ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهناً على وهن وفصاله في عامين أن أشكر لي ولوالديك إليّّ المصير} «لقمان: 14»، قال الإمام القرطبي رحمه الله تعالى: (وهناً على وهن أي حملته في بطنها وهي تزداد كل يوم ضعفاً على ضعف... ثم قال: الثانية: لما خصّ تعالى الأم بدرجة ذكر الحمل وبدرجة ذكر الرضاع حصل لها بذلك ثلاث مراتب، وللأب واحدة... «أن أشكر لي»: والمعنى: قلنا له أن أشكر لي ولوالديك. قيل: الشكر للّه على نعمة الإيمان، وللوالدين على نعمة التربية. وقال سفيان بن عيينة رضي الله عنه: من صلّى الصلوات الخمس فقد شكر الله تعالى، ومن دعا لوالديه في أدبار الصلوات فقد شكرهما)، وفي السنّة جاءت الأحاديث عن نبينا وحبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم تبيّن فضل برّ الأم وتأمر بملازمتها، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! من أحق النّاس بحسن صحابتي؟ قال: «أمك»، قال: ثم من؟ قال: «أمك»، قال: ثم من؟ قال «أمك»، قال ثم من؟ قال: «أبوك». متفق عليه.
وتابع قائلاً: فقد أعطى الإسلام هذه المكانة الرفيعة للأم لما لها من دور في بناء الأجيال، ولأنها تضحّي بنفسها من أجل ولدها، من أجل فلذة كبدها، من أجل قرّة عينها... وهنا نتوجه للأمهات أن يخلصن النيّة في تربية أبنائهن ويحتسبن الأجر عند الله تعالى، ونطلب منهن أن يعقدن النيّة ويعزمن تخريج أجيال ربانية، أجيال منهجها منهج سيدنا محمّد صلى الله عليه وسلم، أجيال أخلاقها القرآن الكريم، أجيال تنشأ على قصص الأنبياء والصحابة والسلف الصالح، أجيال تحفظ القرآن الكريم وتتلوه، أجيال تقوم الليل وتصوم النهار، هذا ما يريده المجتمع اليوم من الأمهات.
واختتم قائلاً: ان مجتمعاتنا اليوم بأمسّ الحاجة إلى أمهات صالحات مصلحات حتى يخرّجن جيلاً ربانياً يخشى الله تعالى، فالأمهات هن القدوة لأولادهن، فالولد يقلّد أمه بأقوالها وأفعالها وأخلاقها وتصرفاتها، لذلك على الأمهات أن يراقبن أنفسهن في كل شيء ليتصفن بالأخلاق الحميدة ويكنّ كأمهات المؤمنين. وبالختام نقول للأم بقدر صلاحك وتقواك وورعك وتركك للملهيات يكون صلاح الأجيال والمجتمع لأنك تصنعين رجال الغد وشابات المستقبل، فنحن بحاجة إلى جيل كجيل الصحابة وجيل صلاح الدين رضى الله عنهم حتى يعود النصر للأمة، وللّه الحمد يوجد اليوم أمهات صالحات مؤمنات حافظات للقرآن مربّيات مجتهدات في الدعوة إلى الله تعالى ولكنهنّ قلّة أمام ما نراه من الفساد والإفساد، فلنحسن الاهتمام بالمرأة تعليماً وثقافة ووعياً، لتكون أماً مثالية ليس لأبنائها فقط بل أماً لكل المجتمع والوطن لما تمثله من أخلاق الإسلام وتعاليمه، نسأل الله تعالى أن يجعلنا بارّين بأمهاتنا وآبائنا وأن يحفظنا وإياهم، اللهم احشرنا مع سيدنا محمّد صلى الله عليه وسلم إمام الأنبياء والمرسلين، وآخر دعوانا أن الحمد للّه رب العالمين.
القوزي
أما الشيخ مازن القوزي، رئيس دائرة المساجد في مديرية الأوقاف، فقال بدوره: في هذه الأيام التي نمرُّ بها والتي يعاني منها العديد من الناس والعائلات بسبب الظروف المتعددة الاجتماعية والعالمية والسياسية وفي كل الظروف تبقى الأم هي الملاذ الآمن لأبنائها وعائلتها والتي ما فتئت أن تقوم بتضحيات وتستمر بها منذ الطفولة إلى ما شاء الله وحتى آخر رمق في حياتها، وهي تسهر على راحة أولادها وأحفادها، فهي فعلاً تستحق لقب الأمومة الذي يشمل حضانة المجتمع وصيانته والسهر على مصالحه، ومن هنا كانت الأسرة، في ما سبق هذه الأيام وهذا الجيل، أسراً متألّقة أمنياً وأخلاقياً واجتماعياً، وأن هذا مستمر لا شك إلا انه تدنّي عدد هذه الأسرة ربما لعدم فهم بعض النساء ما هي الأم، وهذا ما ينعكس على ضياع أولادهن وفشلهن في حياتهن.
وتابع: ان الأم هي مدرسة وهي مؤسسة اجتماعية وهي ملجأ لكل ما يعانيه الفرد في هذا المجتمع لتخفيف من أزماته، وهي بالوقت نفسه في طليعة الريادة والازدهار في مجتمعاتنا العربية والإسلامية بشكل عام. ولذلك جعل لها يوماً من كل عام إلا اننا نعتبر انها تستحق أن يكون لها كل يوم عيد لما تقوم به من تضحيات بلا مقابل.
وأضاف: وأدعو شباب وشابات هذه الأيام إلى العودة إلى ما كانت عليه أمهاتهم وأسرهم في ما مضى كي يكونوا قدوة لأولادهن في ما هو آتٍ من الأيام وللمحافظة على هذه المجتمعات المتماسكة الناجحة والمنتجة، لقد تميّز لبنان كما يعلم العالم بأسره بنموذج متفرّد وهو العلاقات الاجتماعية بين مختلف شرائحه وهذا يعود بالأصل إلى تربية الأفراد ضمن العائلة، والعائلة ضمن المجتمع الذي يحيط بها والفضل بذلك هو لربة هذه العائلة، وهي الأم لذلك أوصى الله عزّ وجلّ بالاعتناء بها والاهتمام بها وأعطاها منزلة مميّزة عن باقي مخلوقاته حتى عن الرجل، وهذا ما يتجلّى بجواب النبي صلى الله عليه وسلم عندما سأله أحد الصحابة: من أحق الناس بصحبتي؟ قال الرسول: أمك، ثم قال: من؟ قال: أمك، ثم من؟ قال: أمك، ثم من؟ قال: أبوك. هذا ليس من باب التقليل من شأن الأب إنما تقديراً للأم لما قدّمته وما تقدّمه لأولادها.