بيروت - لبنان

اخر الأخبار

6 نيسان 2018 12:05ص في يوم اليتيم العربي.. الشيخ أحمد دندن لـ «اللــــواء الإسلامي»:

فخامة الأجر تدفعنا دفعاً لحسن رعاية الأيتام وتأمين متطلباتهم

حجم الخط
في أول جمعة من شهر نيسان في كل عام يحتفل العالم العربي بيوم اليتيم حيث يقوم الكثير من الشخصيات بزيارة اليتامى وتقديم الهدايا إليهم ونشر قضاياهم والمسارعة في حل همومهم... 
وقد بدأت الفكرة لتخصيص يوم لليتيم في عام 2003 عندما اقترح أحد متطوعى جمعية الأورمان الخيرية المصرية، بتخصيص يوم للاحتفال باليتيم والسؤال عنه وإدخال الفرحة على قلبه وكان الهدف الرئيسي ليوم اليتيم هو التركيز على احتياجات اليتيم العاطفية، ولفت انتباه العالم له ولما يريد، ولاقت فكرة تخصيص يوم لليتيم، الدعم من الشخصيات العامة..
وفي عام 2006 حصلت الجمعية على قرار رسمي بإقامة يوم عربي لليتيم من مجلس وزراء الشؤون الاجتماعية العرب في دورته السادسة والعشريسن، وبذلك تقرر تخصيص يوم له في الدول العربية والاحتفال به، وانتقلت الفكرة من النطاق المصري إلى العربي، فأصبحت أول جمعة من شهر نيسان، يوماً مخصصاً للاحتفال بالأطفال اليتامى.
والإحسان إلى اليتيم خلق إسلامي رفيع حثنا الإسلام عليه وندبنا إليه بل وجعله من أفضل الأعمال وأزكاها فقد قال تعالى: {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمالَ عَلى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقابِ وَأَقامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذا عاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ}.
بل إنه حافظ على حق اليتيم وجعل أكل أمواله من السبع الموبقات التي تدخل فاعله نار جهنم فعَنِ النَّبِيِّ  صلى الله عليه وسلم  أنه قَالَ: (اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ، قَالُوا يَا رَسُولَ الله، وَمَا هُنَّ؟ قَالَ: الشِّرْكُ بِاللهِ، وَالسِّحْرُ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَق، وَأَكْلُ الرِّبَا، وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ،  وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ، وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ الْغَافِلاَتِ).. كما ورد عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ {وَلاَ تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِى هِىَ أَحْسَنُ} و{إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا} قَالَ اجْتَنَبَ النَّاسُ مَالَ الْيَتِيمِ وَطَعَامَهُ فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَشَكَوْا ذَلِكَ إِلَى النَّبِيِّ  صلى الله عليه وسلم  فَأَنْزَلَ اللَّهُ (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلاَحٌ لَهُمْ خَيْرٌ) إِلَى قَوْلِهِ (لأَعْنَتَكُمْ)..
الشيخ دندن
{ وفي هذه المناسبة قال الشيخ أحمد دندن مدير عام مؤسسات الدكتور محمد خالد الإجتماعيّة: لقد قدّم الإسلام الأيتام للمجتمع في أفضل صورة إنسانيّة شهدتها المجتمعات الحضاريّة، فهو لم يقدّمهم على أنهم ضحايا القدر أو بقايا المجتمع، كما هو شائع في مجتمعات أخرى، بل كانوا موضوعاً لآية قرآنية كريمة رسمت عنهم صورة إيمانية تسمو على كل الإرتباطات المادية والدنيوية، يقول تعالى: «فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى  قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ» وهذه الآية تخصّ اليتامى أخوة دينيّة، من منّا يقول لليتيم أخي؟ ويقول لليتيمة أختي؟ 
ولئن كانت هذه التسمية هي الحقيقة، وإلا أن فيها كذلك أدباً قرآنيّاً جماً في الخطاب وتطبيباً لقلوب هؤلاء المخاطبين المنكرة فإنهم إخواننا في الدين. 
وتابع: واجبنا أن نفعل علاقتنا بهم وأن نترابط كمجتمع كريم لا يدعّ اليتيم ولا يقهره ولا يأكل ماله، فاليتيم يعني لغة الإنفراد والهم والغفلة والضعف، والحاجة إلى الدعوة لمخالطته، والمبادرة بذلك هي من أفضل الأساليب الإجتماعيّة للدمج من داخل المؤسسة نفسها، بداية من المصافحة باليد كأبسط صور المخالطة، وانتهاء بالتزويج كأقصى مظهر لها، مروراً بمنافع أخرى كالمؤاكلة والمشاربة وحسن المعاشرة...، فجميع هذه الصور داخلة في إطار المخالطة. 
رعاية شاملة
{ وردا على سؤال حول ما يحتاجه اليتيم أولاً، قال الشيخ دندن: 
- إن أول ما نجيب به: المأوى، وهذا ما ذكره القرآن الكريم بقوله تعالى: {أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى} فهذا أفضل ما عولجت به ظاهرة اليتم في شتّى المجتمعات: توفير المأوى والملاذ الآمن  لكل يتيم، وكأن الآية تخاطب الأمة بقولها بضرورة تأمين المأوى لليتيم. ومما يفهم من معنى الإيواء هو دمج اليتيم في كنف أسرة وضمن عائلة إما قريبة وهذا الأصل لقوله تعالى: {يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ} وإما بعيدة، ثم بعد ذلك هل سمعنا بأن من يمسح شعر يتيم له منها حسنات مضاعفة؟ 
نعم وفي هذا قول الرسول الكريم محمد  صلى الله عليه وسلم : «مَنْ مَسَحَ رَأْسَ يَتِيمٍ لَمْ يَمْسَحْهُ إِلاَّ لِلَّهِ كَانَ لَهُ بِكُلِّ شَعْرَةٍ مَرَّتْ عَلَيْهَا يَدُهُ حَسَنَاتٌ» يتيم وشعر وحسنات؟ ما هو الرابط المعنوي بين هذه المصطلحات؟ إنه النمو... فاليتيم ينمو والشعر ينمو والحسنات تنمو وتزيد، وكما يخشى على الحسنات من السيئات وعلى نمو الشعر من الأوساخ والآفات، كذلك يجب أن يخشى على اليتيم من الإهمال والضياع، فرجل أشعث أغبر قبيح المنظر، مقترف للذنوب سيء الخلق، حاله هذه من حال المجتمع الذي لا يهتم باليتيم، فكلمات الحديث هنا تدل على التخوّف والجزع على مصير الأيتام. 
وقال: في يوم اليتيم العربي نقول أنه لا يصحّ أن نحرم اليتيم مرتين! مرّة من حنان الأمومة وعطف الأبوة، ومرة أخرى من رحمة المجتمع ورعايته، فعلينا أن نصل إلى أقل درجة ممكن تخطيها بمسح شعر اليتيم أو بمسح دمعة على خدّه، واحتضانه والسؤال عن أحواله، وإكرامه والنهي عن أكل أمواله، فقال تعالى: {وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ}، وقوله: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا}، ومن واجبنا أيضاً النهي عن قهره، ودعمه نفسيّاً ومادياً ومعنوياً ودمجه في أسرنا ومجتمعنا، فمن منّا يقدر أن يحتضن يتيماً فله الخير الكثير من الله، وما أحلى من صحبة سيد الخلق عليه الصلاة والسلام في أعلى درجات الجنّة فالأيتام ليسوا عالة على المجتمع، إنما هم بمثابة حسنات مزروعة تنتظر من يحصدها بمسحة واحدة من يده، إنهم صورة من صور قوّة المجتمع، فاليتيم هو الأقوى عند الله ورسوله.
واختتم قائلا: فخامة الأجر هذا هو الذي جعل الأم الصابرة تتعلّق بأطفالها بعد وفاة زوجها، في صورة مشرقة من عطف الأمومة على الطفولة، فهجرت متع الدنيا ونزعت الراحة من نهارها والنوم من ليلها، تحوطهم بأنفاسها وعنايتها، وتغذيهم بدمها قبل حليبها حتى تذهب نضارتها ولم يهزمها موت زوجها بل اعتبرته جزءاً من إستمرار نبض الحياة، فالأم هنا أضافت إلى الأمومة كفالة الأيتام فمنحتهم وأغنتهم عمّا يأويهم من الخارج فهي أولى باليتامى من أنفسهم، والأمومة هي الملاذ الثاني بعد الأبوة، فليس بعدها ضياع ولا تشرّد وهذه الصورة إذا أمكن تطبيقها من الأم لأبنائها، فإنه يبدو رائعاً عندما تكفل كل إمرأة صالحة يتيماً، ويا له من أجر ينتظرها عند الله عزّ وجلّ.