بيروت - لبنان

اخر الأخبار

19 تموز 2021 12:00ص في يوم عرفة المبارك .. د. أسامة حداد: أحبّ الناس إلى الله أنفعهم للناس..

حجم الخط
إذا ذُكر يوم عرفات، فقد ذُكر أفضل الأيام وأبركها، فليس ثمّة يوم طلعت فيه الشمس أو غربت، هو خير من يوم عرفة، فقد ورد أن صيامه لغير الحاج يكفّر ذنوب سنتين، وقد ورد أنه ما شوهد إبليس في يوم هو أصغر ولا أحقر، ولا أغيظ من عشية يوم عرفات.

وليوم عرفة فضائل يهرول إليها المؤمنون والمتقون، فهو يوم من ملك فيه سمعه وبصره ولسانه، بالإكثار فيه من فعل الخيرات ودروب الطاعات، واجتناب الإثم والفواحش، والضلالات والمنكرات، غفر الله له كافة ذنوبه.

ويوم عرفة هو يوم إكمال الدين وإتمام النعمة، ففي الصحيحين عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، أن رجلاً من اليهود قال له: يا أمير المؤمنين، آية في كتابكم تقرؤونها، لو علينا معشر اليهود نزلت لاتخذنا ذلك اليوم عيداً، قال: أي آية؟ قال: «اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا»، قال عمر: قد عرفنا ذلك اليوم والمكان الذي نزلت فيه على النبي  صلى الله عليه وسلم، وهو قائم بعرفة يوم الجمعة، حيث قال  صلى الله عليه وسلم: «يوم عرفة ويوم النحر وأيام التشريق عيدنا أهل الإسلام وهي أيام أكل وشرب»، وقد روي عن عمر بن الخطاب أنه قال: «نزلت، أي آية (اليوم أكملت)، في يوم الجمعة ويوم عرفة، وكلاهما بحمد الله لنا عيد».

من هنا كان لنا هذا اللقاء مع الشيخ الدكتور أسامة حداد، المفتش العام للأوقاف الإسلامية في دار الفتوى.

يوم العتق

{ ما هي كلمتكم ونحن في هذا اليوم المبارك؟

- أقول أنه يحلّ علينا يوم هو من أفضل أيام العام، يوم التاسع من شهر ذي الحجة، يوم عرفة، حيث يقف الحجاج فيه على جبل عرفات، متجرّدين من مظاهر الدنيا ومناصبها وأموالها وزينتها، يكثرون فيه من الدعاء والذكر، قال  صلى الله عليه وسلم: (ما من يوم أكثر أن يعتق الله فيه عدداً من النار من يوم عرفة وإنه ليدنو عزّ وجلّ ثم يباهي بهم الملائكة). وقال  صلى الله عليه وسلم: (الحج عرفة)

وقد سمّي يوم عرفة بذلك، لأن آدم وحواء حينما أنزلهما الله من الجنة إلى الأرض، أنزلهما في مكانين مختلفين، وابتعدا عن بعضهما فترة من الزمن، ثم التقيا على جبل عرفات، وتعارفا على بعضهما فيه.

وهو أيضا المكان الذي عرّف فيه سيدنا جبريل عليه السلام سيدنا إبراهيم عليه السلام بمناسك الحج.

وهو المكان الذي يتعارف فيه الناس على بعضهم البعض، ويعرفون قدر أنفسهم ويستشعرون عظمة ربهم، فيعترفون فيه بذنوبهم، ويطلبون من الله أن يغفرها لهم، مستذكرين الوقوف بين يدي الله عزّ وجلّ يوم القيامة.

ويسمّى أيضاً جبل الرحمة لأن الله تعالى رحم البشرية بلقاء أبويها آدم وحواء، ويرحم المؤمنين الذين يقفون فيه للدعاء وأداء المناسك.

فضائل ورحمة

{ وماذا عن فضل هذا اليوم؟ وكيف يمكن للمسلم أن يستثمر أوقاته فيه؟

- يوم عرفة هو اليوم الذي أتمّ الله فيه نعمته على عباده، وأكمل لهم دينهم فيه حيث نزلت هذه الآية الكريمة على رسول الله  صلى الله عليه وسلم، فقال الله عزّ وجلّ: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الْإِسْلَامَ دِيناً} [سورة المائدة:5].

وهو يوم عطاء ومغفرة ورحمة، يغتاظ منه إبليس لما يرى فيه من المغفرة للذنوب التي سعى الى إيقاع الناس بها، قال النبي  صلى الله عليه وسلم: «مَا رُئِيَ الشَّيْطَانُ يَوْماً هُوَ فِيهِ أَصْغَرُ وَلاَ أَدْحَرُ وَلاَ أَحْقَرُ وَلاَ أَغْيَظُ مِنْهُ فِي يَوْمِ عَرَفَةَ وَمَا ذَاكَ إِلاَّ لِمَا رَأَى مِنْ تَنَزُّلِ الرَّحْمَةِ وَتَجَاوُزِ اللَّهِ عَنِ الذُّنُوبِ الْعِظَامِ..».

فعلى المسلم أن يغتنم هذا اليوم بالطاعات، من صيامٍ، وصدقةٍ، وتسبيحٍ، وتحميد وتمجيد وتكبيرٍ، وتهليلٍ، وصلة رحم، وصلاةٍ، وقيام، وقراءةٍ للقرآن الكريم، وقد سُئل رسول الله  صلى الله عليه وسلم عن صوم يوم عرفة فقال: (يكفّر السنة الماضية والباقية).

ظروف إستثنائية

{ يأتي يوم عرفة هذا العام في ظروف إستثنائية، فهناك موضوع كورونا، وهناك أيضا الأزمات التي نعيشها في لبنان في مختلف المجالات، فما هي كلمتكم؟

- أقول أنه إن كانت الأزمة الاقتصادية والوبائية منعت الكثيرين من أداء الحج هذا العام، واقتصر الحج فيه على حجاج الداخل بسبب مكافحة الوباء المتحور من كورونا، فإن الله تعالى كريم يتفضّل على عباده بفتح أبواب الأعمال الصالحة أينما كانوا ومتى شاءوا، ويعطيهم ثوابا يوازي ثواب الحج والعمرة، ومن أهم الأعمال في زمن الشدائد والكروب، جبر الخواطر وتفريح القلوب، ولو بكلمة طيبة وابتسامة صادقة، وقضاء حاجة مكروب، وتسهيل أمر مطلوب، كمن حجّ حجّات تطوّع متكررة. قال الحسن االبصري رحمه الله: مشْيِكَ في حاجة أخيك المسلم خير لك من حجة بعد حجة.

وخاصة في أيامنا التي نمرُّ فيها بأزمات اقتصادية قاسية بسبب الفساد الإداري والمالي والاجتماعي وفشل البعض في حل تلك الازمات، قَالَ رَسُولُ اللهِ  صلى الله عليه وسلم: «أَحَبُّ النَّاسِ إِلَى اللهِ تَعَالَى: أَنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ، وَأَحَبُّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللهِ تَعَالَى: سُرُورٌ تُدْخِلُهُ عَلَى مُسْلِمٍ، أَوْ تَكَشِفُ عَنْهُ كُرْبَةً، أَوْ تَقْضِي عَنْهُ دَيْناً، أَوْ تَطْرُدُ عَنْهُ جُوعاً، وَلَأَنْ أَمْشِيَ مَعَ أَخِي فِي حَاجَةٍ؛ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَعْتَكِفَ فِي هَذَا الْمَسْجِدِ - يَعْنِي مَسْجِدَ الْمَدِينَةِ المنورة - شَهْراً».

وفي الختام، نسأل الله أن يحفظنا، ويفرّج عنا، ويُصلِح أحوالنا، ويلطف بالعباد والبلاد، وصلّ اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.