بيروت - لبنان

اخر الأخبار

17 تشرين الثاني 2018 12:00ص قبّة العشرة (6) قبّة العشرة المبشرين بالجنّة ومحرابهم

حجم الخط
ذكرت الخرائط لبيروت التي وضعت سنة 1840م لبيروت من قبل الجيش الإنكليزي والتي رسمت لحاجات الحرب بعض المواقع الحربية والدينية الرئيسة للمدينة كالسراي والقلعة وبعض الأبراج وبعض المساجد والكنائس والمدافن وحتى أن من ذكر بعض معالم المدينة من أهل البلاد اكتفى بالأماكن الأثرية والتجارية كالخانات والقيساريات والحمامات. 
لم يكن قبل دخول جيش إبراهيم باشا سنة 1831 باستطاعة الغريب الدخول الى الأحياء الداخلية والأزقة والزواريب والسؤال عن معلم تاريخي أو أثري لما كان يثيره ذلك من ريبة وحذر. ولا نبالغ إذا قلنا بأن أياً من الذين كتبوا عن بيروت أو زاروها أو أقاموا بها، لم يشر الى أنظمة بناء البيوت ولم يذكروا – باستثناء الشيخ عبد الغني النابلسي، بعض الزوايا الصوفية التي كانت منتشرة في الأحياء والمحلات. علماً بأنه كان لكل طريقة شيخها وزاويتها وأذكارها وأورادها حتى يخيل للمتتبع أن غالبية السكان  كانوا منتسبين كمريدين الى هذه الطريقة أو تلـــك .وقد ظهر مما اطلعنا عليه أنه باستثناء المساجد والكنائس لم يشر أحد الى قباب الزوايا (كما ذكرنا في كتابنا زوايا بيروت).
يذكر ان  تاريخ بيروت  لم يكتب بل غُيّب وأهمل منذ بدء عهد الانتداب الفرنسي، مع الإشارة الى ان أقدم خرائط بيروت الإنكليزية التي اشرنا اليها هي خرائط عامة لم تذكر تفاصيل الأماكن التي سبق للوثائق الشرعية ان ذكرتها وحددت مواضعها وقد أهملتها أعمال المسح العقاري ومنها وثيقة تذكر قبة العشرة المبشرين بالجنّة.
الوثيقة الشرعية الخاصة بقبة العشرة 
تكتسب الوثيقة الشرعية المؤرخة في السادس من شهر ذي الحجة سنة 1242هـ /ايار 1827م والتي خطّها السيد محمد علي المكوك بخطه الجميل والمصدقة من قاضي بيروت الشيخ أحمد الأغر ، تكتسب أهمية كبيرة بالنظر لما تضمنته من معلومة قلّما ذكرها مؤرخو خطط بيروت أو من كتب في تاريخ المدينة ولم تسجل في السجلات الشرعية الموجودة. وتقول الوثيقة:
«حضر السيد إبراهيم ابن المرحوم الحاج محمد الحشاش وأقر وهو بحال الصحة والسلامة في كل من عقله وبدنه طائعاً مختاراً عالماً بصحة الإقرار ومآله شرعاً أنه باع قبل تاريخــــه ما هو له وفي يده ويسوغ له بيعه شرعاً وجار في ملكه وتحت مطلق تصرفه النافذ الشرعي الى حين صدوره ومنتقل اليه بالإرث الشرعي الى زمن هذا الصك الشرعي شقيقه السيد أحمد الحاضر في المجلس المومى اليه وأنه هو اشترى منه بماله لنفسه دون غيره وان ذلك المبيع السدس أربعة قراريط من أصل أربعة وعشرين قيراطاً من كامل الجنينة المعروفة الآن بجنينة الحشاش المشتملة على أرض وغراس أشجار توت وبري وفواكه وعمار هو بيت واحد مسقوف بالجسور والألواح مشتملة على  أرضية وتخت من الخشب يعلوه مطبخ مسقـــــوف بما ذكر كذلك الملاصقة للفرن المعروف بفرن الحشاش الذي هو الآن سكن الحاج حسين خالد بالقرب من زاوية سيدنا الإمام الأوزاعي قدس سرّه وقبة العشرة الشهيرات باطن المدينة المزبورة شركة البائع المقر بخمس واحد من القيراط وشركة المشتري المقر له المرقوم بأربعة قراريط وخمس واحد من القيراط فكمل له ثمانية قراريط وخمس واحد من القيراط من الأصل المذكور في الجنينة المذكورة بما اشتملت عليه وشركة بقية ورثة ابيهما ببقية سهام الجنينة المذكورة بما اشتملت عليه تتمة سهامها بجميع حدود هذا المبيع كله ورسومه وطرقه  وتوابعه ولواحقه وحقوقه واستحقاقه  ومضافاته ومشتملاته وما يعرف به ويعزى اليه شرعاً المعلوم ذلك عندهما العلم الشرعي شهرة ووصفاً وعيناً وحدوداً ، يحد الجنينة المذكورة قبلة الطريق السالك وشمالاً جنينة ياسين وشرقاً الفرن المذكور وشمالا الجنينة الجارية هي والفرن المرقوم في وقف الجامع المعروف بجامع الأمير عساف ويعرف الآن بجامع السرايا العامر بذكر الله تعالى وعبادته باطن المدينة المزبورة وغرباً زاروب ياسين والقبة المذكورة بحق ذلك كله شرعاً من جميع الجوانب والجهات بيعاً وشراءً صحيحين قاطعين ماضيين باتين لازمين نافذين لا شرط فيهما ولا فساد بإيجاب وقبول مرعيين من الجانبين وتسليم وتسلم شرعيين من الطرفين غب التخلية الشرعية بثمن قدره لهذا المبيع كله ثلاثماية قرش فضة أسدية رايجة سلطانية عثمانية يغلب التعامل بها يومئذ كل قرش منها بأربعين مصرية وأن البائع المحرر قبض من المشتري حينئذ جميع الثمن المذكور بالتمام والكمال حسب اعترافه بقبضه جميعه في مجلس عقده قبضاً صريحاً شرعياً كافياً وافياً نافياً لأنواع الجهالة والغبن والغرر والحيف والزيف والضرر بعد سبق الخبرة والنظر وغب المعاقدة الشرعية التي جرت بين المتعاقدين المذكورين على الوجه الشرعي بطواعية ورضى واختيار من غير اكراه ولا اجبار وما كان في المبيع المذكور من درك او تبعة فضمانه على البائع المحرر حيث يجب الضمان شرعاً والتمس  من سيدنا ومولانا الحاكم الشرعي المومى اليه هذا الصك الشرعي ليكون سنداً مشعراً بذلك فأمر ايده الله تعالى بتسطيره فسطر ما هو الواقع فيه غب الطلب والسؤال تحريراً في السادس من ذي الحجة الحرام ختام سنة 1242 هـ (شهود الحال كاتبه محمد بن السيد علي المكوك بكري ابن أبي قاسم حسين الحشاش. حسن ابن حسين بكداش. ذئب ابن عبد الرحمن محرم. محمد إبن قاسم الزاهد محمد افندي الغر. مصطفى أفندي الغر .شقيق المتبايعين المحررين السيد عمر. حسن بن عساف الراعي المحضر.
ترجمة العشرة المبشرين بالجنّة 
إن المبشرين بالجنة من الصحابة كثيرون – من الرجال والنساء – ولكن العشرة المبشرين ذكروا في وقت واحد وفي حديث واحد، فعن عبد الرحمن بن عوف أن النبي  صلى الله عليه وسلم  قال: أبو بكرفي الجنّة، وسعد بن أبي وقاص في الجنـــّـــة ، وعلي في الجنّة ، وطلحة في الجنّة، والزبير في الجنّة، وعبد الرحمن بن عوف في الجنّة، وسعد بن أبي وقاص في الجنّة، وسعيد بن زيد في الجنّة، وأبو عبيدة بن الجراح في الجنّة. (رواه الترمذي وصححه الألباني).
وفي رواية عن أبي داود وغيره عن سعيد بن زيد قال: أشهد على رسول الله  صلى الله عليه وسلم  أني سمعته وهو يقول : عشرة في الجنّة: النبي في الجنّة ، وأبو بكر في الجنّة، وعمر في الجنّة ، وعثمان في الجنّة، وعلي في الجنّة، وطلحة في الجنّة، والزبير بن العوّام في الجنّة، وسعد بن مالك في الجنّة، وعبد الرحمن بن عوف في الجنّة ، ولو شئت لسميت العاشر، قال : فقالوا: من هو؟ فسكت، قال: فقالوا: من هو؟ فقال: هو سعيد بن زيد. (صححه الألباني).
ونسب العشرة من الصحابة المبشرين بالجنة رضوان الله عليهم كما ذكرها المفتي الشيخ عبد الباسط الفاخوري في مخطوطة خبايا الدراية هو:
أبو بكر الصديق رضي الله عنه  يجتمع بعمود نسب النبي  صلى الله عليه وسلم  فـــــــــــــي مرة بن كعب.
أبو حفص عمر بن الخطاب يجتمع بعمود النسب الشريف في كعب بن لؤي.
أبو عمرو عثمان بن عفان يجتمع بعمود النسب الشريف في مناف بن قصي.
أبو الحسنين علي بن أبي طالب يجتمع بعمود النسب الشريف في عبد المطلب بن هاشم فهو إبن عم رسول الله  صلى الله عليه وسلم  طلحة بن عبيد بن عثمان يجتمع بعمود النسب الشريف في مرة بن كعب ويجتمع مع أبي بكر الصديق في عمرو بن كعب بن سعد بن تيم.
الزبير بن العوام بن خويلد وهو يجتمع بعمود النسب الشريف في قصي بن مرة وهو ابن عم خديجة بنت خويلد زوج النبي  صلى الله عليه وسلم  وجدة الأشراف وابن عمّة رسول الله  لأن أمه صفية بنت عبد المطلب عمّة رسول الله.
سعد بن أبي وقاص يجتمع بعمود النسب الشريف في كلاب واسمه حكيم بن مرة.
سعيد بن زيد بن نقيل يجتمع بعمود النسب الشريف في كعب بن لؤي وهو ابن عم عمر بن الخطاب وصهره.
عبد الرحمن بن عوف يجتمع بعمود النسب الشريف في قصي بن مرة.
أبو عبيدة عامر بن الجراح يجتمع بعمود النسب الشريف في فهر بن مالك.
وختم بقوله  «فتعلم أن أقربهم نسباً للنبي  صلى الله عليه وسلم  في عمود النسب الشريف علي بن أبي طالب ثم عثمان بن عفان ثم الزبير وعبد الرحمن ثم سعد بن أبي وقاص ثم أبو بكر الصديق وطلحة بن عبيد الله ثم عمر بن الخطاب وسعيد بن زيد ثم أبو عبيدة عامر بن الجراح رضوان الله عليهم أجمعين وبينت لك أنسابهم لتعرف ان كلهم عائلة واحدة وأقارب مجتمعة قريبة أنسابهم والله سبحانه وتعالى أعلم». 
محراب العشرة في الجامع العمري الكبير 
يتصل بيت الصلاة في الجامع العمري الكبير مع صحنه في الجهة الشمالية بباب نقش فوقه التاريخ 1183 هـ (1779م) مما يدل على تاريخ إنشاء الصحن في العهد العثماني. وباب الصحن هو من خشب الجوز زينت قنطرته بالحجارة الملونة وحفر في وسطها رسم لشجرة سرو باللون الأسود والى يمين الباب : لا اله إلا الله والى اليسار : محمد رسول الله. ويوجد الى الشرق والغرب من الصحن رواقان مسقوفان . في الرواق الشرقي محراب على جانبيه عمودان الى جانب أحدهما ضمن لوحة مستديرة عبارة «لا اله إلا الله محمد رسول الله أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة سنة 1193» والى جانب الآخر: الزبير  وسعد وسعيد وعبد الرحمن بن عوف وأبو عبيدة عامر بن الجراح سنة 1193 هـ (تقابل 1779م). والأسماء المشار اليها هي أسماء الصحابة العشرة المبشرين بالجنة.
وقد تم سنة 1425هـ/2004م نقل محراب العشرة الى مصلى النساء حيث رفعت لوحة بذلك ارسل الينا صورتها الصديق سهيل منيمنه. 
فأين هي قبة العشرة؟
اشرنا في مقال سابق الى قبة بيت بلوز وقبة ابن عراق مقابل زاوية الإمام الأوزاعي. فلو كانت قبة العشرة هي ذاتها قبة ابن عراق لكانت ذكرت في الوثيقة بهذه النسبة ؟ ولم يذكر أحد ممن كتب في تاريخ بيروت عن وجود قبة منسوبة للعشرة المبشرين ؟  ونحن نرجح ان تعريف قبة ابن عراق بقبة العشرة حدث في القرن الثامن عشر بعد أن تم سنة 1779م وضع لوحتين بأسمائهم عند المحراب الذي نسب اليهم ايضاً في الجامع العمري الكبير. 
اوليا شلبي واحد العشرة المبشرين
يذكر أن أوليا شلبي الرحالة التركي صاحب كتاب سياحتنامه المؤلف من عشرة مجلدات في حوالي أربعة آلاف صفحة ، كان سبب وضعه أن أوليا حلم سنة 1630م بأنه كان داخل أحد الجوامع في منطقة امينونو باسطنبول الذي كان مكتظاً وبقربه شيخ الرماة أحد المبشرين بالجنة سعد بن ابي وقاص فعرفه بأن هؤلاء هم من الصحابة وأمسك بيده ثم فُتح باب ودخل منه النبي  صلى الله عليه وسلم  ليقدمه لحضرته طلباً للشفاعة وعوضاً عن الشفاعة نطق شلبي «السياحة يا رسول الله» فتبسم النبي وقال يا الهي الشفاعة والسياحة والزيارة والصحة والعافية».

 *محامٍ ومؤرخ