بيروت - لبنان

اخر الأخبار

3 تشرين الثاني 2018 12:05ص قبة العشرة (4) قباب زوايا المجذوب والخلع والقصار

حجم الخط
في غياب المعلومات عن مساحة قباب بعض الزوايا وارتفاعها ومحتوياتها يمكن الاستئناس بقبة ابن عراق كمقياس لقباب زوايا الخلع والقصار والمجذوب وشيخ السرية. ومما يؤسف له أن أحداً من الهواة أو المحترفين لم يكلف نفسه عندما باشرت السلطة المنتدبة بعد سنـــة 1918م بهدم الأبنية القديمة بما فيها الزوايا والرباطات، وضع رسم تقريبي أو وصف لأبعاد وطراز بناء الزوايــــــا.
قبة زاوية  الشيخ محمد المجذوب 
أرصدت لمصالح زاوية المجذوب الأوقاف والأحكار الكثيرة وتعاقب على إمامتهــــــــــــــا والتدريس فيها أئمة وأعلام اشتهروا بالتقوى والعلم والفقه. وتظهر أهمية زاوية المجذوب من ناحية أخرى في نشوء نشاط تجاري واقتصادي حولها تمثل بتسمية المحلة الكائنة فيها باسم محلة المجذوب وفي نشوء سوق باسم «سوق زاوية المجذوب» مما يشير الى تزاحم الأقدام عند الزاوية وكثرة المريدين والطلاب وقد عرفت الزاوية المذكورة بعدة أسماء. فهي بصفة عامة زاوية المجذوب. وهي  «مدرسة المجذوب» و«محلة المجذوب». وفي المراسلات العثمانية ورد سؤال من نظارة الأوقاف الجليلة عن تاريخ «مسجد المجذوب» ما يشير الى أن الزاوية كانت تقام فيها الأذكار وتنشد الأوراد. وقامت بدور المسجد. وبدور المدرسة.
وكل ما نعرفه عن موقع الزاوية أنه بجوار مبنى مجلس النواب الحالي. وعندما زار عبد الغني النابلسي بيروت سنة 1105 هـ/ 1693م وعزم على السير الى زيارة الأوزاعي قال «فسرنا ومررنا في الطريق على قبة صغيرة يقال لها مقام المجذوب، فقرأنا الفاتحة ودعونا  الله تعالى...» ولم يحدد بالضبط موقع المقام المذكور. قيل إن الشيخ محمد المجذوب كان قد اتخذ مصلى له في الجهة الشمالية الغربية من جبانة الباشورة يختلي فيها للتعبد في الليل والنهار وأنه دفن بجانب هذا المصلى. ولعل هذا المقام هو الذي عناه النابلسي؟ ويتناقل بأنه كانت توقد تحته الشموع  وقد أزيل وقبته بعد أن فتح في مكانه باب يصل ما بين المقبرة والشارع العام. وذكر بأنه كان للمجذوب مقام آخر عند المدخل الجنوبي للمقبرة عبارة عن قبة متواضعة تحتها قبر صغير بلا أية كتابة والناس تقول هنا يوجد شهيد . نشير الى  وجود قبة متواضعة فوق غرفة صغيرة خلف الجدار الذي يقف عليه اهل المتوفى لتلقي التعازي عند المدخل الجنوبي للمقبرة. يذكر أن أبياتاً حفرت على شاهد الضريح مطلعها:
       هذا مقام محمد المجذوب     في حب الإله له تحنّ قلوب
نشير الى ورود أمر من نظارة الأوقاف في الأستانة للسؤال عن مسجد المجذوب هل يوجد له وقفية وهل لها قيد في السجلات وهل هو قديم أو محدث؟ وكان جواب القاضي الشرعي بأنه «مسجد قديم مشهور لا وجود  لوقفيته  لا في سجل ولا في غيره». وقد ورد في ديوان مرآة الغريبة للشيخ قاسم ابو الحسن الكستي ان الزاوية تجددت  سنة 1283 هـ /1866- 67م فنظم على لسان حالها:
   ان من سعى بتجديد وضعي
وبه يرتجي عموم الثواب
    بشّروه عني بخير جزيل
جاء تاريخه بغير حساب
      قبة زاوية الشيخ محمد الخلع 
تنسب الزاوية  الى الشيخ محمد أحمد الفاخوري الملقب بالخلع. خلع الرجل الشيء لغة نزعه. وخلع الأمير على الشاعر أعطاه خِلعة. فالخِلعة منحة والجمع خِلع. يقال ألبسه الخلعة: قال الشاعر:
  أمبشري بقدوم من أحببته
ولك البشارة بالمسرة والهنا
 ما كان أسمحني عليك بخلعة
لو كان عندي حلة غير الضنى 
هجا كعب بن زهير النبي عليه السلام ثم جاءه مستأمناً وقد أسلم وأنشد لاميته المشهورة التي مطلعها:
 بانت سعاد فقلبي اليوم متبولُ
متيّمٌ إثرها لم يجز مكبولُ
فعفا عنه النبي وخلع عليه بردته. 
 ولأهل التصوف مصطلحات  فيما بينهم وتكون غالباً مستبهمة على الاجانب غيرة منهم على اسرارهم ان تشيع في غير اهلها. منها  الحال والوجد والصحو والسكر والشرب والتجلي والقرب والبعد والخِلع الخ. والخِلع لدى الصوفية ثياب الصوفي الذي عبر عنها أبو الحسن الشاذلي وذكرها الشيخ مصطفى نجا في كتابه «كشف الأسرار لتنوير الأفكار» هي خمس خلع خلعة المحبة وخلعة المعرفة وخلعة التوحيد وخلعة الإيمان وخلعة الإسلام. ولعل تلقيب الشيخ محمد الفاخوري بالخلع لما خلع عليه مما ذكرناه والله أعلم.
لم يتبين تاريخ إنشاء الشيخ محمد الفاخوري للزاوية الكائنة في سوق البياطرة خلف مبنى بلدية بيروت الحالي وعرفت بزاوية سوق البياطرة. وفي سنة 1925م هدمت  البلدية الزاوية وأعطت متولي الوقف قطعة أرض قرب الموقع القديم للزاوية حملت رقم 141 المرفأ وسجلت باسم وقف بني الفاخوري. ورغم غياب الحجة الأصلية لوقف زاوية الخلع القديمة من قبل منشئها وواقفها الشيخ محمد الفاخوري فانه يستدل على قدم إنشائها وهوية واقفها من الوثيقة الشرعية الصادرة بتاريخ الثاني من شهر شوال سنة 1251هـ / 1836م. وإثر حوادث سنة 1840م  وإصابة الزاوية بأضرار نتيجة قصف بيروت من الاسطول العثماني وأساطيل الدول المتحالفة مع السلطنة،  فقيد في  دفتر الزاوية  «عما ورد من طرف الخزينة العامرة من ديوان نظارة الاوقاف وإنعام من مولانا السلطان نصره العزيز الرحمن». 
ولم تذكر المصادر مساحة الزاوية ولا طراز عمارتها . ومن المرجح انها كانت قاعة أرضية بسيطة كمصلى لتجار السوق وعابريه. ولم يكن لها مئذنة. ويشير دفتر الزاوية الى انها كانت تحتوي على خزائن وغرفة ضمن الزاوية قد تكون معدة لسكن خادمها وعلى بركة ماء  ومرتفق. وكانت ارض الزاوية مفروشة بالحصر ثم فرشت فيها سجادة . اما مياهها  فمستمدة من بئر خاصة ورد  في دفتر الزاوية في النفقات  ثمن حصر واباريق ودلاء خشب وبكرة وجنزير وحبال للبئر وغطائه وتعزيله.
وقد ظهرت القبة الحجرية للزاوية اثناء هدم الابنية القديمة وتوسيع الشوارع ظاهرة بجوار شارع فوش الحالي.  
قبة زاوية الشيخ علي القصار 
وثائق زاوية الشيخ علي القصار خمس أولها  منظمة وموثقة بتاريخ 22 شعبان سنة 1091 هـ/1680م  لدى القاضي أحمد عبد الرؤوف «قاضي بيروت وعكا» في حينه. وفي الثانية أضاف اليها الواقف الشيخ علي القصار مخازن صدقت  في ختام ذي القعدة الحرام سنة 1091 هـ/1681م  لدى «كمال الدين المولّى خلافة محروسة بيروت». والثالثة مصدقة لدى القاضي المذكور في ختام محرم الحرام سنة 1092 هـ /1681م أضاف فيها الواقف لمصلحة الزاوية بعض الحوانيت. والرابعة مصدقة في غرة جمادى الأولى سنة 1096 هـ /1685م لدى قاضي بيروت مصطفى الذي صدق أيضاً على الوقفية الخامسة المنظمة لديه بتاريخ غرة شوال سنة 1104 هـ /1693م.
تتميز الوثيقة الأولى التي ذكرت  إنشاء الزاوية والوقف عليها بأنها بيّنت محتويات  عمارة الزاوية والغاية من إنشائها. فالزاوية مؤلفة من «قبة كبيرة مبنية بالمؤن والأحجار (كانت الطريقة الثانية في البناء من الجسور والأخشاب) وتشتمل القبة على أوده كبيرة بباب يغلق عليها لجهة الشرق منها  وأودة صغيرة لجهة القبلة شرقي المحراب وخزانة خشب وتخت لأجل الصـــــــــــــــــــلاة». وفي سنة 1700م زار عبد الغني النابلسي بيروت ورأى فيها زوايا كثيرة وجوامع وحمامات «فمن الزوايا زاوية مشرقة الأنوار، تسمى بزاوية إبن القصار، وهي نيّرة مرتفعة البنيان  يجتمع فيها الحفّاظ ما بين العشاءين يتدارسون القرآن». ولم يذكر أحد من الرحالة أو من البيارتة وصفاً مفصلاً للزاوية بقياساتها  ومحرابها وما إذا كان ثمة زخارف أو لوحات رخامية أو كتابات تؤرخ إنشاءها أو تبيّن أية معلومات أخرى ولا ما يشير الى أن الواقف دفن فيها أو في روضة ملحقة بها .على غرار شيخ السربة المدفون في زاويته. أو بعض من دفن في زاوية إبن عراق من أئمتها أو من دفن في روضة زاوية إبن الشويخ (المجيدية) من أئمة الزاوية ومتولي أوقافها. أوعلى غرار الضريح الذي كان موجوداً في جامع شمس الدين الخطاب.

 *محامٍ ومؤرخ