بيروت - لبنان

اخر الأخبار

10 تشرين الثاني 2018 12:05ص قبة العشرة (5) قباب محلّة «قرا وجاق» بجوار سور بيروت الغربي

حجم الخط
منذ ان اختار الإمام الأوزاعي بيتاً له بجوار سور بيروت الغربي  تحول الى مركز مرابطة ومدرسة للفقه. ما شجع العلماء والمتصوفة على اختيار المحلة المجاورة لبيت الإمام للإقامة والمرابطة وعلى بناء الزوايا والقباب. وقد عرفت المحلة باسم «قرا وجاق» كما جاء في وثيقة مؤرخة في 20 شعبان سنة 1262هـ /1846م سجلت فيها مقاسمة بين ورثة أحمد الحشاش وأولاده وزوجته أمينة بنت أحمد حماده السردار على عمار واقع في جنينة بني الحشاش الكائنة في محلــــــــــــة «قرا وجاق». وورد في وثيقة اخرى اسم شونة الجن. يذكر أن كتّاب الدواوين في العصر المملوكي ثم العثماني كانوا يحذفون الهمزة من أوجاق لتصبح وجاق. وقرا بالتركية تعني أسود ووجاق تعني موقد من حديد يحرق فيه الحطب للتدفئة ثم أطلق على صنف من أصناف الجند. 
وقد ضمت المحلة زاوية ابن عراق  والسبيل الذي يعود الى القرن العاشر الهجري والذي بني لزاويتي الأوزاعي وابن عراق (ذكرناه مفصلا في كتابنا زوايا بيروت). كما ضمت زاوية الشويخ الكائنة قرب باب السنطية المنسوبة للسيد الشيخ أبي عبد الرزاق محيي الدين عبد القادر الجيلاني (الكيلاني) والتي اصبحت تعرف بجامع المجيدية وكانت حدودها قبلة (جنوباً) وشرقاً الطريق السالك وشمالاً البحر وغرباً سور بيروت. كما ضمت المحلة أيضاً قباباً أخرى.
قبة زاوية  محمد بن عراق
لم يبق من مدرسة ابن عراق وزاويته ورباطه سوى قبة لا تزال صامدة في أول السوق الطويلة ويعود بناؤها الى سنة 923 هـ/ 1517م  (كما اوضحنا في مقالات سابقة) يؤيد ذلك أن بناء القبة يتوافق مع الطراز المعماري المملوكي الذي كان سائداً في وقت بنائها. وهي عبارة عن حجرة مربعة سقفها قبة محمولة بواسطة أربعة عقود استعملت في أركانها مثلثات لتحويل المسقط المربع الى مثمّن لتسهيل التغطية بالقبة. وللقبة رقبة  DRUMمثمّنة بارتفاع متر ونصف تقريباً في منتصف كل ضلع من أضلاعه شباك معقود بعقد دائري توجد فتحة في جدار البناء الشرقي يمرّ منه إلى حجرتين كانتا مخصصتين لإمام الزاوية وحفظ الكتب أو لحفظ أدوات المبنى ولوازمه كالبسط والقناديل  وفي الجهة القبلية الغربية من المبنى قسم مفرز بحائط كان مدفناً لشخص مجهـــول ووجدت في الزاوية  لوحة  حجرية سميكة عليها سطران أحرفهما نافرة نُقلت سنة 1982م من داخل زاوية ابن عراق.  كتب في السطرالاول بالتركية «قطب العارفين الشيخ محمد العراقي تربة حضرتلري لطيفه سي» وكان نص السطر الثاني بالعربية «تربة قطب العارفين الشيخ محمد العراقي اللطيفه». ونسارع الى القول بان لفظ «تربة» لا يعني ان محمد بن عراق مدفون فيها وإنما سميت كذلك لأنها كانت زاوية للصلاة والذكر والتدريس أقامها محمد بن عراق دفين لمدينة المنورة.     
قبة زاوية ابن الشويخ (المجيدية)
ان الزاوية الشريفة الكائنة قرب باب السنطية في ميناء بيروت المعروفة بجامع المجيدية منسوبة للشيخ أبي عبد الرزاق محيي الدين عبد القادر الجيلاني الكيلاني ويشير كتاب الوقف الصادر في أواخر جمادى الأخرى سنة 1111هـ (1699م) الى تاريخ انشاء زاوية  ومنح التولية والإمامة والنظر عليها للشيخ محمد ابن الشيخ علي الشويخ القادري حال حياته ومن بعده على أولاده وأعقابه. زارها النابلسي سنة 1112 هـ وقال فيها: جديدة البنيان، مما يثبت أن إنجاز زاوية الشويخ حصل سنة 1111هـ (1699م). وعد عودة الحكم العثماني الى  بيروت سنة 1840م  بنيت المئذنة وتحولت الزاوية الى جامع المجيدية. يذكر انه لا قبة للزاوية والجناح الغربي للزاوية مؤلف من فراغين معقود  كل  منهما  بقبو متقاطع. 
قباب أخرى في المحلة نفسها 
تعلمنا عدة وثائق شرعية عن العقارات المجاورة لقبة ابن عراق ولبيت الأوزاعي منها: 
1- بموجب الوثيقة المؤرخة في 10 جمادى الأول سنة 1297 هـ /1880م عندما حضرت خديجة بنت الحاج مصطفى دبوس المعرفة بابنها مصطفى ابن الحاج سعيد النقاش والحاج محمد ابن الحاج صالح ادريس ووكلت محمد علي ابن الحاج عبد الله القوتلي بيع ثمانية قراريط من الدار بمشتملاتها في جنينة بني الحشاش داخل المدينة يحدها قبلة دار محمد حصرم وشمالاً دار الشيخ أحمد الهندي وشرقاً الطريق السالك وغرباً زاوية «الشيخ العراقي» بيعاً باتاً من المشتري محمد العلائلي...
2- بالوثيقة المؤرخة في 27 جمادى الأولى سنة 1298 هـ/ 1881م أقر الشيخ يوسف ابن عبد القادر الأسير والحاج محمد بن صالح ادريس والحاج بكري ابن الشيخ علي كتّوعة والحاج محمد ابن الحاج محمد السروجي وشهد كل واحد منهم بطريق الإخبار بأن جميع القبو الكائن في محلة إدريس داخل المدينة يحده قبلة ورثة يوسف ساسين وشمالاً زاوية الإمام الأوزاعي قدّس سره وشرقاً الطريق السالك وغرباً ملك ورثة علي محمد البنداق المقدرة قيمته بخمسة الآف قرش ، هو ملك ناصر الدين بن حسن بن محمد الشويفاتي وبتصرفه آل اليه بالشراء البات الشرعي من علي البنداق من عشر سنوات...
3- بموجب الوثيقة المؤرخة في التاسع من جمادى الأولى سنة 1263 هـ /1847م حضرت الحاجة آمنة بنت عبد القادر حرب النقاش حرمة الحاج صالح إدريس بالتعريف الشرعي عليها من ابنها لصدرها ومن السيد عبد الرحمن بيضون والسيد احمد عبله الحسامي وهي بحال الصحة والسلامة وباعت ما هو لها وفي يدها وجار في ملكها ومنتقل اليها بالطريق الشرعي الى المرأة  الذمية النصرانية حنة بنت نقولا الصالحاني وقد قبل لها الشراء الآتي بالنيابة عنها الذمي النصراني الخواجه غنطوس الجدي  بمال المقبول لها لنفسها دون غيرها والمبيع ثلاثة قراريط من اصل اربعة وعشرين من كامل القطعة المفروزة من جنينة بني إدريس من جهة غربها «بالقرب من زاوية سيدنا الإمام المجتهد المطلق الشيخ أبي عمرو عبد الرحمن الأوزاعي رضي الله عنه «الكائن باطن مدينة بيروت لصيق سورها الآتي ذكره المشتملة هذه القطعة على غراس اشجار توت واصول زلزلخت واصل تين يحدّ القطعة المباعة قبلة ابن البائعة محمد وشمالاً ملك موسى بسترس وشرقاً ملك الحرمة المقبول لها «وغرباً سور البلد والشونة المعروفة بشونة الجن» وبقي طريق الشونة والسور طريقاً مطلقاً الى حد بوابة السمطية على القطعة المذكورة.. شركة البائعة بواحد وعشرين قيراطاً بثمن قدره ثلاثة آلاف قرش فضة اسدية كل قرش اربعون مصرية ثم باعت البائعة بعقد ثان وصفقة ثانية الى حنة واحد وعشرون قيراطاً بثمن قدره الف قرش وبقيت الطريق  شركة المشترى لها... وقد كتب الوثيقة علوان ابن المفتي الشيخ احمد الاغر وشهد عليها إبراهيم محمد الجبيلي وحسين ابن الحاج علي شهــــــــــــــاب وأحمد عبله الحسامي وعبد الرحمن بيضون والحاج محمد ادريس ومحمد بن حسين كتوعة ومصطفى بن مصطفى الحلبي البهلوان و خليل أحمد العريس.
4- بالوثيقة المؤرخة في 9 ذي الحجة 1262 هـ/1847م حضر الحاج مصطفى بن ناصر حرب الاصيل عن نفسه أصالة والوكيل الشرعي عن والدته فاطمة بنت علي زهرة وهي الاصيلة عن نفسها والمنصوبة وصية شرعية على أولادها محمد وسليم وعبد الستار أولاد ناصر حرب القاصرين عن درجتي البلوغ والرشد  وباع ما هو آيل آيل الى البائعين بطريق الارث الشرعي  الى علي إبن الحاج محمد بلوز وهو اشترى منهم بماله لنفسه دون مال غيره «جميع البيت العلوي الذي يعلو البركة الكائن داخل القبة الشهير ذلك تجاه مدرسة الإمام الأوزاعي» باطن مدينة بيروت ويعلو البيت المرقوم تخت من الخشب  ويتوصل من التخت المرقوم الى محوطة تعلو باب الزقاق ويتبع البيع المذكور بعقده وصفقته الثلث ثمانية قراريط من كامل فسحة الدار والمطبخ والمرتفق والسقيفة التي برأس درج سلم الدار شركة المشتري بالثلث وشركة محمد ابو زرقوط بالثلث تتمة سهام الدار والمرتفق والسقيفة بثمن قدره سبعة آلاف وخمسماية قرش والمسوغ لبيع نصيب القاصرين ضرورة وفاء الثابت شرعا بذمة والدهم وقدره 14700 قرش وقد قاصصوه اي المشتري بالفين وسبعماي قرش بماله من الدين الثابت بذمة مورثهم ..» 
5- بالوثيقة المؤرخة في 23 رمضان 1279  هـ/1863م وقف محمد ابن الشيخ صالح الطرابلسي «الدار الكائنة في آخر سوق باب يعقوب بالقرب من زاوية حضرة الإمام الأوزاعي قدس سّره»...
6- بالوثيقة المؤرخة في 11 ذي القعدة سنة 1266 هـ/1850م حضر الحاج محمد بلــــــــــوز وباع ما له وجار في ملكه ومنتقل اليه بالإرث الشرعي من والده السيد علي بلوز ووالدته عابدة بنت عبد لقادر الى ولده لصلبه محمد وهو اشترى منه بماله لنفسه دون غيره والمبيع هو «جميع الأرضية المسقوفة بالجسور والأخشاب وجميع التخت الذي يعلوها الواقعين في الدار الشهيرة بدار بيت بلوز لجهة شماله الكائنة تلك الدار في القبة تجاه زاوية سيدنا ومولانا السيد الأكبر والهام الأفخم الإمام عبد الرحمن الأوزاعي قدَّس الله روحه ونوّر  ضريحه باطن لمدينة يحدّ الدار المذكورة قبلة قبة الشيخ محمد عراق وشمالاً بيت الشيخ إبراهيم الحشاش وشرقاً جنينة بني الحشاش وغرباً الطريق السالك ويصعد الى الدار المذكورة بسلم حجر من داخل القبة المرقومة ويتبع المبيع المرقوم بعقده وصفقته جميع الحصة الشائعة وقدرها الثلث ثمانية قراريط من كامل مطبخ الدار ومرتفقها ومنافعها الشرعية وفسحتها شركة عمر زرقوط بستة عشر قيراطا تتمة السهام والثمن عن ذلك خمسة آلاف قرش مقبوضة...» 
مما يشير الى وجود قبة ثانية عدا قبة محمد بن عراق مواجهة لبيت الإمام الأوزاعي 
فأية قبة بقبة العشرة؟ 

 *محامٍ ومؤرخ