بيروت - لبنان

اخر الأخبار

2 كانون الأول 2017 12:05ص قرار السلطان محمد رشاد سنة 1910 اعتبار ذكرى المولد النبوي الشريف من الأعياد الرسمية

حجم الخط
أرسل رضا بك رئيس مجلس المبعوثان العثماني  سنة 1910 برقية الى الشيخ عبد الحميد فاخوري ورفاقه من علماء بيروت جاء فيها «أخذنا تلغرافكم بيد الامتنان المتضمن استكمال الوسائل لجعل يوم ولادة فخر الكائنات عليه أفضل الصلوات من الأعياد الرسمية... فقررت الحكومة ذلك ...».
نقل عن الشاعر الإنكليزي  كبلنغ قوله بعد إنتهاء الحروب الصليبية: الشرق شرق  والغرب غرب ولن يلتقي التوأمان. ورغم ما قيل فقد أدت الحروب الى اكتشاف الغرب الأوروبي للشرق المسلم. فقد وفد الى الشرق الآف الأوروبيين محاربين وتجاراً وباحثين فاستقروا في مدن الشام وأصبح لكل جالية فندقاً ينزلون فيه وقنصلاً يلجأون اليه ومكاناً يؤدون فيه  صلاتهم. وتعرف الغربي والشرقي على بعضهما البعض، وكانا في فترات الهدنة والصلح يتزاوران ويتبادلان الهدايا ويطلع كل منهما على عادات الآخر وتقاليده في الأعياد والمواسم والأفراح والأتراح، فيتسلل الى عادات كل منهم بعض مما عند الآخر ، فيؤثر فيه ويتأثر به.
ترافقت الحروب الصليبية مع انتشار التصوف والطرق الصوفية.والتصوف علم بأصول يعرف بها صلاح القلب والجوارح بتجريد القلب عما سوى الله والوقوف مع الأدآب الشرعية ظاهراً وباطناً واتباع الشريعة بفعل المأمورات واجتناب المنهيات، والطريقة تتبع واتباع أقوال النبي وأفعاله. ولم ير عمر فروخ بأساً أبداً في أن يكون الزهاد المسلمون قد تأثروا بالرهبان النصارى بعض التأثر فالقرآن يمدح النصارى (... ولتجدن أقربهم مودة  للذين آمنوا النصارى ذلك ان فيهم قسيسين ورهبانا وانهم لا يستكبرون) 5/82 وقد ظهر هذا التاثير في عدة أشكال منها التشابه في بعض المظاهر وفي استعمال تركيبات لغوية فضلاً عن الإختلاط بين المسلمين والنصارى العرب في الحيرة والكوفة ودمشق ونجران وفي مضارب القبائل العربية كتغلب وقضاعة والغساسنة والمناذرة.
كان من نتائج الحروب التي تعرضت لها بلاد الشام وما أصاب السكان من قتل وتهجير ووجد الكثيرون في اللجوء للزهد والعبادة ملاذاً لما هم فيه ، فكثرت الزوايا حيث كان  يقام الذكر وتتلى الأوراد وتنشد المدائح فيما اتخذ آخرون من التصوف طريقة للتصدي للإفرنج وتأسيس الربط والحصون وحث الناس على الجهاد.
ووجد الحكام في الحركة الصوفية باباً لتدعيم حكمهم فبنوا المدارس والزوايا ووقفوا عليها الأوقاف العامرة وشجعوا شيوخ الطرق فراج نوع جديد من الأدب تمثل في الموشحات والمدائح النبوية والإبتهالات وشاع ما عرف بالتنزيلات الصوفية إذ عمد الصوفية إلى نظم قصائد على قدّ الألحان الشعبية الشائعة مما يسهل على المريدين حفظها ، فساعدت الموسيقى على إنتشار الشعر الديني نتيجة اباحة الصوفية للسماع وممارستهم له من خلال الغناء والذكر.
ليس من المستبعد ان يكون  إطلاع المسلمين اثناء الحروب الصليبية على عادات الفرنج في أعيادهم سيما عيد الميلاد، دافعاً جعل شيوخ الطرق الصوفية يدعون المريدين لإحياء حفلات ذكر تمجيداً ومديحاً للرسول ما ادى الى انتشار ثقافة الموالد والمدائح التي وصلت الى اوجها مع عمر بن الفارض ومع البوصيري في  الهمزية والبردة.
تاريخ الاحتفال
ويرجع تاريخ الإحتفال بالمولد النبوي الشريف الى مستهل القرن الخامس للهجرة ايام السلطان محمود الغزنوي. ويستفاد من حوادث سنة 566 هـ /1170م ان نور الدين محمود (زنكي) شجع الإحتفال السنوي بالمولد فقد جاء في حوادث تلك السنة انه كان بالموصل صالح يعرف بالملا عمر (سمي كذلك لأنه كان يملأ الجص وينقله باجرة يتقوت بها) لا يملك شيئاً في حطام الدنيا ،وكان ذا معرفة بأحكام القرآن والأحاديث النبوية وكان العلماء والملوك والأمراء يزورونه في زاويته ويتبركون بهمته ويتيمنون ببركته وله كل سنة دعوى يحتفل بها في ايام مولد رسول الله يحضر فيها صاحب الموصل ويحضر الشعراء وينشدون مدح رسول الله في ذلك المحفل.
اتخذ الإحتفال بالمولد مظاهر مختلفة في البلاد الإسلامية. فقد اعتاد سلاطين المماليك على الإحتفال به في خيمة تضرب في حوش قلعة القاهرة بحضور الفقهاء والقضاة الأربعة والشعراء. وعندما وصل السلطان سليم الى القاهرة مرت ذكرى المولد ولم يشعر به أحد وأشيع بان السلطان العثماني رأى الخيمة في القلعة فباعها الى المغاربة بأربعماية دينار فقطعوها قطعاً وباعوها للناس ستائر. وبعد ثلاث سنوات من احتلال العثمانيين للشام أقام نائب دمشق جان بردى الغزالي ذكرى المولد فقرأ بركات بن الكيال الواعظ مولداً ثم انشد المنشدون بحضور الأمير العثماني الحاكم على البلاد البقاعية. وقيل ان عادة القيام عند ذكر وضع السيدة آمنة للنبي ظهرت  في القرن الثامن الهجري في المسجد الأموي أثناء قراءة قصة المولد فلما وصل المنشد الى البيت:
        وان تنهض الأشراف عند سماعه
        قياماً صفوفاً أو جثياً على الركب
قام الإمام السبكي وقام من معه فأصبحت عادة. ثم تغير موعد القيام فإذا وصل القارىء الى الموضع الذي يذكر فيه المخاض وقال «ولد الرسول» وقف الحاضرون وانشدوا:
صلوا عليه وسلموا تسليماً
    حتى تنالوا جنة ونعيماً
فالله يجزي من يصلي مرة
    عشر ويسكن في الجنان مقيما
لم يثبت لدينا ان البيارتة احتفلوا بعيد المولد النبوي قبل سنة 1860م اي قبل فتنة الجبل الطائفية والنزوح  المسيحي من الجبل الى بيروت. ولم  تتضمن دواوين شعراء بيروت  اشارات بهذا المعنى وان وردت فيها قصائد يغلب عليها طابع ما كان يذكر في الزوايا الصوفية من اوراد وابتهالات وقصائد توسلية. كقصيدة الشيخ احمد البربير  في أسماء القرآن كله. و قصيدة « العقد « للشيخ عبد اللطيف فتح الله توسل فيها بسور القرآن وبالمعروف أسماؤهم من الأنبياء والمرسلين وبالآل والصحب والأولياء والعارفين.  
ونظم الشيخ احمد الأغر سنة 1819م موشحاً على طريقة الأندلسيين بمدح سيد الكائنات.  
تقاليد وعادات الاحتفال
وما نعرفه من تقاليد الإحتفال بالمولد النبوي في بيروت  يعود لما بعد سنة 1875م ففي ذكرى المولد التي صاقبت سنة 1878م نورت منارات الجوامع واطلقت المدافع من القشلة وتليت خطبة المولد في جامع النبي يحيي (العمري). وتكررالاحتفال سنة 1881م والسنوات  1882 و1890و 1891م 1892  و1893م  و1898م . ولم تقتصر قراءة سيرة المولد النبوي على ليلة المولد بل صارت تتلى تبركاً في مناسبات اجتماعية كالاحتفال بإعطاء امتياز السكة الحديدية الى حسن بيهم (1891 م) وترميم جامع الدباغة (1891 م) وعقد قران مصباح حلواني على كريمة سعد الدين غندور (1902م) وزفاف عبد القادر الخرسا (1905م) وزفاف محمد علي حسن الحلبوني (1904م) و بمناسبة حلول العام الهجري وافتتاح جامع الرمل ومسجد البرج وختم تلاميذ  مدرسة التوفيق للقرآن وغيرها.
اما كيفية الاحتفال العائلي فقد رواها الشيخ عبد الجواد القاياتي سنة 1882م بأن تنشر الدعوة للوجوه والأقارب لحضور كتب الكتاب وسماع قراءة المولد في محل يفرشونه بالفرش الجميلة وينصبون للقارىء كرسياً مسجى بالحرير والكشمير ويبدأون بعشر من القرآن وبين كل فاصلة من القراءة ينشدون الأشعار النبوية والموشحات والأدوار على الطريقة القديمة التي كانت في مصر ثم يقدمون قراطيس اللوز الملبس بالسكر ويدورون بالشربات.
وبناء لقرار السلطنة جعلت ساحة مكتب الصنائع مركزاً للإحتفالات وحددت المراسم كما يلي (1)  حض الأهالي على الزينة وتلاوة السيرة 2) اطلاق المدافع بالأوقات الخمسة3) تزيين المساجد والمآذن 4) تلاوة السيرة في المساجد 5) عزف الموسيقى في الإحتفال5) الإستعانة بفصيلة جند6) معايدة رسمية في دار الحكومة7) تعطيل المنتديات والملاهي8) منع اطلاق العيارات النارية 9) منع النساء عن الخروج لمحل الحفلة ومعاقبة المخالفة منهن. وعلى أن يثبت يوم المولد بحكم من القاضي الشرعي.
وأقيم في السنة التالية (1911م) احتفال مماثل بعيد المولد شارك فيه المسيحيون وفي عيد لاحق  نظم  الشاعر القروي رشيد سليم الخوري:
عيد البرية عيد المولد النبوي    
        في المشرقين له والمغربين دوي
فإن  سألتم رسول الله تكرمة
        فبلغوه سلام الشـــــــاعر القروي
وفي سنة 1922م وبمناسبة عيد المولد، اقيمت في منتدى الجامعة الأميركية حفلة قدم فيها الطلبة المسيحيون لإخوانهم المسلمين علماً رسم عليه الهلال والصليب ونشرت الصحف رسماً لشابين مسيحي ومسلم يتصافحان بين الصليب والقرآن. وأسس مداح الرسول الشيخ عبد الغني الكوش «جمعية الإنشاد النبوي» مع راضي شاكر وقاسم يموت والحاج عبد الرؤوف الكبي وعبد الله علم الدين وحسين يموت وناجي عباس.
واستمر الإحتفال بالمولد رسمياً بعد إنتداب فرنسا على لبنان وكان يتم في الجامع العمري. وكان المفوض السامي يحضر الى قاعة الإستقبال الملحقة بالجامع لتهنئة المفتي والعلماء والوجهاء.وقد أدركت شخصياً لافتة كانت معلقة عند باب الغربي الجامع العمري الكبير عليها بيتان هما:
المسلمون ثلاثــــــة  أعيادهم    
        الفطر والأضحى وعيد المولد
فإذا انقضت أفراحها مسرورهم
        لا ينقضـــــي أبداً بحب محمد
ودأبت جمعية المقاصد الخيرية الإسلامية في بيروت على إحياء ذكرى المولد بتلاوة القرآن الكريم والسيرة النبوية وإنشاد القصائد وتميزت حفلة المولد سنة 1941م بإنشاد «سباعية الرسول»  من نظم احمد دمشقية وتلحين فليفل اخوان. فيما شهدت في احتفال سنة 1954م كارثة نتيجة تسلل النفط ما ادى الى إصابة بعض الشباب بحريق .

*محامٍ ومؤرخ