«استكمالا لما كتبته الأسبوع الماضي حول انتشار سرطان الفقر في المجتمع، وردا على بعض من راسلني معتبرا أن الأمر مبالغ فيه وأن الفقراء لهم أجر كبير يوم القيامة أكتب اليوم وأقول:..»
منذ فترة وأنا أستمع من حولي إلى عبارات وأقوال غلفت بشعارات دينية وانتشرت في المجتمع حتى تحولت عند الكثيرين إلى ما يشبه المفاهيم الدينية الثابتة فسيطرت على نفوسهم وعلى عقولهم وعلى تصرفاتهم ونهج حياتهم.. ومن هذه الأمور المفهوم السلبي لمعنى الفقر..!!
فبكل أسف.. وجدنا عددا كبيرا من المسلمين قد خلط مفهوم الفقر بمفهوم التكاسل، فجلس بلا عمل وبلا هدف وبلا سعي وبلا أخذ بالأسباب وبلا أي إعداد وبلا أي من الأمور التي طالبنا بها هذا الدين العظيم... ثم راح يردد بلسان كذب «الحمدلله هذا قدرنا»..؟!
ثم جاءت المصيبة التي ثبتت جهل هؤلاء وراحت تنشر بين صفوفهم أن الفقر محمود في الدين... وأن الفقراء جميعا مصيرهم الجنة... حتى حببوا الناس بالفقر وحولوهم إلى قنابل موقوتة من الجهل والأمية والفقر والعجز لا أحد يدري متى تنفجر وكيف..؟!
أما الطامة الكبرى فهي تلك الموروثات الفاسدة التي صورت الفقر لهؤلاء - وربما بصورة مقصودة..؟!- وكأنه نعمة من رب العالمين.. حتى رأينا البعض يردد «الحمدلله أن جعلنا من الفقراء»..؟! متناسين أن سيد الخلق صلى الله عليه وسلم قد قال في دعائه الذي رواه أبو داود في سننه عن أبي هريرة: «اللهم إني أعوذ بك من الفقر والقلة والذلة وأعوذ بك من أن أظْلِمَ أو أظْلَمَ»..
وها نحن اليوم... نعيش في زمن نسمع فيه بعض المسلمين يشكرون الله أنهم في حال استعاذ منه سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم...!؟
رسولنا الكريم يقول: «اليدُ العُليا خَيْرٌ مِنَ اليَدِ السُّفْلى» وبيننا من يقول اللهم اجعلنا من الفقراء...؟!
إن الفقر أيها السادة ليس مذموما في الإسلام لذاته فحسب، وإنما لمآلاته السلبية والخطيرة التي تهدد بالقضاء على شخصية وفعالية واستقلالية وتقدم المجتمع المسلم كله..
فالفقير لا قرارات مستقلة في حياته...ولا تأثيرات إيجابية له في مجتمعه...ولا قدرة له على تغيير المنكر...؟!
فالفقر في ديننا مذموم ومرفوض ومرذول لأنه يحول الناس إلى مجموعات بشرية لا تحسن التفكير ولا التخطيط ولا العمل ولا التربية ولا التعليم ولا حسن التفاعل مع آيات الكون من حولها... وبالتالي هو يقضي على حاضر ومستقبل الأمة بأسرها..؟!
نعم... إن انتشار الفقر في المجتمع.. يعني انتشار الذل والمهانة والانكسار والضياع..
ويعني فقدان التوازن النفسي والاجتماعي والفكري...
ويعني تفكك الأسر وشيوع الطلاق وفساد الأبناء...
ويعني انعدام القدرة الانتاجية واندثار القوة الإبداعية وسيطرة الثقافة الاستهلاكية على النفوس..
كما يعني أيضا .. الإصرار على سوء استغلال العاطفة الدينية عند الكثير والكثير من الناس في سبيل تمتع القلة القليلة منهم...؟!
إن نشر ثقافة الفقر بهذا الأسلوب المتعارض كليا مع ديننا الحنيف يعني وبكل اختصار قتل الأمة وقدرات أبنائها مع سابق الإصرار والترصد... والمؤسف أن القاتل في تلك الحالة لا يحاكم... بل يشكر ويكرم ويصبح له أتباع يقبلون له الأيادي..؟!