بيروت - لبنان

اخر الأخبار

21 كانون الأول 2020 12:01ص كرّمه الخالق... وأذلّه المسؤولون المواطن اللبناني.. ضحية شاركت في قتل نفسها بشعارات دينية..؟!

حجم الخط
معلوم أن الحق تبارك وتعالى قد كرّم الإنسان وفضّله على سائر المخلوقات، فقال عزّ وجلّ: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً}، ولكن المؤسف أن هذا الإنسان المكرّم بنص القرآن يرضى لنفسه الذلّ والهوان، بينما من يرتكب هذه الجرائم بحقه يعيش مستمتعا بكل الملذات والحقوق..؟!

ففي بلادنا... المواطن اللبناني مذلول... مُهان... مهمّش.. معتدى عليه.. ممنوع من إرتكاب (جريمة الإنسانية)، بل عليه أن يجوع ويفتقر ويشعر بالإهانة دون أن يعترض وإن اعترض فالتهمة جاهزة وتؤدّي المطلوب منها تماما..؟!

إذلال بشعارات دينية؟!

ولعل الكارثة الأكبر في مجتمعنا اللبناني أن هذه الجرائم «الإذلالية» ترتكب أحيانا بإسم الدين وتحت شعارات إسلامية، خاصة من قبل هؤلاء الذين يزرعون في نفوس الناس قناعة الذل وينفرونهم عن «عز» المواجهة والرفض..؟!

فترى أحدهم يطيل اللحية.. ويرتدي جبّة من أفخم «أنواع القماش» ثم يجمع الناس ويزرع فيهم ما يريد من أفكار:

«من صفات المؤمن الصبر على جور الحكام»..!

«لا يجوز الخروج على الحاكم وإن كان شديد الظلم»..!

«المؤمن لا يبالي بما يحدث في الدنيا بل يطلب الآخرة»..!

«طلّقوا الدنيا فهي ليست لنا»..!

ومن عجائب هؤلاء المتحدثين أنهم أنفسهم أقرب الناس للحاكم وأشدّهم اقتناصا لعطاياه واستمتاعا بملذات الدنيا التي - ويا للعجب - يأمرون الناس بتركها..؟!

هؤلاء المدّعون المفترون ليسوا سوى طفيليات سامّة نَمتْ في محيطنا وإن ارتدوا عمامة أو أطلقوا لحية..؟!

فهم لا همّ لهم ولا عمل ولا هدف... سوى تثبيط الهمّة واغتيال إنسانية الإنسان وقتل الكرامة البشرية في بلادنا، ولذا هم دخلاء على المجتمع البشري الذي أراده المولى تعالى مكرّما وعزيزا.

إننا - أيها السادة - في لبنان نعيش في كارثة إنسانية كبيرة، من أبرز أسبابها أن هناك من سعى - وللأسف نجح بتفوّق - في «أبلسة ثقافة التغيير» وتحويل كل من ينادي به إلى شياطين، وفي الوقت عينه استطاع أنسنة «التبعية والتعتير» وتصويرها للناس وكأنها فضيلة إسلامية كريمة..؟!

التغيير الذي جعله المولى تبارك وتعالى سنّة الكون وقيّد به تقدّم الأمة نحو الأفضل، أصبح في أيامنا وفي بلادنا وبين قومنا... شيطنة مرفوضة ومحاربة..؟!

فكل منادٍ له... شيطان رجيم..؟!

وكل مطالب به... فاسد عميل..؟!

وكل من يحثُّ الناس عليه... متآمر خائن..؟!

حتى أدمن الناس الفساد وتعايشوا معه وارتضوا به، ومع مرور الزمن واستقرار «الأبلسة» في فكرنا وحياتنا بات كل تغيير مرجوماً حكما بحجارة التخلّف والجمود والركود والنكران..؟!

التغيير الذي أمرنا به الحق جلّ وعلا في كتابه الكريم فقال {إِنَّ اللَّـهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ} أصبح ذنبا يحاكم المرء في مجتمعنا على فحش ارتكابه..؟!

أما هذا الذي يرضى بالذل، ويداهن سلاطين العصر والأوان، ويتقن الكذب فينافق بالفعل واللسان، ثم ينشر بين الناس فلسفة «التعتير» حتى تصبح شبه «مقدّسة»، فهو المسلم الصالح الذي يضرب المثل به..؟!

ولذا رأينا من «يأسلم» الفقر، حتى تمتلئ جيوب أوليائه..؟!

ومن يجعل الخنوع «سنّة»، حتى تتحقق مصالح رؤسائه..؟!

بل ينادي زورا «بالزهد» وترك نِعَم الدنيا، فإذا به وبأزلامه يغرقون بـ «تلك النعم» من فوقهم ومن تحتهم وعن يمينهم وعن شمالهم..؟!

ألم أقل لكم... نحن في زمن الانقلاب الشامل.

أين نحن من حقيقة الدين؟

وازداد السوء سوءا حين أعلن عدد كبير من الدعاة والخطباء استقالتهم العلنية، حتى أصبحوا بلا دور وبلا هدف وبلا أثر؟!.. لا أقصد بالاستقالة التوقف عن القيام بالأمور الروتينية، ولكن أعني «استقالة» التأثير البنّاء عن كل أمر من أمور المجتمع وترك أفراده كريشةٍ تميل بها الرياح كيفما شاءت كلما هبّت هنا أو هناك..؟!

استقلنا من العمل الذي يـُـنتج إيجابية واضحة وفكر نيّر صحيح..

واستقلنا من التغيير نحو الأفضل والأحسن والأقوم..

واستقلنا من أن نكون أصحاب أثر وبصمة إنسانية..

واستقلنا من الواجب التوعوي لمجتمع يغوص في بحور من الظلام..

وأيضا.. استقلنا من منصب القيادة الحضارية للمجتمع، فصارت دعوتنا بأن نكون تابعين متأثرين... لا قادة مؤثرين...؟!

نعم.. كثير من الدعاة والخطباء في بلادنا أعلنوا استقالتهم من كل الميادين، حتى ما عاد ميدان يستقلبنا، فأصبحنا كالغرباء - ويا للعجب - في بيوتنا وشوارعنا ومناطقنا وبلادنا نتسوّل أبسط حقوقنا بعد أن تنازلنا عنها طوعا... وأول غربة نعاني منها هي غربتنا عن حقيقة هذا الدين العظيم؟!

أما كارثة الكوارث... فهي أننا مع هذه الاستقالة المقصودة قلبا وقالبا.. استقلنا أيضاً من تحقيق مقاصد ديننا، فخارت قوانا.. وتذبذبت مكامن التميّز عندنا.. وتلصصت مواطن الضعف إلينا حتى استوطنت فينا.. فصرنا «غثاء كغثاء السيل»..

فنحن اليوم في لبنان.. نسيء إلى الدين ولا نحسن.. نشوّه الصورة ولا نجمّل... نبعد الناس ولا نقرّب.. ننفر ولا نرغّب.. نخوّف الشعب من بعضه البعض بدلا من أن نحثّه على التعاون والتضامن.. فأدمنا الشكوى والكلام وخاصمنا كل مظاهر وأسباب العمل الصحيح.

وباتت كل أعمالنا كما يلي: نتكلم في اليوم 8 ساعات، ونشكو 8 ساعات، وننام 8 ساعات، ثم نستيقظ في اليوم التالي لنعود إلى تراثنا (الثرثري) ونبكي على أطلاله حى يمرّ العمر كلاما في كلام..؟!

أيها الشعب اللبناني المذلول.. أنت القاتل وأنت المقتول... وأنت الضحية وأنت الجاني، فإما أن تستمر في طريق «الضنك الذاتي»، وإما أن تعود إلى كرامتك لتشعر بإنسانيتك فتختار أي واقع تريده لنفسك ولمجتمعك ولبلدك، وصدق الله العظيم: {إنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ}.