بيروت - لبنان

اخر الأخبار

22 آذار 2023 12:07ص كيف نستقبل شهر رمضان المبارك؟

حجم الخط
قال الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * أَيَّاماً مَعْدُودَاتٍ...} [البقرة: 183 - 184] {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة: 185].
غداً يطلّ علينا شهر رمضان حاملاً إلينا بركاته وخيراته وعطاءاته، هذا الشهر الذي أشار رسول الله (صلى الله عليه وسلم) إلى مدى عظمته وكرامته عند الله سبحانه، عندما قال: «أيّها الناس: إنّه قد أقبل إليكم شهر الله بالبركة والرحمة والمغفرة، هو عند الله أفضل الشّهور، وأيّامه أفضل الأيَّام، ولياليه أفضل اللّيالي، وساعاته أفضل السّاعات، هو شهر دعيتم فيه إلى ضيافة الله، وجعلتم فيه من أهل كرامة الله، أنفاسكم فيه تسبيح، ونومكم فيه عبادة، وعملكم فيه مقبول، ودعاؤكم فيه مستجاب».. ثم قال (صلى الله عليه وسلم): «فيه تفتح أبواب الجنان، وتغلق أبواب الجحيم، وتغلّ فيه الشَّياطين، فيه ليلةٌ خير من ألف شهر، من حُرِمَ خيرَها فقد حُرِم».
إنّ وعينا لكلّ هذه القيم يجعلنا ندخل إلى هذا الشّهر دخول الشاكرين للّه عزّ وجلّ على أنه هيّأ لنا فرصة هذا الشهر، وما أودع فيه من خيرات وبركات، ودخول الفرحين المستبشرين بقدومه، المتشوّقين إليه، والمستعدين للقيام بكلّ ما حملوا فيه من مسؤوليات للخروج من هذا الشهر بزادٍ وفير.
ومسؤوليّات هذا الشَّهر، أيّها الأحبّة، وإن كان الأبرز فيها هو الصيام، إلّا أن الصيام فيه لا يقف، كما يعتقد البعض، على الامتناع عن الطعام والشراب وبقية المفطرات الواردة في الشريعة الإسلامية، ويرون بعد ذلك أنهم بذلك أدّوا قسطهم للعلى، وقاموا بواجبهم تجاهه، وصاروا عندها مؤهلين لأن يحصلوا على كلّ ما وعُد به الصائمون في هذا الشَّهر، فالله سبحانه لن يكتفي من عباده بذلك.
وهذا ما عبَّر عنه عدد من الأحاديث الشريفة، فعن رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، يقول الله عزّ وجلّ: «من لم تَصُم جوارحُه عن محارمي، فلا حاجةَ لي في أنْ يدعَ طعامَه وشرابَه من أجلي».
ولذلك، نرى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) عندما سمع في شهر رمضان امرأةً تسبُّ جاريةً لها وهي صائمة، دعا إليها (صلى الله عليه وسلم) بطعام، وقال لها: «كلي»، فقالت يا رسول الله: كيف تدعوني إلى الطعام وأنا صائمة؟! فقال لها: «كيف تكونين صائمة وقد سببت جاريتك؟ إنَّ الصَّوم ليس من الطّعام والشّراب فقط، وإنما جعل الله ذلك حجاباً عن سواهما من الفواحش من الفعل والقول»... وحتى لا نكون ممن قيل عنهم: «ما أقلَّ الصوّام وأكثر الجوّاع!».
شهر تزكية الأخلاق
فهذا الشهر، بمنطق رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، هو شهر، إلى جانب الصيام، لتحسين الخلق، وتشديد الرقابة على ما يصل إلى السمع والبصر، وما ينطق به اللّسان، وللتصدق على الفقراء والتحنّن على الأيتام وبذل الخير للنَّاس، وهو شهر لتمتين العلاقة بالله وتحمّل المسؤوليَّة تجاهه بالدعاء وأداء النوافل وقراءة القرآن، ولتذكّر الموقف المهيب في يوم القيامة، حين تأتي كل نفس لتجادل عن نفسها.
وقد بيَّن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ما قد يؤدي إليه قيامنا بالمسؤوليات المطلوبة في هذا الشهر في احدى خطبه عندما قال: «أيّها الناس، من فطّر منكم صائماً مؤمناً في هذا الشَّهر، كان له بذلك عند الله عزّ وجلّ عتق رقبة ومغفرة لما مضى من ذنوبه… أيّها النَّاس، من حسَّن منكم في هذا الشَّهر خلقه، كان له جواز على الصّراط يوم تزلّ فيه الأقدام، ومن خفَّف في هذا الشَّهر عمّا ملكت يمينه، خفّف الله عليه حسابه، ومن كفّ فيه شرّه، كفّ الله عنه غضبه يوم يلقاه، ومن أكرم فيه يتيماً، أكرمه الله يوم يلقاه، ومن وصل فيه رحمه، وصله الله برحمته يوم يلقاه، ومن قطع فيه رحمه، قطع الله عنه رحمته يوم يلقاه، ومن تطوَّع فيه بصلاة، كتب الله له براءة من النَّار، ومن أدّى فيه فرضاً، كان له ثواب من أدّى سبعين فريضة فيما سواه من الشّهور، ومن أكثر فيه من الصّلاة عليّ، ثقَّل الله ميزانه يوم تخفّ الموازين، ومن تلا فيه آيةً من القرآن، كان له مثل أجر من ختم القرآن في غيره من الشّهور».
خطة إيمانية
ومن هنا، أيُّها الأحبة؛ فإنَّنا مدعوّون، وقبل أن ندخل إلى هذا الشهر، إلى أن يُعدَّ كل منا برنامجاً خاصاً به أو مع عائلته، يعيش فيه كل المضامين الروحيَّة والإيمانيّة والثّقافيّة والعلميّة التي وردت في هذا الشَّهر على صعيد الدعاء أو قراءة القرآن أو الصلوات المستحبة، وكلٌّ بحسب قدرته، والتواصل مع الأرحام والجيران والنّاس من حولنا، وأن يكون لنا برنامج لإعانة الفقراء والمساكين والأيتام وكلّ من يحتاج إلى رعايتنا، وما أكثر من يحتاج إلى الرعاية في هذه الأيام!
ونحن بذلك لن ندع أحداً يأخذنا إلى برامج قد أعدَّت لنا تحت عنوان إراحة الصَّائمين والرّغبة في ترفيههم، بحيث تجدنا ننتقل من مسلسل تلفزيوني إلى مسلسل، أو من برنامج ترفيهي إلى آخر أو برامج نبتدعها، هذا إذا لم يشتمل ذلك على ما يضعف مناعتنا الروحيّة والإيمانيّة أو يوقعنا في محذور الحرام.
وهذا لا يعني أنّنا نمانع في أن يكون للصّائم فرصة للرّاحة، بل هذا ما دعينا إليه، فقد ورد في الحديث: «للمؤمن ثلاثُ ساعات: ساعةٌ يُناجي فيها ربَّه، وساعة يَرُمّ فيها معاشه، وساعة يخلِّي بين نفسه وبين لذّاتها في غير محرَّم، فإنّها عون على تينك الساعتين»، ولكن ما نريده، هو أن لا تكون هذه الأجواء على حساب روحيّة الصّيام وأهدافه ومعانيه أو على حسابه.
أيُّها الأحبَّة: أيام هذا الشهر ولياليه وساعاته ودقائقه وثوانيه، هي ثمينة وغالية، فلا ندعها تضيع، ولا نهدر لياليها ونهارها وأسحارها.
ولنملأها عبادةً وابتهالاً وخيراً لأقربائنا وفقرائنا وللنَّاس من حولنا، وتسامحاً ومحبَّة وألفةً تفيض من القلوب وتبدو على صفحات الوجوه. فطوبى للصَّائمين والقائمين والتَّالين كتابَ الله، والباذلين الخيرَ في ألسنتهم وقلوبهم وكلّ ما يجري على أيديهم!