بيروت - لبنان

اخر الأخبار

4 نيسان 2022 12:01ص لا تُفرغوا رمضان من أهدافه

حجم الخط
ها هو شهر رمضان المبارك قد دخل علينا، وها نحن نستقبله فرحين مقبلين على الطاعة والعبادة بفضل الله تعالى، ولكن كم نتمنّى أن نحقّق فعلا خطوة إلى الأمام في رمضان هذا العام فنصوم بفكرنا وبعقولنا وأسلوب حياتنا، وليس فقط.. بـ«أمعائنا»..!!

فنحن منذ سنوات وسنوات - ولنتحدث بصراحة - تعوّدنا على أن يكون الصيام في حياتنا إغلاقا لمداخل الطعام والشراب من الفجر حتى المغرب ثم.. فتح نفس المداخل على مصراعيها من المغرب حتى الفجر...؟!

ولا شك أن هذا الأمر يوضح لنا أن كثيرا من المسلمين - وبسبب عوج فكري استقرّ في الأذهان - قد تحوّلوا إلى احتفاليين بدلا من أن يكونوا بأخلاقهم وعباداتهم مسلمين.

ففي شهر رمضان المبارك من كل عام - وطبعا كما يحصل في ذكرى المولد النبوي وفي ذكرى الهجرة وفي عيد الفطر وغيره من المناسبات - يتحوّل المسلمون إلى موسميين..؟! لا يتذكّرون قِيَمهم ولا أخلاقهم ولا رسولهم صلى الله عليه وسلم  ولا سنّته ولا هديه ولا أقواله ولا أفعاله ولا تعاليمه إلا في المناسبات، ولذا رأينا المجتمع بأسره يغيب لشهور ثم يعود فقط ليحتفل.

أحسنوا الفهم والتطبيق

نعم.. لقد آن الأوان لنعيد قراءة وفهم شهر رمضان كخطوة أساسية في طريق وصولنا إلى مرحلة التقوى، ونحن نقصد بصيام العقول صيام ما ينتج عنها من أقوال وأفعال وتصرفات ومعاملات وفساد وتكاسل وإهمال في المجتمع، وبالتالي صيام العقل... يعني صيام اللسان واليد والعين والأذن... وطبعا صيام عن الظلم وعن التسلّط وعن الرشوة وعن تعطيل مصالح الناس وعن... وعن...

فنحن في كل رمضان يمرُّ علينا... نسير في الشوارع فنرى من حولنا «صائمي المعدات» لا يتكلمون ولا يهتمون ولا يبالون إلا بموضوع واحد وهو الطعام والشراب على الإفطار.. نختلط بهم ونتبادل أطراف الحديث فنجد آمالهم معلّقة بكوب من الجلاب أو طبق من الفاكهة، بينما عقولهم تصرخ جائعة منذ عشرات السنوات... فلم يلبّوا نداءها..!!

نتفهّم تماما وحش الغلاء المسيطر على المجتمع..

ونتفهّم تماما جشع التجار الذي لم يرحم أحدا..

وأيضا نتفهّم تماما أوجاع الناس وآلامهم وخوفهم وسعيهم المرهق لتأمين قوت يومهم..

ولكن شهر رمضان المبارك ليس شهرا يمرُّ علينا فنمتنع عن الطعام في نهاره ثم نركع عدد من الركعات في ليله وانتهى الأمر..؟!

وليس أيضا شهرا لتعليق اليافطات وجمع التبرعات من جمعيات لا نعرف متى تظهر ومتى تختفي...؟!

ولكن الأهم والأكبر أن شهر رمضان هو الشهر الذي يراجع فيه المسلم كل أمور وشؤون حياته فيرى مدى توافقها مع كتاب الله وسنّة رسوله الكريم ثم يبدأ بالإصلاح والتغيير والتجديد والترميم طوال العام.. حتى يأتي رمضان التالي فيعود إلى عملية التقييم السنوي..

ورمضان بهذا المعنى الحضاري والراقي هو الذي جعل من المسلمين قديما في مقدمة الأمم والشعوب...

شهر الإصلاح الشامل

هذا الفهم الراقي هو الذي حرّك عقول وجوارح وإبداعات أسلافنا ليعملوا ويجتهدوا ويقدّموا للأمّة ما ينفعها وينفع الناس جميعا..

فرمضان في ديننا شهر للإبداع...

شهر لغرس أسس التقدّم والتطوّر..

شهر لبناء الخطط المستقبلية وفق قواعدها الصحيحة..

شهر لإنطلاق الأمّة نحو حياة جديدة ليس فيها إلّا العمل والاجتهاد والتفاؤل والتعاون والمساندة والتكاتف والعلم والثقة بالله تعالى..

شهر لنبذ الفاسدين ودعم المصلحين..

وبألف طبعا هو شهر لتصحيح العلاقة مع كتاب الله وسنّة رسوله صلى الله عليه وسلم ..

هذا هو شهر رمضان الذي نعرفه...

أيها السادة لقد غفلنا لسنوات وسنوات عن أن الله تعالى - الذي أرسل رسوله بالحق والهدى - يقول: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً}.. نعم يسلّمون تسليما كليّا ومستمرا ويؤمنون قلبا وقالبا، ويلتزمون قولا وعملا بما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم  دون إفراط أو تفريط، والمطلوب في شهر رمضان المبارك أن نجدّد العهد بطاعة الله تعالى وطاعة رسوله الكريم امتثالا لقوله عزّ وجلّ {وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ}، فيكون عهدنا شاملا وكاملا وتاما مع هذا الدين العظيم.

إن استمرار الفهم الأعوج لشهر رمضان - على كل المستويات وفي كل الطبقات - لن يكون إلا كارثة تضاف إلى كوارثنا التي ابتدعناها في حياتنا..

أيها المجتمع.. رمضنوا عقولكم وفكركم ومنهج حياتكم.. فصدّقوني هي «مفطرة» منذ عقود وعقود... وآن الأوان أن تعود إلى رقيّ دينها..؟!