بيروت - لبنان

اخر الأخبار

9 كانون الأول 2022 12:00ص مؤكدين على أهميته في مسيرة تنمية المجتمع: تحقيق التسامح بين الناس ليشمل جميع أمور حياتهم يتطلَّب نظاماً تربوياً

الشيخ غسان اللقيس الشيخ غسان اللقيس
حجم الخط
يعرف التسامح بأنه الاحترام والقبول والتقدير للتنوع الثقافي ولأشكال التعبير والصفات الإنسانية المختلفة، وهذا التعريف للتسامح يعني قبل كل شيء اتخاذ موقف إيجابي فيه إقرار بحق الآخرين في التمتع بحقوقهم وحرياتهم الأساسية المعترف بها، كما أن ممارسة التسامح لا تتعارض مع احترام حقوق الإنسان ولا تعني قبول الظلم الاجتماعي أو تخلّي المرء عن حقوقه ومعتقداته أو التهاون بشأنها.
ولذا طالب الدعاة بتعميم ثقافة التسامح ضمانة لأمن واستقرار المجتمع، مطالبين بترسيخ هذه المعانى لدى الأجيال، ومؤكدين على أهمية تربية الأبناء وفق هذه القاعدة الذهبية، كما طالبوا وسائل الإعلام بعدم إثارة بعض القضايا التى تؤدي للخلاف والتعصب أو تضخيم الأحداث، لأن ذلك يمثل خطورة على الوطن، ويهدّد السلم الاجتماعي.

اللقيس
{ بداية يقول الشيخ غسان اللقيس، إمام مدينة جبيل، إن التسامح من الأخلاق التي حثّ عليها الإسلام فضيلة التسامح والعفو عن الناس، فهي من الأخلاق الحسنة التي غرسها الإسلام في نفوس المسلمين، وقد قال الله سبحانه وتعالى للرسول الكريم {فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ}، وقال سبحانه وتعالى أيضا في وصف المحسنين {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}، ويفهم من هذه الآية أن الذين يكظمون الغيظ والعافين عن الناس، هؤلاء يحبهم الله عزّ وجلّ، أما الذين يعتدون على الآخرين ولا يسامحون الناس، فهؤلاء لا يحبهم الله عزّ وجلّ، وكثير من الناس يظن أن العفو إنما هو ضعف، ولكن الصواب يخالف ذلك، فالإنسان القوى هو الذي يعفو ويصفح، وهو الذي يستطيع أن يتغلب على نفسه، ومن هنا قال النبي الكريم صلى الله عليه وسلم ، في الحديث الشريف: «ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد من يملك نفسه عند الغضب»، وهناك أمر مهم نبّه عليه الرسول صلى الله عليه وسلم  في حديث رواه مسلم حين قال النبي صلى الله عليه وسلم  «ما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا»، فالذي يعفو ويصفح ويسامح الآخرين مبشّر من قبل النبي الكريم صلى الله عليه وسلم  بالعزّة والرفعة، وهذه العزّة والرفعة لا تكون في الآخرة فقط، وإنما تكون في الدنيا والآخرة، فمن أراد أن يعلو شأنه وأن تكون مكانته عند الله تعالى وعند الناس مكانة كريمة، عليه أن يلزم خلق التسامح العفو والصفح، وفي الإسلام أعظم مثال للصفح، عند فتح مكة، عندما جاء هؤلاء الناس الذين فعلوا بالمسلمين الكثير، قال لهم النبي الكريم صلى الله عليه وسلم  «ما تظنون أني فاعل بكم؟، قالوا: خيرا أخ كريم وابن أخ كريم، فقال لهم الرسول: اذهبوا فأنتم الطلقاء»، بل إن النبي الكريم صلى الله عليه وسلم  عفا عن الرجل الذي رفع السيف عليه، وقال للنبي: من يمنعك مني يا محمد، فقال النبي: الله، فسقط السيف، فأخذه الرسول الكريم، وقال له: «ومن يمنعك أنت مني» فقال الرجل: «يا محمد أنت أهل للعفو»، فعفا عنه النبي الكريم وأطلق سراحه.
واختتم بالقول: إنَّ تحقيقَ التَّسامح بين النَّاس وتعميمه ليشملَ جميع معاملاتهم وأمور حياتهم، يتطلَّب نظاما تربوياً يرعاه ويُنظِّمه ويضمنُ ترتيبه واستحقاقه ويكفلُ تنفيذه بلا ضرر ولا غُبن، فالإسلام قد ضمن حقوقَ النَّاسِ وأكَّدَ على تمامها وعدم الانتقاصِ منها مهما كانت مستوياتهم ودرجاتهم بالنَّسبِ والمالِ والشَّرف وغير ذلك، بل إنَّه رعى الأطراف جميعاً، فالإسلام بصفته دين الإنسانيَّةِ والتَّسامح يسعى إلى تحقيق المودة والتَّعاطف والإحسانِ بين النَّاس جميعاً دون حصر لهذه القيم لأفراده أو أتباعه فقط، وبذلكَ نرى أن الإسلام تميّز بقيمة التَّسامح حتَّى جعلها سِمته البارزة، ونظَّم هذه القيمة بما يتوافقُ مع معناها الإنساني فقضى بضمانِ الحقوقِ أوّلاً ثمَّ عمَّم العدلَ ودعا إلى التَّراحم والعفو عند القدرة والعَدلِ بما يملك كلُّ فردٍ من قدرته وسلطته.
أبو شعر
{ أما الشيخ يحيى أبو شعر، المسؤول الإعلامي في صندوق الزكاة، أكد على أن التسامح من أخلاق الإسلام، والنبي الكريم صلى الله عليه وسلم  وقف لجنازة من الجنازات، فلما قالوا له: يا رسول الله، إنها جنازة يهودي، قال: أليست نفسا؟، وهذا دليل على السماحة في الإسلام، كما أنه صلى الله عليه وسلم زار جاره اليهودي، وكان صلى الله عليه وسلم يأمر الصحابة بذلك، وكان لا يواجه الإساءة بالإساءة بل يواجه الإساءة بالإحسان والتسامح، وهذا قول الله تعالى {وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ}، فالتسامح والعفو سبيل لمواجهة كل المحن والأزمات التى يواجهها المجتمع.
وأضاف: الرسول الكريم قال «أمرنى ربي بتسع، الإخلاص في السر والعلانية، العدل في الرضا والغضب، والقصد في الفقر والغنى، وأن أعفو عمن ظلمني، وأعطي من حرمني، وأصل من قطعني، وأن يكون صمتي فكرا، ونظري عبرة، ونطقي ذكرا».
إن هذه المنظومة المتكاملة تقدم التسامح بكل جوانبه، فتقدم التسامح الأسري والتسامح المجتمعي الذي يجعلنا في ترابط ومودة، وهكذا ينبع التسامح من الإيمان، كما قال الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم : «مثل المؤمنين في توادهم وتعاطفهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى»، فما أجمل التسامح حينما تصفو النفوس وتصلح النوايا وتبتعد عن مستصغر الشرر، الذي يوقد نيران الحقد والحسد والغيظ، ولمواجهة هذه الفتنة فلا بد من الصفح والعفو، فالله عزّ وجلّ يقول {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ}، فالأخذ بالعفو أقوى سلاح لمواجهة الفتنة والعصبية.
وتابع: وهذه اللحمة التي نريد أن نراها بين نسيج المجتمع ليست بأمر جديد وإنما هي صفة من صفات المجتمع المسلم تمتد بجذورها عبر التاريخ بوجود قواسم مشتركة بين أفراده من حسن الجوار والمشاركة والصحبة والألفة وتحمّل الشدائد ومما يزيد ذلك ترسيخا أنه لا يمكن أن يكون المرء مؤمنا بالله إلا إذا آمن بالله وبكتبه وبرسله فضلا عن أن القرآن أمرنا بقبول فكر الغير ورأيه.