بيروت - لبنان

اخر الأخبار

6 تشرين الأول 2018 12:05ص ماذا بقي من مقبرة السنطية بعد خروج الفرنجة من بيروت؟

حجم الخط
 ذكرنا في الفقرة السابقة الى قدم مقبرة السنطية والى مساكنة المسلمين للفرنج الصليبيين في الحياة ومجاورتهم في الممات لقرب مقبرة السنطية من مقبرة اللاتين. ولا يعرف بالتحديد تاريخ بدء الدفن في السنطية وقد رجحنا بدء ذلك اثناء  فترة خضوع بيروت للحكم الصليبي بين سنتي 1110 و1291م  وذلك  من خلال اشارة عبد الغني النابلسي عند زيارته المقبرة وقوله ان الشيخ جبارة احد ابناء الشيخ حسن الراعي مدفون فيها. فهل  بقيت  السنطية بعد خروج الفرنجة بقيع بيروت؟
 ومن الطبيعي لسبب عاطفي دفن الميت بجوار أقربائه ومحبيه حتى أن بعض المتوفين دفنوا في حديقة بيوتهم، ومع الزمن تكثر القبور مع توسع العمران فتصبح المقبرة ضمن البيوت والمحلات الجديدة وتنسب كل مقبرة الى المحلة التي وجدت فيها او الى ساحة تقام فيها شعيرة دينية او الى موقع قديم على اسم شجرة أو قلعة أو نسبة لوضع جغرافي او الى جماعة دينية محددة .ويرجح  المنطق ان يكون بعض هؤلاء أو بعض أفراد من عائلاتهم قد توفوا  في بيروت ودفنوا في مقبرتها الأولى مجاورة لمن سبقهم من اقربائهم .وهذه القواعد تنطبق على مقبرة السنطية خارج الباب الغربي لبيروت ولا تمدنا الوثائق الشرعية والتاريخية بمعلومات دقيقة عن أصل تسميتها فالوثائق المتوفرة  تعود الى سنة 1843م السنة التي حدث فيها التدوين في سجلات محكمة بيروت الشرعية ولا توجد سجلات قبل هذا التاريخ وان كانت بعض الوثائق القديمة موجودة في بعض بيوت البيارتة ولاسيما تلك المتعلقة بالأوقاف.
ففي الخامس من شهر جمادى الثانية سنة 1259 هـ/1843م على سبيل المثال اشترى مصطفى فتح الله من بستان بني مبسوط الكائن في مزرعة القنطاري فوق «جبانة السنطية». وفي الرابع عشر من شهر ذي القعدة سنة 1260 هـ/1844م اشترى اسحق يوسف اليهودي حارة كائنة في الشامية بالقرب من « جبانة الصمتية». 
وتجدر الاشارة الى ان ورود بعض الاخبار التي دلت على قدم من دفن في السنطية فكان منهم علي ابن ابي علي اللحام الذي أرخ المفتي عبد اللطيف فتح الله وفاته سنة 1812م ودفنه في السنطية كما ان الامام العلامة  الشيخ محمد المسيري الإسكندري توفي في بيروت سنة 1823 م ودفن في السنطية فأرخ وفاته المفتيان عبد اللطيف فتح الله وأحمد الأغر.  يذكر ان المفتي الشيخ احمد الأغر توفي في  ايار 1858 م ودفن في جبانة السنطية . وفي سنة 1886 م دفن فيها الحاج عبد الله حسين بيهم. وكان آخر من دفن فيها من الاعلام  عبد الله بيهم وعمر الداعوق. ودفنت فيها في كانون الأول سنة 1936 «خير النساء» حرم السلطان عبد المجيد وكان قد استقبل جثمانها مشايخ الطرق ومنهم الشيخ محمود محرم شيخ القادرية التي تنتمي اليها الأسرة الراحلة وصلي عليها في الجامع العمري الكبير.ومما ينقل عامة البيارتة قولهم ان جبانة السنطية للأغنياء من البيارتة ناسين قول عمر الخيام بلغة احمد رامي: 
    لا توحش النفسَ بخوف الظنون
                                          واغنم من الحاضرِ أمنَ اليقين 
فقد تساوى في الثرى راحلٌ
                                         غداً وماضٍ من الوف السنين. 

تمادي الاعتداء على مقبرة السنطية وصولاً لإزالتها 
تناولنا في كتابنا منزول بيروت تحليل لفظة السنطية ورجحنا ان تكون السنطية نسبة الى شجر السنط علماً بأن البيارتة يلفظون السين صاداً كما في عالسور تقال عصّور واعتمدنا رأي العلامة عارف النكدي الذي نسب فيه السنطية الى السنط وفي كتاب لبنان مباحث علمية ان سلسلة  جبال لبنان كانت قديماً مكسوة بالأشجار ومنها السنط وليس من الضرورة وجود غابة منها لتسمية المحلة بأشجارها بل جرت التسمية ولو بشجرة واحدة ففي بيروت محلات على اسماء شجرات الجميزة والصنوبر والخروبة والتينة والبلحة.
والاعتداء على مقبرة السنطية  قديم. ففي ذكريات الشيخ عبد القادر قباني أن نعيم أفندي قدم الى بيروت سنة 1845م باسم ناظر الأوقاف، وكان بينه وبين شيخ الإسلام قرابة، فطلب وثائق الأوقاف بحجة ضبط أوقافها  فاقتطع قسماً من مقبرة المصلى وباعها الى سعيد آغا الذي بنى عليها الخان المعروف باسمه ثم باعه لآل سرسق. كما استولى نعيم افندي على قطعة كبيرة من أرض مقبرة السنطية واقام عليها قهوة عرفت باسمه. 
نشرت صحيفة حديقة الأخبار في نيسان 1863م إعلاناً ببيع بعض الأملاك الأميرية في بيروت فكان منها : قطعة أرض بجوار قهوة نعيم أفندي وقطعة أخرى باتصال قهوة نعيم أفندي يحدها غرباً القهوة المذكورة مع البحر وشرقاً الجبانة (ويقصد بالجبانة مقبرة السنطية). وقد عرفت قهوة نعيم أفندي فيما بعد بقهوة لوقا على اسم مستأجرها لوقا جورج . وبعد وفاة زوجة نعيم أفندي المدعوة طيبة بنت حافظ حسن بن عبد الله الكليبولي وضع أمين عالي بك الدفتردار في بيروت ووكيل بيت المال يده على ثلاثة أرباع القهوة المذكورة (18 قيراطاً) الملاصقة شرقاً لمقبرة السنطية فتقدم عبد القادر مصطفى سعد الدين الدنا سنة 1322 هـ/1904م بوكالته عن الشيخ محمد أبي الهدى الصيادي الرفاعي الشهير بدعوى ضد الدفتردار المشار اليه ومأمور الدفتر الخاقاني في بيروت (السجل العقاري) محرم بك ابن علي بك ابن عمر بك، ادعى فيها بأن زوجة نعيم أفندي كانت قد أوصت قبل وفاتها بجميع مالها من عقار ومنقول ونقود الى الشيخ أبي الهدى، ومن ضمنها ثلاثة أرباع القهوة وبدلات إيجارها المتجمعة من لوقا جورج والبالغة 69473 قرشاً وقد أثبت المدعي الوصية، فحكم بتسليم الأموال الى أبي الهدى أفندي. وقد اشتهرت هذه القهوة بقهوة الحمراء. وتظهر اعمدتها في بعض الصور الباقية (وكان آل عز الدين ادعوا احقيتهم بها ثم سلمت الى جمعية المقاصد. (أوضحنا التفاصيل في كتابنا البيارتة  حكايات امثالهم ووقائع ايامهم).  
وعد اعتداء نعيم افندي صدر  الببولرده سنة 1273 هـ /1856م  فأكد التعدي على «مقبرة الإسلام» الكائنة خارج باب الصنطية   وعدم وجود سور لائق . وذكر  قيام مصطفى عارف افندي دفتردار إيالة صيدا ورئيس المجلس الكبير بتعمير الحائط . وأشار الى  ما حصل من «بعض متولي المقبرة (لم يتبين من هؤلاء المتولون؟) بإعطائهم رخصة لتعمير دكاكين داخل الحائط وإعطائهم أراضي لزيد وعمرو» وقرر منع إنشاء اية دكاكين خلاف الدكانتين الموجودتين من قديم امام المقبرة كما منع غرس شجرة خلاف السرو المخصوص للمقبرة. 
وجاءت الحرب الأهلية في لبنان لتعطي الفرصة لإزالة مقبرة السنطية نهائياً وجرف قبور علمائها وعظامهم الى بحر بيروت مع انقاض خرائب المدينة. 
لا تزال حقيقة ما حصل لأرض مقبرة السنطية مجهولة 
من حق اهالي الذين طوت ارض مقبرة السنطية رفات محبيهم ان يسألوا مجدداً وباستمرار ما سبق ان طالبوا به ولم يتكرم احد بإجابتهم ولاسيما من اربعة مراجع مسؤولة هي:
1-جمعية المقاصد الخيرية الاسلامية التي كانت متولية على المقبرة.
2-شركة سوليدير التي تولت تنظيف انقاض الحرب الاهلية وجرفت المقبرة ورفات من دفن فيها الى البحر مع بقية الانقاض. 
3-المديرية العامة للأوقاف الاسلامية المتولية العامة على الاوقاف الاسلامية والناظرة على المتولين.
4-بلدية بيروت التي يقال أن موقع المقبرة أصبح حديقة. 

 *محامٍ ومؤرخ