بيروت - لبنان

اخر الأخبار

19 حزيران 2019 12:03ص متى نعود.. إلينا..؟!

حجم الخط
دأبت منذ فترة غير قصيرة على التدبّر جيدا في أقوال الناس ثم مقارنتها بأفعالهم وسلوكياتهم... وللحقيقة أقول أني وجدت بين الأمرين عجبا عجابا، كما وجدت تناقضا كبيرا يعجز اللسان عن الإتيان بالكلمات المناسبة لوصفها!!

ولكن الكارثة الأكبر التي اكتشفت حقيقتها هي أن كل هؤلاء يفعلون ما يفعلونه وهم غير مقتنعين، أي أنهم يقدمون على كل آفاتهم هذه فقط لأن المجتمع سار عليها فباتت عندهم صفة عامة وسلوكا شائعا، وإن خالف الأخلاق والفضائل و التعاليم الدينية والإنسانية.

وبالتالي يمكن لنا القول أن المجتمع بغالبيته بات مجموعة من (الإمعات) تتخبّط مع هبوب كل ريح لتتمايل يمينا ويسارا... وكل يفوز بحسب قدرته على (مسايرة) هذه الريح العاتية..؟!

إذن.. نحن لم نعد نحن.. وما عاد كلّ منّا نفسه.. بل طمسنا نفوسنا وأخفينا ذواتنا ووأدنا قناعاتنا حتى أصبح المجتمع غير المجتمع..!!

فالمواطن الصالح الذي يعمل لإعلاء مصلحة البلاد على مصلحته الخاصة حلم بعيد المنال..

والطبيب ذو الرحمة والإنسانية عملة نادرة صعب اللقاء به في عصرنا..

والمدرّس المخلص المدرك للأخطار المحيطة بالأجيال بات كالعنقاء والخلّ الوفي..

والإعلامي الموجّه الذي يغرس معاني الخلق الرفيع في نفوس المشاهدين خيال يطوف في خيالنا ونفتقده في واقعنا..

وكذلك المحامي الصادق.. والسياسي الوطني.. والعامل المجتهد.. والإمام العادل.. والداعية العامل... والطالب الملتزم.. والفتاة المسلمة.. والوالد المسؤول.. والموظف الأمين و... والنتيجة أننا ما عدنا «نحن».. لقد شرّعنا أبواب دواخلنا طواعية لتتلصص إليها أفكار خاطئة وسلوكيات فاسدة فتغلغلت فينا واستقرّت حتى شكّلت أشخاصا آخرين متناقضين معنا ولكنهم يسكنون فينا..؟! ومن ثمّ.. اختلطت المفاهيم والدلالات، وتنازعت الرغبات.

فـ «الدين» الذي هو وحي إلهي مبارك وسنّة نبوية شريفة، اختلط مفهومه بـ «التديّن المغشوش» الذي هو فهم شخصي لهذا الوحي، ورأينا من حولنا من يريد الدين «تديّنا» لا «دينا»..؟!

و«التعاليم الإسلامية» التي هي نصوص ربّانية وأحاديث نبوية، اختلط مفهومها بـ «الفكر الإسلامي» الذي هو نتاج مفهوم فرد من الأفراد لهذه التعاليم..!؟

وهكذا حتى انقلبت الدلالات في نفوس الرجال والنساء والأبناء فارتبطوا بـ «مفكرين» لا بالفكرة ذاتها، والتصقوا بـ «شخوص» لا بالوطن، وباتوا حرَّاسا لـ «رأي إسلامي معيّن» بدلا من أن يكونوا حرّاسا للإسلام..!؟

إننا وبكل صراحة بحاجة ماسّة لنعود إلى ذاتنا ولنحدّد مفاهيم الدلالات التي نستخدمها جهلا وزورا... كما أننا محتاجون إلى العودة إلى الأصل من خلال الفرع وليس إلى التشبّث بالفروع إلى درجة هجر الأصل.

وتدبّروا جيدا قول الله تعالى مخاطبا المؤمنين: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ}.