بيروت - لبنان

اخر الأخبار

20 شباط 2020 12:04ص مطالبات بزرع القِيَم الأخلاقية في نفوس الأبناء حتى لا ينهار المجتمع

في خضم التفلّت شبه الشامل الحاصل في بلادنا

حجم الخط
يعتبر السلوك الحضاري للإنسان ثمرة أخلاقه الراقية المتمثلة في الأقوال والتصرّفات المثالية التي تصدر عن القيم الحياتية، والشيم النبيلة، وتتوافق مع عادات المجتمع وأعرافه وتقاليده، ونظمه وقوانينه، وتكون منضبطة وفق المعايير التي تحقق مصلحة الإنسان في الدنيا والآخرة، ومن أبرزها القول الحسن، والتعامل بلطف مع الجميع، وهذه من مبادئ ديننا الحنيف، قال الله تعالى: {وقولوا للناس حسنا}، وقال رسول الله  صلى الله عليه وسلم: «خالق الناس بخلق حسن».

ومن تلك الأسس التعاون على الخير والمبرّات، والتآزر في الملمّات والمسرّات، خاصة في وقت الأزمات كتلك التي نمرُّ بها في بلادنا.

وقد دعانا ربنا سبحانه إلى هذه القيمة النبيلة بقوله عزّ وجلّ: {وتعاونوا على البر والتقوى}، وإن هذا التعاون مبني على أساس الرحمة والإحسان، والتعارف بين بني الإنسان، قال الله تعالى: {يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير}.

وهنا يبرز السؤال... من أين يكتسب الإنسان سلوكه الحضاري؟!

وكيف تكون هذه التربية الأخلاقية للأبناء في ظل ما نعيشه من أزمات متلاحقة؟!

قوزي

{ بداية قال الشيخ مازن القوزي رئيس دائرة المساجد في المديرية العامة للأوقاف الإسلامية أن الإنسان يكتسب هذا الأمر من بيته وأسرته، فالطفل يولد صفحة بيضاء، يسطّر فيها الأبوان ما يريدان، حيث يتعهدانه بالتربية منذ طفولته الأولى، ويتولّيان تثقيفه وتوجيهه، وتنشئته على مكارم الأخلاق، وطلب المعالي، والهمّة العالية، لذلك كانا مسؤولين أمام الله تعالى عن أبنائهما، ثم المدرسة التي ترسّخ القيم النبيلة، والسلوكيات الإنسانية القويمة؛ ليسهم الطالب في رعاية النتاج الحضاري لأمته، ثم يصقل خبراته وتصرفاته من خلال التفاعل الإيجابي مع الآخرين.

وإلا فكيف نفسر قول النبي (كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْؤول عَنْ رَعِيَّتِهِ، الإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهُوَ مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْؤولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا، وَالْخَادِمُ رَاعٍ فِي مَالِ سَيِّدِهِ ومَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، - قَالَ: وَحَسِبْتُ أَنْ قَدْ قَالَ: وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي مَالِ أَبِيهِ وَمَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ - وَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ)..

فليحسن كل منا تأدية واجباته حتى يكون عنصرا حضاريا في مجتمعه وعنصرا بنّاء في حسن عرض دينه الحنيف...

وتابع: القيم الإيمانية والقيم الأخلاقية هي اللبنات الأساسية في حياة الأفراد والأسر، يقصد بالقيم الإيمانية أنها المبادئ والأحكام والأصول الثابتة التي تحكم عقيدة المسلم، وتمثل الدستور الذي يحكم علاقته بربه، ويعتبر الالتزام بها من دليل الإيمان بالله سبحانه وتعالى، وبملائكته، وكتبه، ورسله واليوم الآخر، وبالقضاء خيره وشرّه، وهذه القيم من الثوابت التي لا تتغيّر مع تغيّر الزمان والمكان ويجب أن يربّى الطفل عليها وتظل معه حتى الموت، ويقصد بالقيم الأخلاقية السجيّة أو العادات الفطرية السويّة الحسنة التي ترافق الإنسان في أعماله وتصرفاته وعلاقاته مع الناس، وتعتبر الأخلاق الإسلامية من الثوابت، وتنمّى في ضوء القيم الإيمانية، وهى قرينتها في المجال التربوي، فالقيم الإيمانية الصادقة تقود إلى قيم أخلاقية حسنة.

وقال: هناك أمران أساسيان لا بد من الالتزام بهما:

الأول: إيمان الأسرة بمبادئ وقيم لا تؤمن بها أسر أخرى، فالأسرة المسلمة تؤمن بالله سبحانه وتعالى وباليوم الآخر، وتحمل في نفسها مشاعر العبودية والإذعان للّه تعالى، ولها نظرة خاصة تجاه الطهارة والعورة والعلاقة بين الجنسين، وتجاه المأكولات والمشروبات، وهذا كله يؤثّر في مسار حياتها.

ثانيا: سُلّم القيم ودرجة الاهتمام، وهذا هو الشيء الأساسي الذي يصنع الفرق بين كثير من الأفراد والأسر، إن الحب شرط أساسي في تربية الطفل المسلم، بل توصل بعض الباحثين في هذا المجال إلى أن أهم العوامل التي تساعد الطفل على الطاعة والالتزام بالقيم هي الحب والحنان الذي يشعر به الطفل من كل أفراد الأسرة، ومنبع هذا الحب هما الوالدان فحب الأطفال للوالدين هو رد فعل لحب الوالدين لهما، بل إن هذا الحب هو ما يعين الطفل على إستيعاب القيم وهو يوفر المناخ الملائم للنمو الخلقي في النفس.

رميتي

{ أما الاخصائية الاجتماعية رلى رميتي قالت: الأسرة هي الخلية الأولى التي يفتح الطفل عينيه عليها، وتأثيرها عليه يلعب دورا كبيرا في توجيهه وتكوينه، وبالقدر الذي تقدّمه الأسرة للطفل من مميّزات تربوية بقدر ما يكون وينمو ويواجه المجتمع بمشكلاته العريضة.

فالأب والأم هما حجر الأساس فاستعداد الأبوين لبذل الجهد التربوي، وإضفاء القدر المناسب لتنمية الطفل له أبلغ الأثر في تشكيله وتنميته، فالوراثة والبيئة لهما أبلغ الأثر في تشكيل شخصيته، وتسير الوراثة إلى الخصائص والاستعدادات الفطرية للكائن البشري، والبيئة تسير إلى مجموعة العوامل الخارجية التي تؤثر في الكائن البشري منذ بداية تكوينه وهو جنين في بطن أمه إلى أن يولد ويترعرع ويشتدّ عوده إلى آخر حياته.

تستطيع الأسرة بما لها من رصيد ثقافي ضخم، وما تملكه من قيم تربوية أن تكسب الطفل وتوجهه لاكتساب التراث الثقافي والقيم التربوية التي يعايشها ومن أهمها الصدق والأمانة. ولكل أسرة طريقتها الخاصة في تحديد القواعد التربوية وتطبيقها، فبعض الأهل أقل تشدّدا من غيرهم الذين يحاولون إعادة تطبيق النظام الذي ورثوه عن أهلهم.

التربية ليست المقياس الذي يميّز الأهل الجيّدين عن الأهل السيّئين، إنما هي سلسلة متتابعة من الأنظمة والقواعد والأصول تنتقل من جيل إلى جيل وتندرج في سياق التاريخ العائلي ولكل شخص تفسيرها بطريقته.