بيروت - لبنان

اخر الأخبار

3 تشرين الثاني 2021 12:00ص مع اختفاء أثر الخطاب الديني في أوساط الشباب: لنعمل على تغيير اعتقادهم أن الإسلام سبب معاناتهم

حجم الخط
منذ سنوات ونحن ننادي في لبنان بضرورة تجديد الخطاب الديني في كافة المستويات..

ومنذ سنوات ونحن نقول أن الواقع الذي نعيش فيه لم يعد يقبل تلك النمطية في الخطاب الديني التي وبكل أسف نفّرت الناس أكثر مما رغّبتهم..

ولكن للأسف أيضا منذ سنوات وسنوات لا أحد يعمل لتحقيق ولو القليل من هذا التجديد في بلادنا التي ما عاد الإنسان يعرف كيف تسير وإلى أين..؟!

والتجديد الذي نريده ونطالب به ليس تجديدا جزئيا وليس أيضا تجديدا ظاهريا أو شكليا إن صحّ التعبير، فليس المقصود تغيير الكلمات.. وإنما هو تجديد شامل وعام يعني إعادة تفعيل العلاقة مع كتاب الله وسنّة الرسول وفق الأصول الصحيحة التي تراعي ثوابت الدين ومتغيّرات العصر الذي نعيش فيه.

ولذلك نقول أن المطلوب تجديد في الأفكار... وتجديد في المفاهيم... وتجديد في الأشخاص... وتجديد في النظرة إلى الأمور..

أما في الأفكار.. فنحن بحاجة إلى تلك التي تسعى لحل المشاكل المنتشرة في المجتمع المسلم بالطريقة التي تتناسب معها ومع ضخامة كارثيتها علينا، وبالتالي لم يعد من المقبول أن نهاجر مثلا إلى عصورنا السابقة «لنسرق» منها أفكار أجداد أجدادنا ثم نعمد إلى تطبيقها في عصرنا، بل المطلوب أن نجتمع مع أهل الاختصاص وأن نتناقش كفريق عمل ونتحاور بكل شفافية لنطرح الأفكار الجديدة على طاولة اللقاء ثم ندرسها ونفنّدها ونبحث في أنسبها لنصل إلى حل متوافق عليه من كل الجهات المعينة.

وهذا الأمر يستدعي أيضا التجديد في أسس اختيار الشخصيات التي تشارك في النقاش، فلن يستطيع مثلا رجل في الثمانين من عمره أن يشارك في ورشة عمل حول أهمية دور الإنترنت في تقريب الدعوة الإسلامية إلى الشباب، وإنما الأقدر طبعا هم الشباب أنفسهم...

وأما في المفاهيم... فلم يعد مقبولا أبدا هذه الإزدواجية المنبوذة التي نراها بين أصل المفهوم وبين تطبيقنا له، وعلينا أن نسارع فورا إلى تنقية هذه المفاهيم وتصحيح دلالاتها في عقول الناس حتى نضمن استمرارية فعاليته.

الحاجة ملحّة

ودعوني هنا أقول وبكل صراحة أن عدم المضي في طريق التجديد أدّى إلى اندثار فاعلية الخطاب الديني عن الساحة اللبنانية، واقتصاره على بعض النواحي التي غالبا ما تكون سياسية أو مذهبية فقط لا غير..

وهنا أضرب مثلا...

منذ فترة حذّر مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية في مصر من ممارسة لعبة «كونكر» الإلكترونية، قائلا: «بعد حوادث مأساوية وقعت بسببها، ولما احتوت عليه من قمار، فإن المركز يحذر من اللعبة»، وقال بأن لعبة «كونكر» تُعدّ من الألعاب الإلكترونية المفتقدة لكثير من الضوابط المذكورة، وأكبر المخالفات احتواؤها على قمار إذ يلعب فيها أكثر من شخص في الوقت ذاته على رصيد وهمي من النقود «على شكل نقاط»، يقامر اللاعبون بهذه النقاط، ويربحون أو يخسرون..

واليوم ينتشر في لبنان بين أوساط الشباب لعبة اسمها Axie Infinity وعدد كبير منهم يسأل عن حكمها.. فهل سمعنا رأيا شرعيا موزونا يدرس هذا اللعبة وأمثالها ويصدر بيانا عاما للناس في لبنان حولها..؟!

ومثلها قضايا أخرى تتعلق بالنساء.. وبالأبناء... وبالزواج... وبالتجارة.. وبالعمل.. خاصة في ظل انقلاب الأحوال في بلادنا كما يرى الجميع وكما يعانون؟..

نعم... إننا نرفع الصوت عاليا ليقوم كل مسؤول في هذا المجتمع بواجبه كما ينبغي، وليقدم كل إنسان على عمله بالوجه المطلوب منه، في السياسة والاجتماع والاقتصاد والبيئة والتربية والتعليم والإعلام.. وطبعا في مجال الدعوة والإرشاد.

نطالب بأن يؤدي كل إنسان واجبه حتى نشعر ولو بـ«شبه أمل» بمستقبل مشرق وواعد لأبنائنا وبناتنا الذين لا نرغب أبدا أن يعيشوا كما عشنا.. وكما نعيش..؟!

لا نريد لهم أن يعتقدوا.. أن الإسلام سبب لفرقة الناس واختلافهم وتقاتلهم...

لا نريد أن تترسّخ في عقولهم تلك المفاهيم الفاسدة التي صوّرت البُعد عن الدين لدى البعض.. غنيمة..!!

لا نريدهم أن يتقاتلوا بإسم الدين.. وأن يتخاصموا بإسم الدين.. وأن يفترقوا ويدمّروا بلادهم بإسم الدين.. ولا أن يضيّعوا حياتهم ويفسدوا أوقاتهم تحت شعار أن الدين غير صالح لزماننا..!!

علينا جميعا دون إستثناء أن نربّي العقول.. وأن نثقّف النفوس.. وأن ننقّي المفاهيم... وأن نكون معهم وإلى جانبهم في كل جديد يصدر في أي مجال كان فنحسن عرض الدين أمامهم، حتى لا نسمع ونرى في المستقبل القريب ما لا نحب ولا نريد..!!

إن التجديد في الإسلام أيها السادة أمر أثبتته النصوص الشرعية بما لا يدع مجالا لأي نقاش يعارضه، ولكنه بطبيعة الحال لا يتناول الأصول والثوابت في العقائد والأوامر والنواهي التي جاءت منصوصا عليها بمنطوق المنقول الصحيح أو دلالته، وحين نتحدث عن التجديد في هذا العصر، وعن شدّة الحاجة إليه، فإننا لا نعني تغيير الأصول والقضايا الشرعية الثابتة التي أمر الله بها ونادى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم وطبّقها كمنهج ثابت في الحياة للأمة.