بيروت - لبنان

اخر الأخبار

11 أيار 2021 12:00ص مع اقتراب شهر رمضان من الرحيل الشيخ أسامة حداد:ى اغتنموه حتى آخر لحظة

حجم الخط
ها هو شهر الخير قد اقترب من الرحيل، وها هي أيامه المباركة توشك على مغادرتنا تاركة في قلوبنا تلك الأشواق إليها في كل وقت وحين، وهي أيام عطّرت أوقاتنا بالفرح والطاعة، ونسأل المولى تبارك وتعالى أن يتقبّل منا..

ولكن يبقى السؤال...

كيف نودّع شهر رمضان المبارك؟...

وكيف نستثمر ما تبقّى منه لتكون طاعتنا مقبولة؟...

لا تضيّعوا لحظاته الأخيرة

{ مع دخول العشر الأواخر... ما هي نصيحتكم للمسلمين؟

- حين قال الله تعالى: {والفجر وَلَيَالٍ عَشْرٍ}، فهو يُقسم الله تعالى بالعشر الأواخر من شهر رمضان المبارك لما فيها من أفضل عشر ليالٍ للعبادة، والعمل الصالح، تنقضي سريعاً، وتغادرنا كلمح البصر، ولن تعود إلا بعد عام كامل، لا ندري ما الله صانع فيه، وعلى مَن تعود، أطال الله في أعمارنا على طاعته.

وما ان بدأت العشر وبدأ السباق، حتى أصبحنا في نهاية هذا الشهر المبارك، إنها ليالي العابدين، وملتقى الخاشعين، فيها يحلو الدعاء، ويكثر الصفاء، وما بقي من رمضان ليالٍ معدودة وساعات محدودة، فيا خسارة من لم يضع جبهته ساجداً للّه فيها! ويا نَدَمَ مَن لم يَذُقْ لذةَ المناجاة فيها! ويا فوز من يبادر الدقائق فيها؛ ويا هنيئاً لمن اغتنم الأنفاس فيها...

أيام وليالٍ وصفها رسول الله # بأنها عتق من النار، ولذلك كان يضاعف عبادته فيها، ويتقرّب إلى ربه بأنواع الطاعات، فقد قالت السيدة عائشة رضي الله عنها في وصف عبادة النبي # في هذه العشر: «كان إذا دخلت العشر الأواخر من رمضان، أحيا ليله، وأيقظ أهله، وشدَّ مئزره».

وكان في ليالي العشر يغتسل كل ليلة من لياليها بين المغرب والعشاء، أدباً مع تلك الليالي المباركة، واستعداداً لملاقاة الملائكة والروح جبريل فيها.

وكان يحثّ أهله على الاجتهاد والإكثار من العبادة فيها، فقد ورد أنه كان يوقظ ابنته السيدة فاطمة الزهراء وزوجها سيدنا علياً رضي الله عنهما، ويقول لهما: «ألا تقومان فتصليان»، كما كان يوقظ زوجته السيدة عائشة رضي الله عنها بالليل إذا قضى تهجده وأراد أن يوتر، ومن هذا يؤخذ استحباب إيقاظ أحد الزوجين للآخر، والحرص على ذلك، ويتأكد في مثل هذه الأيام المباركة، فإن فيه إعانة على الطاعة.

كان عمر رضي الله عنه يصلي من الليل ما شاء الله أن يصلي، حتى إذا كان نصف الليل، أيقظ أهله للصلاة، يقول لهم: الصلاة الصلاة، ويتلو هذه الآية الكريمة: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا}، وفي العشر الأواخر يتحرّى المسلمون ليلة القدر راجين عطاء الله فيها. قال الله تعالى: {لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ}، ومعناها أن ثواب قيام ليلة القدر أفضل من الجهاد والتطوع ألف شهر أي بما يقارب 83 عاماً، وقال النبي #: «الْتَمِسُوهَا فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ».

بديل الاعتكاف

{ بسبب الوباء لا اعتكاف هذه السنة في المساجد.. كيف يعوّض المسلم هذه السنّة النبوية في أواخر أيام رمضان؟

- ينبغي لكل مسلم أن يعوّض عن الاعتكاف والقيام في المساجد بأن يستثمر هذه الليالي الفاضلة، بكل لحظاتها، ولا يضيّع شيئا من أوقاتها، بل يستغلُّ كل لحظة فيها، بكل عمل صالح يقرّبه من خالقه، ينتقل من عبادة إلى أخرى، ومن طاعة إلى مثلها، فهو إما يتلو آيات ربه، يتأمّل في معانيها، وإما أن يشغل نفسه بالركوع والسجود، والقيام بين يدي الحي المعبود، وإما يخفف عن المساكين والمحتاجين ما يجدونه من الضيق وقلّة ذات اليد، فيعينهم ويصلهم بشيء يرجو ثوابه من الله تعالى، يقول النبي #: لأَنْ أمشيَ مع أخٍ في حاجةٍ؛ أَحَبُّ إليَّ من أن اعتكِفَ في هذا المسجدِ - يعني مسجدَ المدينةِ - شهراً.

{ ما نصيحتكم لمن مرَّ عليه معظم أيام رمضان وما زال غير مغتنم لأوقاته ولياليه؟

- إن المتأمل في هذه الحياة يرى سرعة إنقضاء الزمن، وعجلة مضي الأيام، كنا بالأمس نستقبل رمضان ونحن اليوم نودّعه، ولم يكن بين استقبالنا ووداعنا إلا (أياماً معدودات) مرّت بسرعة البرق الخاطف، وهذه هي حال الدنيا، فاجعلوا في انقضاء شهركم عبرةً تذكّركم بانقضاء عمركم، وهذا يدعونا الى اغتنام الأنفاس في العبادة والطاعة رجاء رضوان الله تعالى.

كلمة لمن كان عاقاً

{ ما هي كلمتكم الأخيرة لمن قطع رحمه أو عقّ والديه في رمضان؟

- هذا هو الشقي الذي دعا عليه جبريل عليه السلام وأمّن على دعائه النبي # في الحديث الشريف: أن النبي # صعد درجات منبره فقال: آمين، ثم صعد الثانية فقال آمين، ثم صعد الثالثة فقال: آمين، فقال أصحابه الكرام بعد الخطبة: يا رسول الله على ماذا أمّنت؟ قال عليه الصلاة والسلام: جاءني جبريل فقال لي: رغم أنف عبد أدرك والديه فلم يدخلاه الجنة فقلت: أمين، فلما ارتقى الدرجة الثانية فقال: رغم أنف عبد ذكرت عنده فلم يصلّ عليك فقلت: آمين، ثم صعد الدرجة الثالثة فجاءه جبريل فقال: رغم أنف عبد أدرك رمضان فلم يغفر له، إن لم يغفر له فمتى؟

وما نفع الصيام والقيام إن لم يهذّبا الأخلاق ويعلّما الرحمة والبر والإحسان بالوالدين، قال النبي #: ربَّ صائمٍ ليسَ لَه من صيامِه إلَّا الجوعُ وربَّ قائمٍ ليسَ لَه من قيامِه إلَّا السَّهرُ.

وأخيراً لا تبحثوا عن ليالي القدر في المساجد فحسب؛ بل إبحثوا عنها في رضا الوالدين، وصلة الرحم، وإطعام مساكين، وكفالة يتيمٍ، وتأمين خائفين، وإنصاف مظلومين، فالسعيد والله من اغتنم أثمن لحظات العمر، وفاز بجائزة ليلة القدر، نسأل الله أن يجعلنا وإياكم من السعداء الفائزين، اللهم بلّغنا ليلة القدر واجعلنا من عتقائك من النار، واعفُ عنا واغفر لنا وارحمنا، ولجميع المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات، اللهم ضاعف لنا الحسنات، وارفع لنا الدرجات، وكفّر عنّا السيئات، واجعلنا ممن صام فاتقى وقام فارتقى.. اللهم بلّغنا ليلة القدر وأكرمنا ببركاتها، واجعلنا من أسعد السعداء، وأتمّ علينا النعمة والهناء، والصحة والشفاء، وارفع البلاء، واصرف عنا الوباء وتسلّط السفهاء، برحمتك يا أرحم الراحمين.