إن من أخطر ما ابتلي به المجتمع في هذا العصر، الذي يعتبر عصر العلم والثورة التكنولوجية، هو في بث الشعوذة عبر وسائل الإعلام، بأنواعه المتعددة، تحت دعاية اسكتشاف الغيب تنجيما وكهانة وعرافة، وخطورة هذا الأمر لا تكمن في مجرد بث هذه الأراجيف، بل في تصديقها والإصغاء إليها، وقد قال صلى الله عليه وسلم: «من أتى كاهنا أو عرّافا فصدّقه بما قال فقد كفر بما أنزل على محمد»، ومن هنا كان محرّما على المسلم إتيان الكهان والمنجمين والعرّافين، لمنافاته لقيم الإسلام ومعاداته لمبادئ كرامة الإنسان، فتصديقهم في دعاياتهم كفر، والإصغاء إليهم معصية ولو تسلية لأن من كان كذلك لا يؤمن أن يقع فيما ظن نجاته ومنجاته منه، ومن هنا من لم يصدّقهم وأصغى إليهم لم تقبل له صلاة أربعين ليلة، وهنا لا بد من القول بأن من اعتقد أن النجوم مؤثرة بنفسها في الحوادث والوقائع فقد أشرك بالله العظيم، وهذا يدلّ على خطورة ما يقدم عليه المشعوذون ولو تستروا باسم الدين أو القرآن لأن الدين حذّر منهم، والقرآن أنذرهم، لأن الله دين يحترم العقول، والمشعوذين يستغلون ضعاف العقول بهذه الهرطقات المقيتة، فيكذبون ويصدّقهم الآخرون، ولذا قال صلى الله عليه وسلم: «كذب المنجمون ولو صدقوا»، تقول السيدة عائشة رضي الله عنها سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم ناس عن الكهان فقال ليس بشيء، فقالوا يا رسول الله إنهم يحدثونا أحيانا بشيء فيكون حقا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الكلمة من الحق يخطفها من الجني فيقرّها في أذن وليه فيخلطون معها مائة كذبة.
دراسات صادمة
إن الدراسات التي تحدثت عن هؤلاء المشعوذين أظهرت ارتفاعا في عددهم، بحيث قارب أن يكون لكل ألف شخص مشعوذ، بل تبيّن من خلال بعض الدراسات أن نسبة من المثقفين تصدّق هذه الأمور، في تغييب كامل لأبسط مسلّمات الدين، لذا كان أمر الدين مهما وتعلّمه أساسا، والبُعد عنه موقعا في مزالق الفتن ومهاوي الشعوذة، بيد أن الخطورة تكمن كلها بعد ضرب عقيدة الإنسان والاستهتار به، إلى الاستنزاف المادي حيث أظهرت دراسات استقصائية أن أموالا طائلة تدرّ على أولئك المشعوذين في برامجهم وإعلامهم وهم يعلمون تمام العلم عجزهم عن معرفة الغيب لكنه الهوس المادي وتزيين الشيطان لهم، ومن هنا كان لزاما الحذر كل الحذر من التلاعب بالعقول والاستخفاف بالإنسان والنيل من قيم السلام وثوابته العظيمة، فالإسلام دينٌ يحترم العقل ولا يلغيه، والتنجيم هو استخفاف بالعقل وازدراء للعقل البشري، وإنه من غير المقبول التعلل بدعاية حب الاستطلاع والتسلية وعدم التأثر بهم لأن الشيطان عدو مبين والقلوب ضعيفة والشبه خطافة، إن التنجيم إدّعاء بمعرفة الغيب وعلم الغيب مقصور على الله سبحانه وتعالى وحده كما جاء في القرآن الكريم بقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحامِ وَما تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَداً وَما تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}، لذلك كان المنجّم متطاولا على العقيدة ذا خلل في دينه متآليا على خالقه، محبطا عمله، كاذبا في أفعاله لأنه يزعم أمرا ليس له فيه والله يقول: {ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو كذب بالحق لما جاءه}، ويقول عليه الصلاة والسلام: «أخاف على أمتي من بعدي خصلتين: تكذيبا بالقدر، وتصديقا بالنجوم».
النجوم لثلاث
إن الله تعالى خلق النجوم لثلاث: زينة للسماء، ورجوماً للشياطين، وعلامات يهتدى بها. فمن تأوّل فيها غير ذلك أخطأ وأضاع نصيبه وتكلّف ما لا علم له به، فعن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من اقتبس علماً من النجوم فقد اقتبس شعبة من السحر، ما زاد زاد»، وإن الواجب على الدعاة تجاه هذه الأراجيف نشر رسالة الإسلام الناصعة وبيان أهمية التعلّق بالله وعدم السير وراء نزوات المرجفين باعتبار أن ثواب العقيدة تمجّ هذه الأفعال لتعارضها من مسلّمات العقيدة، وهذا الأمر يتأكد وخاصة بعدما استمرا المرجفون إرجافهم والمروجون لهم زورهم، فمسؤولية الدعاة كبيرة جدا والتقصير ممقوت ممجوج والمحاسبة بين يدي الله شديدة، وعلى المسلم أن يبادر لتعلّم أمر دينه لأن ما لا يتم الواجب إلا به هو واجب، فقد أوجب الإسلام على الأسرة معرفة أحكام دينها وبيّن التعامل مع الأزمات بالرجوع دوما للّه تعالى والوقوف عند حدوده وعدم الرجم بالغيب فهذا غير مقبول بل هو ممجوج ممنوع، وإذا كان وفي بداية كل عام تظهر هذه الأكاذيب في وسائل الإعلام وبكثرة كثيرة في محاربة علنية للّه ومجاهرة بمعصية الله ودعاية المعرفة للغيب عند الناس في مسائلهم الحياتية، عاطفيا وماليا ووظيفيا وإنسانيا، فالعاقل هو من يعقل أموره ويضبط حياته على المنهج الإسلامي الذي بيّن أن علم الغيب بيد الله وان المنجمين يرجمون بالغيب وهم مجرمون محجوجون بالعقل فضلا عن الشرع لأنه لا تعلم نفس ماذا تكسب غدا...
والحمد للّه رب العالمين..