بيروت - لبنان

اخر الأخبار

9 تموز 2021 12:01ص مع بداية شهر ذو الحجّة العلماء يؤكّدون: على المؤمنين جميعاً أن يكونوا كالبنيان المرصوص

حجم الخط
يعيش المسلمون اليوم أياماً مباركات من أيام السنة التي يجب أن يستغلّوها أفضل استغلال في زيادة حسناتهم والقيام بالكثير من الأعمال الصالحة وهي الأشهر الحرم، حيث عظّم القرآن الكريم حرمة هذه الأشهر كما ذكرت السنّة على ذلك، قال تعالى: {ان عدّة الشهور عند الله اثنا عشر شهراً في كتاب الله يوم خلق السموات والأرض منها أربعة حرم ذلك الدين القيم فلا تظلموا فيهن أنفسكم}.

وتشترك الأشهر الحرم الأربعة من آداب وأحكام ينبغي للمسلم أن يتعلمها ويعمل بها حتى يكون من الذين يعظّمون حرمات الله من حيث تجنّب الوقوع في الآثام خصوصاً في هذه الأشهر، والإكثار في هذه الأشهر من الأعمال الصالحة، والنهي عن القتال في هذه الأشهر.

وقد قال رسول الله  صلى الله عليه وسلم كما رواه البخاري: «ما من أيام العمل الصالح فيها أفضلُ منه في هذه العشر - يعني العشر الأوائل من ذي الحجة - قالوا: ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل خرج بنفسه وماله ثم لم يرجع من ذلك بشيء»، فالرسول الكريم  صلى الله عليه وسلم يدعونا إلى مَزِيد من العمل الصالح وفعل الخير والبر والمعروف لأن العمل في هذه الفترة الزمنية له ثواب كبير ومنزلة عظيمة عند الله تعالى، فالمسلم بعد وفائه بفرائض الدين وأركانه التي يتحتَّم عليه أداؤها والقيام بها يستزيد من نوافل الصلاة والصيام والصدقة وصلة الرحم ومساعدة المحتاجين ومساندة البؤساء وكفالة اليتامى وتفريج هموم المكروبين.

الصلح

بداية قال مفتي بعلبك الشيخ خالد الصلح: إنها أيام طاعة وعبادة وذكر, وتآلف وتعاطف بين جميع المسلمين.. من كانوا يؤدّون فريضة الحج, ومن كانوا فى أوطانهم, وحيث إن الأيام العشرة أيام عبادة وطاعة, وفيها من العطاء المتبادل بين المسلمين ما فيها, كما أن فيها من الألفة والمودّة والتعاطف ما فيها, مما يستوجب على كل الموحّدين أن يقدّروا عظمة هذه الأيام, وما فيها من حرمة ومنزلة, ومن مودّة ووفاق, فتكون الأيام الكريمة دعوة حق ونداء صدق, أن يثوب الجميع إلى رشدهم, وأن يتوبوا إلى ربهم, وأن يكونوا متحدين كالبنيان المرصوص يشدُّ بعضه بعضا.

وأضاف: وبعدها يكون العيد.. وللأعياد في الإسلام منزلة كريمة, وأهمية عظيمة.. إنها تمثل فواصل زمنية بين العبادات, وتعمل على تصفية القلوب, ونقاء الضمائر, وانتشار الألفة والمحبة بين الناس، وتتجلّى إشراقاتها على المجتمع الإسلامي فإذا بهم يزدادون حبّاً ومودّة, ويتم التواصي بينهم وبين أرحامهم, ويألفون ويؤلفون. 

وبعد الحج يأتي عيد الأضحى ليذبح من كان قادرا أضحيته ويبعث بها إلى الأهل والفقراء والمحتاجين, وهذه الأضحية يغفر الله تعالى ذنوب صاحبها عند أول قطرة من دمائها.

وهي الأيام التي أقسم بها رب العزّة سبحانه وتعالى لعظمتها ومكانتها حيث قال الله تعالى: {والفجر وليال عشر والشفع والوتر والليل إذا يسر هل في ذلك قسم لذي حجر}. وهذه الأيام العشرة يتفق فيها عامة المسلمين مع ضيوف الرحمن الذين يؤدّون فريضة الحج, ونلاحظ التوافق والتوازن بين عبادات الحجاج وعبادات غيرهم, إن الحجاج يقفون على عرفات وليس لهم أن يصوموا, ليتفرغوا للذكر والتلبية والدعاء, بينما غيرهم من القادرين المقيمين في أوطانهم يصومون يوم عرفة, وهو في حقهم سنّة, ولصيامه فضل كبير حيث قال رسول الله  صلى الله عليه وسلم: «صيام يوم عرفة أحتسب على الله أن يكفّر السنة التي قبله والسنة التي بعده». ويوم عرفة هو اليوم الذي يتجلّى فيه رب العزّة سبحانه وتعالى برحماته, ويباهي بأهل الأرض أهل السماء, ويقول لملائكته: انظروا إلى عبادي جاءوني شعثا غبرا ضاحين من كل فج عميق يرجون رحمتي, ويخافون عذابي, أشهدكم يا ملائكتي أني قد غفرت لهم. وإذا كان ضيوف الرحمن يذبحون هديهم, فإن إخوانهم في بلادهم يذبحون أضحيتهم, وإذا كان الحجاج يلبّون, فإخوانهم في بلادهم يكبّرون.

الكردي

بدوره قال القاضي الشيخ أحمد درويش الكردي ان أشهر الحج هي من الأشهر المهمة التي ينتقل فيها الحجاج من كل أطراف الدنيا إلى مكة المكرمة ليدخلوا بعبادة الحج، والمراد بأشهر الحج ان نيّة الحج تنعقد في هذه الأشهر ولا ينعقد في غيرها، وهي شهران وعشرة أيام شوال وذو القعدة، وعشرة من ذي الحجة، وعند الإمام مالك كامل شهر ذي الحجة، وان هذه الأشهر هي معظّمة عند العرب قبل الإسلام كان الهدف منها حتى يتمكن العرب من كل القبائل وكل المناطق حتى يؤدّوا فريضة الحج لأن العرب قبل الإسلام كانوا يغزون بعضهم بعضاً ولا يجدون الأمان إلا في أشهر الحج والأشهر الحرم.

فقال: إذا كان الحج إحراما ولا حج من دون إحرام، فلنكن دائمي الإحرام ملبّين للّه حامدين شاكرين، وإذا كان الحج عبادة وفيه الطواف فيه سبعا والسعي سبعا والرجم سبعون، ففيه إعلان الولاء الكامل للّه والحرب على الشيطان، هذا ما يجب أن يكون الأوضح في سلوك المسلم وفي عبادته من إعلان الحرب على الشيطان والولاء لرب العزّة. فإعلان الحرب على الشيطان لا يجب أن تنحصر بأوقات الحج بل في جميع تصرّفات المسلم عبر الإبتعاد عن كل ما ينهاه الله وعدم الإستماع لوسوسة الشياطين، وإذا كان إعلان الحرب على الشيطان في أيام الحج عبارة عن رجم الجمرات، فإنه في خارج أيام الحج ممارسة فعلية ظاهرة في تصرّفاتنا عبر رفض كل ما يسوّله لنا الشيطان في أنفسنا.

وأضاف: كما وانني أتوجه بهذه المناسبة لكل المؤمنين الذين انعقدت نيّتهم لأداء فريضة الحج أن يستعدّوا لأداء هذه الفريضة لتبرئة ذمّتهم أولاً من الحقوق والواجبات وخاصة الديون ثم القيام بصلة الأرحام وتوديع النّاس وطلب المسامحة منهم حتى يخرج الحاج تائباً مقبلاً على الله تعالى، وكذلك ينبغي لمن انعقدت نيّته لأداء فريضة الحج أن يتعلّم أركان هذه الفريضة، وعلى المسلمين استقبال هذه الأيام بالتوبة والإقلاع عن جميع المعاصي حتى يترتب على أعمالهم المغفرة والرحمة والتوفيق، فالتوبة الصادقة النصوحة متأكدة في هذه الأيام كما انها واجبة في كل وقت من كل ذنب، لكنها في مثل هذه المواسم والمناسبات واجبة فإذا أصبح للمسلم توبة نصوحة مع أعمال فاضلة في أزمنة مباركة فذلك عنوان لصلاحه وفلاحه.