يعتبر مولد النبي صلى الله عليه وسلم في 12 من ربيع الأوّل أهم حدث للأمة البشرية على الإطلاق. فيمثّل مولد النبي مولداً للنور البشري كلّه، فعند ولادته تلاحمت دلائل الإيمان في الأرض وقلوب المؤمنين بخطاب السماء وانشرحت قلوب الخالق إذ أذن الله لسيد الخلق أن يظهر للوجود.. وجاء النبي وشاع النور في أرجاء الأرض وفرحت الملائكة والبشر، ثم جاءت الرسالة ونشرت نوراً يضاف إلى نور مولد النبي فاكتمل نور الإيمان في هذه الأرض..
فالمولد النبوي الشريف ليس عيداً من أعياد المسلمين بل هو يوم يفرح فيه المسلمين ويخلّدون ذكرى اليوم الذي جاء به منقذ البشرية من الظلام إلى النور والهدى.
فمناسبة ذكرى المولد النبوي الشريف من أهم المناسبات الإسلامية المؤاتية للاطّلاع على ما تركه لنا رسولنا وقدوتنا وإمامنا صلى الله عليه وسلم ولمعرفة حق المعرفة في جوانب حياته كلها..
ماذا يقول العلماء عن هذه المناسبة العظيمة وعن سيّد الخلق والبشرية؟
هذا ما سنعرضه في تحقيقنا التالي:
الخانجي
بداية قال الشيخ محمد الخانجي، إمام وخطيب مسجد قريطم: نعيش عبق أيام عطرة مباركة في شهر كريم، هذا الشهر ميلاد خير البريّة وسيد الخلق سيدنا محمّد صلى الله عليه وسلم ، فميلاد الرسول عليه الصلاة والسلام في مفهومنا ليس هو يوم معين ولا شهر يعدد أيامه وإنما هو كل يوم وكل شهر وسنة يجدّد البيعة والذكرى لرسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك بمعرفة حقه علينا وانه جاء ليخرج العباد من عبودية العباد إلى عبودية رب العباد وليخرج النّاس من ظلمات الجهل إلى النور وخصوصاً ما كانت عليه الأمة في تلك الحقبة من الضلال والجاهلية وما أشبه الأمس باليوم.
وأضاف: جميل أن نرى ما نراه اليوم من احتفالات أو إحياء الليالي بالتغنّي بجماله والحديث عن نوره وصفاته مما يدور في البلاد الإسلامية، ولكن هذه أشياء ظاهرية لا تغيّر شيئاً في باب الأخلاق والفضيلة، بل علينا أن نحيي ذكرى من أرسله الله رحمة للعالمين بما أمرنا به رب العالمين على لسان رسوله الأمين في كتاب الله الكريم بقوله تعالى: {قل ان كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم} فلنحيي ذكراه باتباعنا له بعبادته للّه تعالى وتطبيق سنّته وذلك باستعراض تاريخنا من العام إلى العام وننظر في هذا اليوم وما قمنا به من أعمال وما قطعنا من أشواط في طريق بناء الأمة في سبيل توحيد أركان الإسلام والدعوة إلى توحيد الله تعالى بالعبادة وإكمال ذلك ببيان شمائله وفضائله التي لا تُعدّ ولا تحصى، مشيراً إلى ان الاحتفاء بهذه المناسبة ليس لاستدراك نسيان لأن النبي لا يغيب عن بالنا وذكراه لا تفارق أسماعنا وقلوبنا حتى نجعل له يوماً نحتفي به بل هو مع كل مسلم في كل أوقاته وحركاته، ففي الأذان معنا رسول الله وفي الصلوات والخطبة والشهادتين وكل عمل صالح يقوم به المسلم.
واختتم قائلاً: هكذا نحيي ميلاد النبي وربما نتذكر الولادة لنجدّد البيعة والعهد لمبادلته بالحب والاخلاق الفاضلة التي علّمنا وأرشدنا إليها بقوله: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)، وإحياؤنا لذكرى المولد النبوي الشريف وذكرى رسولنا يكون بتحرّرنا مما اقترفناه بعده من انحراف من الفهم والمنطق والتطبيق لما جاء به واحترام الإنسان لإنسانيته وإعادة الاعتبار للتديّن الذي ضحّى من أجله حتى نكون خير أمة أخرجت للناس وفاء وصفاء وحباً واقتداء بحبيبنا المصطفى عليه السلام.
شعراوي
أما الشيخ د. خليل شعراوي، إمام وخطيب مسجد المكحل، فقال بدوره: في ذكرى ولادته صلى الله عليه وسلم تتجلّى علينا المعاني من كل حدب وصوب، كيف لا والله سبحانه وتعالى يقول {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً وَدَاعِيا إِلَى اللَّـهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُّنِيراً وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُم مِّنَ اللَّـهِ فَضْلاً كَبِيراً}.
ففي ذكرى مولده صلى الله عليه وسلم تنجلي الحقائق فتعلم الغث من الثمين، والحق من الباطل، والصادق من الكاذب، تتيقن أنَّه صلى الله عليه وسلم هو الرحمة المهداة للعالم أجمع، للكبير والصغير فهو القائل صلى الله عليه وسلم: «ليس منَّا من لم يوقر كبيرنا ويرحم صغيرنا ويعطي عالمنا حقه».
وكذا للحاكم والمحكوم فهو القائل صلوات ربي وسلامه عليه: «اللهم من ولّي من أمر أمتي شيئاً شقّ عليهم فاشقق عليه، ومن ولّي من أمر أمتي شيئاً فرفق بهم فارفق به»، فهو الرحمةُ المهداة باتباع ما أتى به والانتهاء عما نهى عنه {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا}.
هو الرحمة صلى الله عليه وسلم لصحابته لكل من سيأتي بعده، حيث قال صلى الله عليه وسلم لصحابته يوماً: «وددت أن لو رأيت إخواني، قالوا: أولسنا إخوانك يا رسول الله؟ قال: «انتم أصحابي وإخواني الذين يأتون من بعدي يود أحدهم أن لو رآني بأهله وماله»، فهو الرحمة للخلق جميعاً بكل ما تعنيه الكلمة من معنى.
فبذكرى مولده صلى الله عليه وسلم يتجدد ذكرى عزّ الأمة من مشرقها الى مغربها، يتجدد ذكرى وحدتها عندما كانت كالجسد الواحد، ويتجدد ذكرى الانتصارات والبذل والعطاءات لإعلاء كلمة لا إله إلا الله.
فمولده صلى الله عليه وسلم هو مولد أمة، مولد العالم، مولد الفقيه، مولد العابد، مولد الزاهد، مولد المجاهد، مولد الفكر، مولد العقل، مولد الخير، مولد كمال الدين وإتمام النعمة.
فذكرى مولده صلى الله عليه وسلم هي همّة الرجوع إلى دين الله، واللجوء إلى الله، والطمأنينة بذكره سبحانه.
ذكرى مولده صلى الله عليه وسلم هي كنفخة الروح في الجسد تعطي الحياة للأمة والفرد والمجتمع.
ذكرى مولده صلى الله عليه وسلم سيبقى يبث شعاع الأمل والعز والنصر لكل مؤمن بالله على وجه الأرض.
فاللهم صلِّ وسلّم وبارك على سيدنا محمد عدد خلقك ومداد كلماتك كلما ذكرك الذاكرون وغفل عن ذكرك الغافلون.