عند كل أزمة تستجدّ أو تحلّ في مجتمعنا اللبناني - الذي أصبح مترهّلا وقابلا للسقوط في أي لحظة - يخرج لنا بعض «اللامسؤولين» من هنا أو هناك ليقولوا بصوت كله ثقة: حماية الأسرة واجب وطني..؟!
ويبدأ «التنظير» حول أهمية الأسرة ودورها وقيمتها وأثرها في الأمن الاجتماعي وما شابه، فيتفاعل الناس ويهزون رؤوسهم تأييدا لما يسمعون.. ثم ينتظرون ترجمة الأقوال إلى أفعال فلا يجدون إلا السراب..؟!
حتى أصبحت «مصيبة الشعارات الجوفاء» التي تتكرر كل عام وفي كل مناسبة سمة بلادنا..
ففي كل مرة يطالبون بحسن رعاية الأسرة طبيا وغذائيا.. ثم يلعبون بأسعار الغذاء وأساليب العلاج وفق مصالحهم..؟!
يصرّون على حسن تلقّي الأبناء للتعليم الصحيح... ويجعلون الدراسة والتحصيل العلمي من المستحيلات...؟!
يناشدون بفضائل التربية والأخلاق الحميدة... وهم أول المسيئين إلى الأخلاق والفضائل والقِيَم...؟!
يطلقون الصرخات لتأمين سبل السلامة النفسية لأفراد الأسرة.. وهن أول أسباب التشاؤم والاحباط والخوف والتوتر في البلاد..؟!
متناسين أنهم السبب في غلاء المعيشة.. وفي صعوبة الحياة.. وفي ندرة العمل... وفي هجرة الأزواج.. وبالتالي هم السبب في انتشار المشاكل والخلافات داخل الأسرة وبالتالي وقوع آلاف الحالات من الطلاق...؟!
والأنكى أنهم «يكذبون ويصدقون أنفسهم»... فنراهم يقيمون الندوات ويشكّلون اللجان ويصدرون القرارات.. ثم تعود ريما إلى عاداتها «القبيحة» فتبقى القرارات حبرا على ورق..؟!
متى سنتحرّك؟
كتبنا مرارا وتكرارا... وطالبنا، الجميع دون إستثناء، السياسيين والمراجع الدينية والإعلاميين والمجتمع بأسره أن يبادروا بالسعي الحثيث لبناء منظومة واضحة المعالم تعطي الرجال والنساء المبادئ التي تمكّنهم من حسن بناء الأسرة، ولكن رغم ذلك لم يتحركوا.. بل بقوا على سوؤهم وفسادهم وجهلهم.. حتى تعايش الجميع مع الاعوجاج فصار مقبولا فانتشرت مفسدة «تهديم الأسرة» في بلادنا..؟!
فهل سنستمر هكذا؟..
وهل نحن سعداء بما نراه؟..
وهل سنرضى باستمرار هذا الانهيار التي طال كل شيء من حولنا حتى وصل إلى بيوتنا وأسرنا وأبنائنا..؟!
إن الأسر في بلادنا تئنّ تحت أثقال الضغوطات الحياتية والاقتصادية والاجتماعية والنفسية التي تقصم ظهرها كل يوم عشرات المرات، وزاد الحال سوءا مع حلول جائحة كورونا وما رافقها من سلبيات في بلادنا، وبدلا من أن ينتفض الجميع ليعيد ترتيب الأولويات فنساعد الناس على حسن تنظيم الحياة وفق سلم الأولويات، تركناهم وحدهم يصارعون في ميدان الحياة معركة... محسومة النتيجة.
بكل أسف.. لم نرَ مرجعا دينيا... ولا مسؤولا سياسيا.. ولا صاحب خبرة وقرار في مجتمعنا يبادر للالتفات إلى العائلات التي تعاني من بلادنا، ولم يسعَ أحد منهم إلى دراسة الوضع الذي أوصلنا إلى هذا الارتفاع المخيف في حالات الطلاق وفي نسب الخلافات داخل البيوت، بل رأينا منهم وخاصة الإعلاميين من يستثمر ما يحصل في سبيل تحقيق نسب مشاهدة عالية...؟!
ولذا نرفع الصوت عاليا لنقول لكل مسؤول في بلادنا... لا أيها السادة الكرام..
أحوال الأسرة اللبنانية - بمسلميها ومسيحييها - ليست فقط سيئة بل تنذر بكارثة خطيرة، ويا ويلنا إن لم نحسن التشخيص ثم العلاج ثم الوقاية.
فنحن اليوم نعيش في زمن الناس فيه أهملت القيم.. وأعرضت عن الفضائل.. بل وحاربت كل خلق محمود.. حتى بات شعار الحياة «أنا ومن بعدي الطوفان»..
بل أقول لكم.. أن الأسرة اللبنانية اليوم تشهد أسوأ مراحل مسيرتها، وإن لم نتحرك التحرّك الجاد القائم على التعاون بين كل مؤسسات المجتمع والدولة فلن تكون النتيجة إلا خرابا محتّما على رؤوسنا قبل رؤوس غيرنا، والطريق الأول والأساس هو العودة الصحيحة والسليمة إلى التعاليم الدينية الإنسانية الراقية التي جعلها الله تعالى حصنا متينا يمنع الدمار ويحمي من الانهيار.
كلنا مدانون
نعم أيها السادة..
كلنا مسؤولون.. ساسة ودعاة ومعلمون وإعلاميون ومحامون وتجار وصناعيون...
وكلنا أيضا مدانون، إن لم نحسن التحرك فكلنا مصابون.
باختصار.. «كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته»، ويا ويل الراعي إذا أهمل مسؤولياته، ولكن يا «ألف ويل» إن اعتبر إهماله حقا مكتسبا فضاع وأضاع جيلا بأكمله..
وما دمنا مصرّين على عدم الاهتمام بهذا الجانب وتركه عرضة لكل حدث هنا أو هناك دون أي اعتبار لهذا الجانب الخطير فلن نحصد سوى المزيد من الخراب الأسري والدمار العائلي في مجتمعنا...؟!
وحينها لن ينفعكم مركز ولا سلطة ولا كرسي ولا نفوذ...
بل ستنقلب الطاولة على رؤوسكم من قبل أبناء رأوا بأم أعينهم كيف كنتم بفسادكم السبب في تدمير أسرته... وتفقير أهله... وظلم عائلته... وتشريد أخوته... وهجرة أصدقائه..
أيها المعنيون في هذا البلد «المسكين بكم»!؟..
إن الأسرة اللبنانية اليوم وبسبب الأزمات المعيشية الظالمة التي تسببتم بها عند غالبية العائلات تعاني من التردّي العام والشامل حتى انفرط عقدها وضاع أبناؤها..
وإن كان النبي صلى الله عليه وسلم قد قال (كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْماً أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَقوتُ) فكيف بمجتمع كامل أصبح المسؤولون فيه أسياد من يضيع.. ومن يفسد.. ومن يظلم.. ومن يفكك... ومن يفتّـت..؟!؟
غفر الله لنا تقصيرنا... ولا بارك الله لكم..؟!