بيروت - لبنان

اخر الأخبار

22 نيسان 2022 12:00ص مع دخول العشر الأواخر من شهر رمضان الدعاة: لنُحسن استثمار ما تبقّى من الشهر حتى يكون ختامه صحيحاً

حجم الخط
فضّل الله سبحانه وتعالى أياما على أيام وشهورا على شهور‏ حتى شهر رمضان الذي فضّله الله على باقي الشهور‏، فضّل فيه العشر الأواخر وجعل ليلة القدر خيرا من ألف شهر‏.

وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم  يوصي أهله وأصحابه بقيام العشر الأواخر وتحرّي ليلة القدر والتي تعادل العبادة فيها عبادة ألف شهر، كما قال الله تعالى في القرآن الكريم {لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ}, وهي أيام العتق من النار, كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم : أوله رحمه وأوسطه مغفرة وآخره عتق من النار.

وإذا كان المسلم يجتهد في العبادة والصلاة وقراءة القرآن طوال أيام رمضان فعليه أن يكثر من الطاعات ويزيد من فعل الخير في العشر الأواخر وأن يضاعف عمله في الوتر من العشر الأواخر لأنه لو صادف ليلة القدر بهذه الطاعات فإنها تعادل عبادة 83 عاما وأربعة أشهر، وهذه رسالة لكل صائم أن يجتهد في العشر الأواخر، وكل من لم يجتهد في أيام رمضان فلديه فرصة للحصول على الأجر والثواب في هذه الأيام الكريمة.

حداد

بداية قال الشيخ الدكتور أسامة حداد، المفتش العام للأوقاف الإسلامية في دار الفتوى: صدق الله تعالى حين أخبرنا عن شهر رمضان أنه {أَيَّاما ‌مَّعدُودات} تنقضي سريعاً، وتغادرنا كلمح البصر، ولن تعود إلا بعد عام كامل، لا ندري ما الله صانع فيه، وعلى مَن تعود، أطال الله في أعمارنا على طاعته.

فلقد بدأت العشر وبدأ السباق، إنها ليالي العابدين، وملتقى الخاشعين، فيها يحلو الدعاء، ويكثر الصفاء، إنها ليالٍ معدودة وساعات محدودة، فيا خسارة من لم يضع جبهته ساجداً للّه فيها!

ويا نَدَمَ مَن لم يَذُقْ لذةَ المناجاة فيها!

ويا فوز من يبادر الدقائق فيها؛ ويا هنيئاً لمن اغتنم الأنفاس فيها...

وصفها رسول الله صلى الله عليه وسلم  بأنها عتق من النار، ولذلك كان يضاعف عبادته فيها، ويتقرّب إلى ربه بأنواع الطاعات، وقالت السيدة عائشة رضي الله عنها في وصف عبادة النبي صلى الله عليه وسلم  في هذه العشر: «كان إذا دخلت العشر الأواخر من رمضان، أحيا ليله، وأيقظ أهله، وشدَّ مئزره».

وكان في ليالي العشر يغتسل كل ليلة من لياليها بين المغرب والعشاء، أدباً مع تلك الليالي المباركة، واستعداداً لملاقاة الملائكة والروح جبريل فيها.

وكان يحثُّ أهله على الاجتهاد والإكثار من العبادة فيها، فقد ورد أنه كان يوقظ ابنته السيدة فاطمة الزهراء وزوجها سيدنا علياً رضي الله عنهما، ويقول لهما: «ألا تقومان فتصليان»، كما كان يوقظ زوجته السيدة عائشة رضي الله عنها بالليل إذا قضى تهجده وأراد أن يوتر.

ومن هذا يؤخذ استحباب إيقاظ أحد الزوجين للآخر، والحرص على ذلك، ويتأكد في مثل هذه الأيام المباركة، فإن فيه إعانة على الطاعة.

كان عمر رضي الله عنه يصلي من الليل ما شاء الله أن يصلي، حتى إذا كان نصف الليل، أيقظ أهله للصلاة، يقول لهم: الصلاة الصلاة، ويتلو هذه الآية الكريمة: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا}.

وفي العشر الأواخر يتحرّى المسلمون ليلة القدر راجين عطاء الله فيها. قال الله تعالى: {لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ}.

ومعناها أن ثواب قيام ليلة القدر افضل من الجهاد والتطوع ألف شهر أي بما يقارب 83 عاماً.

وقال النبي صلى الله عليه وسلم : «الْتَمِسُوهَا فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ» وينبغي لكل مسلم أن يستثمر هذه الليالي الفاضلة، بكل لحظاتها، ولا يضيّع شيئا من أوقاتها، بل يستغلّ كل لحظة فيها، بكل عمل صالح يقرّبه من خالقه، ينتقل من عبادة إلى أخرى، ومن طاعة إلى مثلها، فهو إما يتلو آيات ربه، يتأمّل في معانيها، وإما أن يشغل نفسه بالركوع والسجود، والقيام بين يدي الحي المعبود، وإما يخفف عن المساكين والمحتاجين ما يجدونه من الضيق وقلّة ذات اليد، فيعينهم ويصلهم بشيء يرجو ثوابه من الله تعالى، يقول النبي صلى الله عليه وسلم : «لأَنْ أمشيَ مع أخٍ في حاجةٍ؛ أَحَبُّ إليَّ من أن اعتكِفَ في هذا المسجدِ - يعني مسجدَ المدينةِ – شهراً».

وقال: إن المتأمّل في هذه الحياة يرى سرعة انقضاء الزمن، وعجلة مضي الأيام، كنا بالأمس نستقبل رمضان ونحن اليوم نودّعه..

ولم يكن بين استقبالنا ووداعنا إلا (أياماً معدودات) مرَّت بسرعة البرق الخاطف، وهذه هي حال الدنيا، فاجعلوا في انقضاء شهركم عبرةً تذكّركم بانقضاء عمركم، وهذا يدعونا الى اغتنام الأنفاس في العبادة والطاعة رجاء رضوان الله تعالى.

وأخيراً: ما نفع الصيام والقيام إن لم يهذّبا الأخلاق ويعلّما الرحمة والبر والإحسان، قال النبي صلى الله عليه وسلم : ربَّ صائمٍ ليسَ لَه من صيامِه إلَّا الجوعُ وربَّ قائمٍ ليسَ لَه من قيامِه إلَّا السَّهرُ.

اللهم اجعلنا ممن صام فاتقّى وقام فارتقى.. اللهم بلّغنا ليلة القدر وأكرمنا ببركاتها، واجعلنا من أسعد السعداء، وأتمّ علينا النعمة والهناء، والصحة والشفاء، وارفع البلاء، واصرف عنا الوباء وتسلّط السفهاء، برحمتك يا أرحم الراحمين.

الخانجي

أما الشيخ محمد الخانجي، إمام وخطيب مسجد قريطم، فقال بدوره: أسرعت أيامُ رمضان ولياليه، ومرَّ من رمضان عشرهُ الأوائل، ثم عشرهُ الأواسط، ولم يبقَ من رمضان إلّا الثلث الأخير والعشر الأواخر، عشر العتق من النيران، ولا يَزَالُ صيام رمضان يَرْتَقِي بالنَّفْسِ في مَدَارِجِ الكمالِ، حتى يَبلُغَ الصائمُ العَشْرَ الأواخرَ مِن رمضان، فقد خصّها الله تعالى بمزايا لا توجد في غيرها، وبعطايا لا سبيل في سواها لتحصيلها، وكذلك خصّها النبي صلى الله عليه وسلم  بأعمال لم يكن يفعلها في غيرها، فعن السيدة عائشة -رضي الله عنها- قالت: «كَانَ رَسُوْلُ اللهِ إِذَا دَخَل الْعَشْرُ؛ شَدَّ مِئْزَرَه، وَأَحْيَا لَيْلَه، وَأَيْقَظَ أَهْلَه».

في العشر الأواخر من رمضان تـُشـْرع للمسلم أنواع من أعمال البر والصلاح، من أهمها:

تحرّي ليلة القدر: ليلة القدر هي أعظم ليالي العام لقوله تعالى: {لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ} ومن عظيم فضل العشر الأواخر من رمضان أنها فيها. فلو قُدّر للمؤمن أن يصادف ليلة القدر متعبّدا للّه مخلصا له الدين لكانت وحدها خيرا له من عبادة حياته كاملة في الأجر والثواب.

ومن هذه الأعمال الاعتكاف في المساجد: وهو عبادة من أجل الأعمال الصالحات المستحبة في العشر الأواخر، فقد صحّ عن النبي صلى الله عليه وسلم  أنه «كَانَ يَعْتَكِفُ الْعَشْرَ الأَوَاخِرَ مِنْ رَمَضَانَ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ».

ومن الأعمال التي على المسلم أن يجتهد بها في هذه العشر المباركة الإكثار من تلاوة القرآن: فرمضان هو شهر القرآن والإكثار من قراءته بتدبّر وخشوع، قال تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ}، فينبغي استغلال أوقاته لا سيما عشره الأخيرة في التفرّغ لمدارسته ومذاكرته. وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم  يدارسه جبريل عليه السلام القرآن في كل يوم من أيام رمضان.

ومن المستحب الإنفاق في سبيل الله: فيستحب الإكثار من الصدقة في رمضان عامة وفي العشر الأواخر منه خاصة في غير سرف ولا خيلاء، إذ ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم  أنه «كان أَجْوَدَ النَّاسِ بِالْخَيْرِ، وَكَانَ أَجْوَد مَا يَكُونُ في رَمَضَانَ».

والإكثار من دعاء الله عزّ وجلّ حيث كان النبيّ -عليه الصّلاة والسّلام- يأمر أهل بيته بالدّعاء، وقد أخبر الله -تعالى- أنّه قريب من عباده يجيب دعواتهم، فقال تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ}، ولمّا سألت السيدة عائشة -رضيَ الله عنها- النبيّ -عليه الصلاة والسّلام- ما تدعو في ليلة القدر، قال لها أن تقول: (اللَّهمَّ إنَّكَ عفوٌّ تحبُّ العفوَ فاعفُ عنِّي)، على المسلم أن يحرص على الإكثار من الدّعاء طيلة شهر رمضان، ويتحرّى العشر الأخيرة منه، وخاصّة اللّيالي الفرديّة علّها تُوافق ليلة القدر، كما ويجب تجنّب الكثير من القول وفضول الكلام، والحرص على الكلام بخير، عملاً بقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم -: (مَن كانَ يُؤْمِنُ باللَّهِ والْيَومِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْراً، أوْ لِيصْمُتْ).