جاء في السنّة النبوية عن الرسول صلى الله عليه وسلم أن أسامة بن زيد رضي الله عنه قال: «يا رسول الله لم أرك تصوم شهرا من الشهور ما تصوم من شعبان؟ قال: ذلك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان، وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين، فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم»، ومن هنا استدلّ العلماء على استحباب الإكثار من الطاعات في رجب حتى لا يكون المسلم فيه من الغافلين.
صحيح أنه وردت كثير من الأحاديث التي تبيّن فضل شهر رجب، ولكن الأصح أنه لم يثبت من هذه الأحاديث إلّا القليل النادر..
فكيف يكون المسلم خُلقاً وعبادة مع دخول شهر رجب علينا..؟!
وماذا يمثل هذا الشهر من أبعاد إيمانية وخلقية، وخاصة في ظل الظروف السيئة التي نمرُّ بها في بلدنا لبنان؟!...
مزوق
بداية قال رئيس دائرة الفتاوى في دار الفتوى الشيخ وسيم مزوق، انه قال أحد السلف الصالح: رجب شهر الزرع وشعبان شهر السقي وشهر رمضان شهر الحصاد، وعلى المسلم أن يستعدّ لشهر رمضان بالتوبة إلى الله أولا وهذا مطلوب في كل يوم بل في كل لحظة، ولكن نحثّ العباد بالتوبة أكثر في هذه الأوقات المباركة لأن الناس يسألون: ماذا نفعل قبل شهر رمضان؟ فعلينا أن نستثمر إقبال الناس بأن يعودوا إلى الله عزّ وجلّ وهو القائل {وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفرحون}.
فشهر رجب هو شهر من الأشهر الحرم لأن أشهر الحرم أربعة أشهر، شهر فرد وهو رجب وثلاثة أشهر سرد وهم: ذو القعدة وذو الحجة ومحرم، وكان القتال محرّم في هذه الأشهر ثم نسخ رفع حكم التحريم (أي أصبح مبهم) ولكن بقيت في هذه الأشهر خصوصية ألا وهي مضاعفة أجر العبادة والعقوبة أعظم بحق مرتكبي المعاصي. وتابع قائلا: فها نحن الآن في شهر رجب، في شهر عظيم ومبارك، العبادة فيه أجر مضاعف فحريّ بنا أن نكثر من الصلاة والصيام والصدقة والتسبيح والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وسائر الطاعات من برّ الوالدين وصلة الرحم وذلك بعد أداء ديون الله أي قضاء ما علينا من صيام وقضاء الصلوات وإيتاء الزكاة، ولا بد أن نشير إلى أهمية الصدقة في هذه الأيام الباردة حيث يوجد أناس لا مأوى لهم أو ربما وجدوا المأوى لكن لا توجد وسيلة للتدفأة أو وجدت وسيلة التدفأة ولكن لم توجد مادة الوقود من مازوت وغاز لارتفاع الأسعار والغلاء الفاحش.
وقال: فعندما نتصدّق بشهر رجب فأجر الصدقة عظيم، وكان من دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الحمد للّه الذي أطعمنا وسقانا وكفانا وآوانا)، فعندما ندعو بهذا الدعاء نشعر بالنعم العظيمة التي نحن فيها، وقد روي من الأدعية أن نقول: اللهم بارك لنا في رجب وشعبان وبلّغنا رمضان. مختتما بالقول: انه لا يوجد صيام أو صلاة خاصة برجب، ولكن كما ذكرنا الأجر مضاعف في هذه الأيام المباركة فنكثر من الصيام والقيام ولعموم ما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عن فضل الصيام والقيام في كل الأيام.
البدوي
من جهته، قال الشيخ أحمد البدوي، إمام وخطيب مسجد المجذوب: يطالعنا شهر كريم عظيم عُرف بإسم شهر رجب وهو الشهر السابع من الأشهر العربية حسب التوقيت الهجري القمري، وكلمة «رجب» من مادة الترجيب بمعنى التعظيم، وكأن سرّ هذه التسمية هو ما كانوا يَخصّون به هذا الشهر من تعظيم وتوقير.
وسُمّي برجب الحرام: وذلك لأنه أحد الشهور الأربعة الحُرم، أي التي حرّمها الله تعالى في كتابه الكريم، بقوله تعالى في سورة التوبة: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ}، وهذه الأشهر الحُرُم هي: ذو القِعْدة وذو الحِجَّة والمُحَرَّم ورجب، وقد ورد عن الحبيب صلى الله عليه وسلم: «ألا إِنَّ الزمَان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض، السنة اثنا عشر شهراً، منها أربعة حُرُم، ثلاثة متواليات، ذو القعدة وذو الحجة والمحرم، ورجب مضر الذي بين جُمَاَدَى وشعبان».
وأضاف: دلالة أهمية هذا الشهر عند الله تعالى أن فيه كانت معجزة الإسراء والمعراج، وهي المعجزة الكبرى الثانية بعد القرآن الكريم التي اختص الله بها نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم، وقد أشار القرآن إلى الإسراء في قوله تعالى: {سُبْحَانَ الَّذي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آَيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}، كما أشار إلى المعراج في قوله تعالى في سورة النجم {وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى. ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى. فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَىمَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى . أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى. وَلَقَدْ رَءَاهُ نَزْلَةً أُخْرَى. عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى. عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى. إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى. مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى. لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى}، والمتمعن بالقصد الإلهي أن تكون ليلة الإسراء والمعراج في شهر رجب يرى أن فيها:
تكريماً للرسول صلى الله عليه وسلم، وتثبيتاً لفؤاده صلى الله عليه وسلم بعد وفاة عمه أبي طالب وزوجته السيدة خديجة بنت خويلد رضي الله عنها في «عام الحزن»، وبعد ذهابه إلى الطائف، واعتداء أهلها عليه صلى الله عليه وسلم وصبره صلى الله عليه وسلم على أذاهم من غير الدعاء عليهم وهو صاحب الأخلاق الحسنة العظيمة، ثم إطّلاعاً له على ملكوت السموات والأرض، وكأنها زيارة لطمأنة قلبه صلى الله عليه وسلم.
فنلاحظ ان شهر رجب جمع في طيّاته الكثير من الفضائل، فهو من أشهر الحرم، وشهر إسراء ومعراج الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، وشهر نصر في غزوة تبوك، وشهر نصرٍ للمسلمين لتحرير فلسطين والأقصى على يد الناصر صلاح الدين الأيوبي رضي الله عنه.