ها قد دخل شهر رجب علينا معلناً اقتراب خير الشهور شهر رمضان المبارك، وهو أحد الأشهر الحرم التي قال المولى تعالى فيها: {ان عدّة الشهور عند الله إثنا عشر شهراً في كتاب الله يوم خلق السموات والأرض منها أربعة حرم ذلك الدين القيم، فلا تظلموا فيهن أنفسكم}، ومن يتدبّر سير الصالحين عبر مختلف العصور يُدرك ان الاستعداد لشهر رمضان عندهم كان يبدأ قبل أشهر طويلة إيماناً منهم بفضل هذا الشهر الكريم.
واليوم في خضم التحدّيات التي نراها والمشاكل التي تحيط بنا من كل حدب وصوب بات حسن الاستعداد لإستقبال شهر رمضان حاجة أكبر، خاصة بالنسبة لجيل الشباب الذين يعانون من فقدان الأمل والتشاؤم والإحباط حتى أصبح احتضانهم وجمعهم وتوعيتهم على طاعة الله من المشاريع الدعوية المطلوب الاعداد لها.
ومن هنا كان السؤال ونحن في بداية شهر رجب: كيف نبدأ الإستعداد لخطط ومشاريع شهر رمضان المبارك؟..
وما هي القضايا التي نحتاج إلى معالجتها في أيام الصوم؟..
أسئلة كثيرة تدور في هذا المجال على الصعيد الدعوي والتربوي والإرشادي والاقتصادي - الاجتماعي وكلها تحتاج إلى تجهيز عالي المستوى حتى نصل ولو إلى جزء من الحدود المطلوبة..
فما هو رأي الدعاة والعلماء؟...
الكردي
بداية قال القاضي الشيخ أحمد درويش الكردي: ان شهر رجب من الأشهر الحرم وقد كانت العرب تعظم هذا الشهر الكريم، وفيه استعداد لاستقبال خير الأشهر شهر رمضان المبارك فقد جاء في الحديث الشريف: «رجب شهر الله وشعبان شهري ورمضان شهر أمتي»، من هنا نقول ان المسلمين يبدأون باستقبال شهر رمضان من شهر رجب فيعدّون العدّة من توبة وإنابة وإصلاح ورد للحقوق والمظالم حتى يستقبلوا هذا الشهر بنفوس ملؤها الإيمان ورجاء القبول من الله تعالى.
وأضاف: كذلك شهر شعبان، فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر من الصيام في شهر شعبان حتى قالت السيدة عائشة رضي الله عنها «لقد كان الرسول يصوم في شعبان حتى نقول انه لا يفطر»، وفي هذا تعليم للمسلمين حتى يستقبلوا شهر رمضان بشيء من صيام النوافل حتى تعتاد أجسامهم على أداء فريضة الصيام دون كلل أو ملل، وفي شهر شعبان ليلة النصف من شعبان وهذه الليلة المباركة دعانا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى احياء ليلها وصيام نهارها، وما لهذه الأشهر من أهمية فيجب اعداد خطة تثقيفية توجيهية من خلال تكثيف المحاضرات والدروس الشرعية للعلماء والطبية أيضاً لتعليم عموم المسلمين كيف يصومون هذا الشهر وما هي أحكامه وكذلك تعليم الصغار كيف يصومون وكيف يتلومون والتلوم معناه انه يطلب من الولد الصغير الصيام ولو نصف نهار حتى يستطيع صيام النهار كاملاً، فقد كان السلف الصالح يحتفلون بصغارهم الذين يتمون صيام شهر رمضان كاملاً.
وكذلك تعليم المسلمين الحكمة من الصيام، فلا يصح لمسلم أن يمتنع عن الطعام والشراب الحلال في رمضان ويفطر على كسب حرام أو مال مغصوب أو ترك للصلاة والعبادة مكتفياً بصيامه في رمضان... فاعداد هذه الخطة في شهري رجب وشعبان يؤتي ثماره في شهر رمضان، مختتما بالقول: «نتمنى من الله تعالى أن يبلغنا شهر رمضان وقد جاءت بشائر الخير والفرج والبركات وزوال الهم والحزن والخوف والفقر والوباء والبلاء عن المسلمين جميعاً».
القوزي
أما الشيخ د. مازن القوزي، رئيس دائرة المساجد في المديرية العامة للأوقاف الإسلامية، فقال: في واقع الحال ان تعاليم الدين الإسلامي الحنيف هي لا تقتصر فقط على أيام أو أشهر السنة، إلا انها تتميّز بلا شك بحلول الشهر الفضيل وهو خير أشهر السنة هو شهر رمضان المبارك والذي أخبرنا عنه سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وجاءت به الآيات الكريمة وعن فضائله انه شهر رحمة وغفران وشهر تسامح وإيمان وتعبّد، وهنا نقول أنه من الخير أن يبدأ النّاس من أيام رجب وشعبان بالصيام وحسن الاعداد لاستقبال هذا الشهر بالعمل الصالح والتهيؤ لمعانيه ومكارمه وأن يعيش الإنسان دوماً في جو من التسامح والرحمة والامتناع عن المحرمات واتباع العمل الصالح ورفع الظلم واحقاق الحق والعدالة والانصاف والشعور مع الآخرين...
وأضاف: ولا بدّ من خطة توجيهية في هذه الأشهر المباركة من خلال العلماء سواء في توجيهاتهم في المدارس أو أئمة المساجد لعرض التعاليم والمعاني التي فرض بها الصيام ومن أجلها الصيام منذ الآن ولغاية بلوغنا شهر رمضان، ولذلك كانت هناك أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم انه كان يصوم أياماً معدودة من السنة غير رمضان وهذا ما يعتبر تحضيرا نفسياً وجسدياً وفكرياً لهذا الشهر بشكل مريح.
فلذلك على كل إنسان مسلم ومؤمن أن يتحضّر لصيام ولو أيام معدودة من كل أسبوع، وأن يكون الإنسان يتدبر نوع الصيام ويشرح هذا الأمر لأبنائه وعائلته ونشره في المجتمع، وبالتالي يأتي رمضان وهو يعيش في هذا الجو الجميل ولا يصعب عليه الصيام به وبالتالي ينسحب ذلك على أشهر السنة كاملة للالتزام بإخلاقيات الشهر الفضيل ومعانيه ومقاصده.
واختتم بالقول: أتمنى أن تأتي هذه الأشهر على المسلم بكل خير وتتوّج شهر رمضان المبارك وأن يكون شهر بركة وغفران وسلام على كل الأمة العربية والإسلامية وأن يزيل عنا برحمته الوباء والبلاء والغلاء وكل فساد.