بيروت - لبنان

اخر الأخبار

7 كانون الأول 2020 12:00ص مع غرق الشعب في أطنان من المآسي والمعاناة: أين آثار المؤسسات والفاعليات الدينية في خدمة المجتمع وأهله؟

حجم الخط
أما آن لنا كمسلمين أن نبادر إلى العمل الجديّ والواعي لنكون على مستوى رقيّ هذا الدين العظيم خاصة في ظل هذه الأيام النحسات التي تبسط سوادها على مختلف محالات الحياة من حولنا، وأرجوكم لا يحدّثنا أحد عن الأسلاف وما قدّموه... فهم قوم فكّروا وتدبّروا وعملوا واجتهدوا وقدّموا ما يستطيعون، أصاب منهم من أصاب وأخطأ من أخطأ، فرحمهم الله وتقبّل منهم كل جهد بذلوه... وكفانا بكاء على الأطلال.. وافتخارا بأعمال لم نقم نحن بها..؟!

ولكن.. تفضّلوا حدّثوني عن يومنا.. عن حاضرنا.. عن واقعنا المزري الذي يشتكي في كل لحظة من اعوجاج فكرنا.. واندثار أعمالنا.. وانحراف مسارنا.. وغياب فاعليتنا عن حركة الحياة اليومية..؟!

حدّثوني عن تعاملاتنا المخزية مع أزمة كورونا وسلبياتها..؟!

وحدّثوني عن الفقر الذي اجتاح بلادنا واستوطن بيوتنا.. فكان موقفنا منه (التنديد)..؟!

وحدّثوني عن نفور الشباب ويأسهم وكيف كنا عاملا مساعدا بدلا من أن نكون معالجين للمشكلة..؟!

بل وأيضا حدّثوني عن تحوير وتزييف كل الحقائق لتكون إما مكسبا لنا.. وإما سترا على فسادنا..؟!

بالله عليكم.. ماذا قدّمنا في مختلف مجالات الحياة..؟!

الحقيقة المؤلمة

الحقيقة المؤلمة أننا أصبحنا كدعاة بشكل عام (وآسف على التعبير) عالة على المجتمع، نستفيد من خبرات كل الناس واختراعاتهم ومساهماتهم وابتكاراتهم.. ولا نقدّم شيئا من عندنا.. والأنكى أننا نصفهم بأبشع الصفات ونشتمهم ونسيء إليهم ثم نهرول للاستفادة من إسهاماتهم الحضارية والحياتية..؟!

في شوارعنا وفي بيوتنا وفي أخلاقنا وفي تعاملاتنا وفي تجاراتنا وفي مناهج تعليمنا وفي أسلوب دعوتنا وفي طرق خطابنا وفي كل الأمور, لم نقدّم منذ عقود طويلة ترجمة فعلية لحسن إيماننا بهذا الدين العظيم، بل العكس هو الصحيح، قلبنا كل حسن إلى قبح بسوء فهمنا وبلادة فكرنا ندرة مبادراتنا..؟!

وبدلا من أن نتدبّر آيات الله فنعمل على تحقيق التفاعل معها من خلال أعمال حضارية تفيد البشرية كلها وليس فقط المسلمين... ارتضينا القعود عن كل عمل إيجابي حتى أصبحنا و«اللا شيء».. مترادفين في المعنى والدلالة والأثر..؟!

وهنا يبرز السؤال الأكبر: هل من المقبول أن تبقى هذه الغربة عن ديننا هي العنوان الدائم للعصر الذي  نعيش فيه حتى باتت السائدة على كل ناحية من نواحي الحياة من حولنا...؟!

والأنكى أنه ترافقا مع هذه الآفة امتلأ المجتمع من حولنا بأشخاص وبأفكار وبوسائل تزيد من تشويه صورة الدين في نفوس الناس إلى الحد الذي دفع بالكثيرين إلى ترك الأمر بكليّته واعتباره سببا في الحروب والمشاكل، وطبعا لا أبرّر ابتعاد هؤلاء ولكني أعرض الواقع كما هو لعلنا نمشي في طريق الإصلاح.

فالناس الغارقون في أطنان من المآسي والمعاناة قد ملّوا من معارك كل المتكلمين على الساحة الإسلامية اليوم بلا إستثناء.. وملّوا من سطحية الحديث ومن قشور المركَّز عليه، بل أقول لكم الحقيقة المؤلمة..

لقد ملّوا من الكلام كله، لأنهم لم يروا منكم إلا الكلام... ولا شيء غيره..؟!

فهم يحتاجون إلى العمل الذي ينعكس بفوائده على أبنائهم.. 

يريدون أن يشاهدوا إنجازاً عملياً أو حياتيا واحداً يعيد الثقة إلى قلوبهم..

يطالبون بتحرّك حضاري - إنساني يشعرهم أنهم بشر وأنه ما زال من المتحدثين من يهتم بقضاياهم وأمورهم الحياتية..

فالكل يتحدث عن التقوى.. والكل يتحدث عن الإيمان.. والكل يتحدث عن العدالة.. ولكن من الذي يترجم حديثه إلى عمل يصدق أقواله..؟!

السؤال الأكبر

وهنا يبرز السؤال الكبير.. ما العمل إذن..؟!

العمل.. أن نعيد أولا الصياغة الثقافية للمجتمع فكريا ونفسيا واجتماعيا لنزيل تلك الشوائب وننزع تلك الأحكام المسبقة ثم نزرع مكانها الأفكار الصحيحة التي تجعل الناس يتعاملون مع الإسلام برقيّ وحضارة من حيث الفهم والتطبيق، وهذه طبعا مسؤولية ليست بسهلة ولا بيسيرة، وإنما تحتاج إلى جهد كبير وشاق في سبيل التغيير على أن تتزعم هذه المسؤولية المؤسسات الدينية التي من المفترض (؟!) أنها تعمل لنشر الوعي والعلم الصحيح في المجتمع؟!

وثانيا.. علينا أن نحسن التربية ليكون الدين مكوّنا رئيسا في حياة الأبناء يتعاملون معه كما أمر الله لا كما تعوّد المجتمع، وبالتالي يصبح فهمهم للدين سببا في تقدّم الأمة وتطوّر المجتمع وحضارة الجيل بدلا من أن يكون حسب الفهم المنتشر طريقا إلى التقاعس والعجز والتراجع.

وثالثا.. علينا أن نركّز جدا على تعزيز ملكة الرقابة الذاتية في داخل كل نفس حتى يكون الإيمان صحيحا، فلا يقدم صاحبه على أي فعل أو قول أو تصرف أو سلوك إلا وهو يعلم تمام العلم أنه متوافق مع كتاب الله وسنّة رسوله صلى الله عليه وسلم.

إننا أيها السادة... بشر كرّمنا الله تعالى وفضّلنا على سائر المخلوقات حتى نعمل ونبدع ونصلح ونعمل عقولنا في كيفية عمارة الأرض، وأول العمارة عمارة الإنسان وبناؤه البناء الصحيح من كل النواحي.. وبذلك نقدّم للمستقبل تاريخا مشرفا يفخر به الأبناء والأحفاد، أما إن أبينا وأصرّينا على الجهل المتعمّد الذي بات (مقدّسا)... فنحن قوم أهانوا أنفسهم بأيديهم.. ثم ادّعوا زورا وبهتانا المظلومية حتى صدّقوها، فـ(ماتوا) في ذلّها وإن ادّعوا الحياة..؟!