بيروت - لبنان

اخر الأخبار

27 كانون الثاني 2023 12:00ص مفتي بعلبك الشيخ بكر الرفاعي لـ«اللواء الإسلامي»: لحظة التغيير يجب أن تبدأ.. وإلّا لن نخرج من الدائرة المُعيبة التي أوصلونا إليها

مفتي بعلبك الشيخ بكر الرفاعي مفتي بعلبك الشيخ بكر الرفاعي
حجم الخط
«نحن نؤمن بمجتمع مؤمن يفكّر وينتج الحياة، مجتمع يعتبر العلم والمعرفة طلائع متقدمة تستكشف للناس طريق الحياة، تغنّت الأممُ عبر العصور بمُثلٍ عليا وقيم إنسانية، وناشدت عبر التاريخ السمو والرفعة بل وجعلت مبتغاها سامياً عاليا راقيا إلى حيث الوصول إلى المواطنة الصالحة.
فالمُجتمعُ الذي يشعرُ فيه المواطنُ أنه مدعو ليبني قدر ما يستطيع وينظر إلى نفسه على أنّهُ جزءُ لا يتجزأ من هذا البنيان المرصوص، وأن سرّ قوّته يكمنُ في مدى ثقافته ووعيه وانتمائه لأرضه، والإنسانُ يولدُ ورقةً بيضاء والمجتمع خارج أسوَار المَدرسة والأسرة هو من يعلِّمُ المرء كيف يعيش وكيف يكون، إمّا فرداً من سرب يسمو ويتألق في السماء، وإما فرداً من قطيع يجترُ كلّ يوم ما تراكم من ويلاته وكبائره».
بهذه الكلمات افتتح مفتي بعلبك الشيخ بكر الرفاعي كلامه في الحوار الذي أدلى به إلى (اللواء الإسلامي)، مؤكدا إنه لزام على مجتمعنا التعلّم كيفية زراعة قيم الإنسان الفاضل الشريف المؤمن الواعي والعاقل، الذي به يُبنى مستقبل الوطن الذي ينشده الجميع».

رؤى تنموية
{ بداية ما هي رؤيتكم التنموية لإفتاء بعلبك؟
- خلق الله تعالى الإنسان وجعله خليفة على الأرض، فإذا كان مفهوم الإستخلاف يقتضي عمارة الأرض وتنميتها والارتقاء بالإنسانية حضاريا وثقافيا وماديا فإن عماد التنمية إذا لا يكتمل إلا بعنصرين أساسيين:
١. الموارد البشرية.
٢. الموارد المادية.
أما بالنسبة للموارد البشرية المختصة والعارفة والخبيرة فلدينا الكثير من الشباب الواعد والصادق والمؤمن بدينه ووطنه من أصحاب الخبرة والإختصاص، وقد باشرنا معهم في وضع الخطط وتمهيد الطريق لإدارة عجلة التنمية واستدامتها في جميع المرافق والمؤسسات التابعة لدار الإفتاء في المنطقة، نضع مع شبابنا البرامج، نستشرف معهم المستقبل، نستشعر التحديات ونواجهها.
أما بالنسبة للموارد المادية فهي تنقسم إلى:
١. الأصول.
٢. الرصيد المادي.
بالنسبة للأصول فإن مديرية الأوقاف في محافظة بعلبك الهرمل تملك الكثير منها (عقارات - أبنية - أراضي زراعية - محال تجارية - مساجد - الخ..) بعض هذه الأرصدة مهجورة بغير إستصلاح ولا إستثمار، والبعض قد أُعتدي عليه بغير وجه حق شرعي أو قانوني، وبعضها يستثمر وينتج، ونحن نربأ بأهلنا الذين يستخدمون أملاك الأوقاف بإيجارات زهيدة أو يعتدون عليها أن يمدّوا يد العون لإيجاد الحلول المناسبة والمرضية للّه أولا ثم للمؤسسة الدينية الرسمية الراعية والمسؤولة، فخطتنا إذا هي الإستفادة من مواردنا الإقتصادية واستقطاب الإستثمارات ضمن ضوابط الشريعة والقانون.
أما بالنسبة للأرصدة المادية فإن الإستثمارات الصحيحة واستجلاب المشاريع والدعم الدائم الذي تلحظنا به دار الفتوى في الجمهورية اللبنانية وعلى رأسها صاحب السماحة مفتي الجمهورية الدكتور الشيخ عبداللطيف دريان، وما نأمله من أهلنا في داخل البلاد وخارجها من مد يد التعاون والتعاضد يبشّر كله بخير خاصة أننا في صدد إعادة تفعيل صندوق الزكاة في المحافظة بعد أكثر من عشر سنوات، الآمال كثيرة والتحديات جسام والموفق الله.
{ وهل سنرى بإذن الله تعاونا بين مفتيي المناطق في سبيل تحقيق الرؤية التوعوية للمناطق كلها؟
- ليس من المعقول أن ندعو إلى بناء أفضل وأحسن العلاقات مع شركائنا في الوطن ولا نطبقها ونسعى إليها ونعمل لأجلها في البيت الواحد وفيما بيننا نحن كَدور إفتاء في المناطق، خاصة أنه تربطنا علاقات أخوية ومتينة وممتازة مع المفتين القائمين على رأس تلك الدور دون استثناء، وما اللقاء البقاعي الذي حدث في الأزهر الشريف في ١٥/١/٢٠٢٣م إلا خطوة لبناء غرفة عمليات مشتركة بين دور الإفتاء تمتد على كامل أرض الوطن تؤكد أننا كل لا يتجزأ مع مراعاة خصوصية كل منطقة وظروفها.
تحسين أحوال الدعاة من أولوياتنا
{ وما هي الخطط التي ستعتمدها لتحسين أوضاع الدعاة والأولويات التي ستبدأ بتفعيلها في هذا الإطار؟
- يعاني اليوم الدعاة مما يعانيه جميع المواطنين في هذا الوطن المكلوم المتصدع، وإن الأئمة والخطباء من أكثر الناس تأثيرا في مجتمعاتهم، ولم يعد دَورهم مقتصر على الدعوة، بل تعددت المسؤوليات والمهام وتشعبت، وهذا يحتم علينا أن نجعل الإهتمام بهم في سلم أولوياتنا لكفايتهم ماديا ومعنويا لتشمل تلك الكفاية الضمان الإجتماعي والتأمين الصحي لهم ولعيلهم وكذلك لجميع العاملين في المؤسسة الدينية الرسمية، وبطبيعة الحال المؤذنين وخدم المساجد، كذلك سيعقد إجتماعا دوريا لجميع الدعاة في كل المحافظة للتشاور والنقاش ويترافق اللقاء مع إقامة دورات تدريبية وتأهيلية لنتساعد في أداء المهام ومواجهة التحديات، مع الإشارة أنه لن يُسمح بعد اليوم أن يكلف أو يعتمر العمّة أو يعتلي المنبر أي أحد دون خضوعه لكافة الإجراءات الشرعية والرسمية والقانونية، وأخيرا يساعدنا في كل ذلك أننا كدعاة وأئمة في محافظة بعلبك - الهرمل متفقون منسجمون متعاونون فيما بيننا والحمد للّه رب العالمين.
كلمة للمجتمع كله
{ وما هي كلمتكم للدعاة و أيضا للمجتمع..؟!
- الدعوة إلى الله تعالى فرع من شجرة المحبة التي غرسها النبي صلى الله عليه وسلم في قلوب أتباعه، محبة الناس ومحبة الخير لهم.
والدعوة إلى الله هي التعبير الصحيح عن الرغبة في انتشار الهداية والنور، هي شرف هذه الأمة ووظيفتها، وإذا كان لا بد من كلمة للدعاة الذين وفّقهم الله تعالى لهذه المهمة فليحرصوا على استثمار هذه المكانة لتعليم الناس الدين القيّم الحنيف بالحكمة والموعظة الحسنة وتعليمهم كذلك المحبة والسلام والفضل، ونشر ثقافة الحوار والتعايش بينهم ليكونوا عامل استقرار في المجتمع والدولة، لا عامل فتنة وتأجيج للصراعات الداخلية والخارجية.
الداعية الناجح هو المخلص للّه في دعوته الفاهم لواجباته الفقيه بواقعه، لذلك نحن بحاجةٍ إلى تطوير حقيقيّ في أدوات الدّعاة والمُصلحين لفهم الواقع وإدراكه، وهذا ما يفرضه الواقع سريع التغيّر والانفتاح بين البيئات الواقعيّة من جهة، وبين العوالم الواقعيّة والافتراضيّة من جهةٍ أخرى، وهذا يحتم علينا التّعامل مع فهم الواقع بوصفه ركيزةً رئيسةً لفهم النصّ، وفي هذا لا يكفي حفظ النّصوص، بل لعلّنا نقول: إنّ فقه النّص لا يتوفّر على حقيقتِه إلا بفَهم الواقع.
أقول للدعاة.. نحن بحاجة إلى خطط وإلى أعمال دعوية وأخلاقية وأسرية وتربوية واجتماعية تصب كلها في إطار تكوين مناعة ذاتية في نفوس الناس يميزون من خلالها الخير من الشر.
وإذا كان الباطل قد استفحل في استخدام جميع الأدوات المتاحة، واستنهض كل طاقته في الشر ليهدم القيم ويحارب الفضيلة ويضرب عن دراية مواطن الثقة في منهج الحق سبحانه، فيدعو تارة إلى الإلحاد ويتبجح تارة في الدفاع عن الشذوذ، ويتباهى بأُخرى بدفاعه عن الظالمين، فأنتم أيها السادة الدعاة الأمل في إعادة الأمور إلى نصابها بإبطال تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين.
قدوتنا كدعاة ومصلحين هو سيد الدعاة وإمام المصلحين صلى الله عليه وسلم، وإنه وأيم الله كان يصل الرحم، ويصدُقُ الحديثَ، ويحمِل الكَلَّ، ويُكسِب المعدوم، ويقري الضيف، ويعين على نوائب الحق، وينصر المظلوم، وأخيرا: «حال رجلٍ في ألف رجل خير من قول ألف رجلٍ في رجل».
أما عن المجتمع فلا ينفصل الحديث عن الدعاة من حديث عن المجتمع، فكلمتي لمجتمعنا تتداخل حروفها مع كلمتي للدعاة، تداخل الماء مع الماء، فكيف نصلح مجتمعا بغير أذن صاغية واعية تسمع الحق والخير والبشرى والموعظة؟ بل كيف يرقى مجتمع لا يسمع داعي الله يدعو إلى ما فيه خيرَي الدنيا والآخرة، وإذا كان الباطل قد استفحل في استخدام جميع الأدوات المتاحة، واستنهض كل طاقته في الشر ليهدم القيم ويحارب الفضيلة ويضرب عن دراية مواطن الثقة في منهج الحق سبحانه، فيدعو تارة إلى الإلحاد ويتبجح تارة في الدفاع عن الشذوذ، ويتباهى بأُخرى بدفاعه عن الظالمين، فأنتم أيها السادة الدعاة الأمل في إعادة الأمور إلى نصابها بإبطال تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين.
وأخيرا فإن اللحظة الحاسمة للتغيير يجب أن تبدأ، وإلا لن نخرج من الدائرة المعيبة التي أوصلت البلاد إلى ما نحن فيه، ولعل الانقسامات العامودية والأفقية في مجتمعنا لهي القاسمة لظهر الوطن، والإصلاح يبدأ في إصلاح ذات البين وتقديم العام على الخاص وإزالة العراقيل التي تحول دون الانتظام العام. ختاما حمى الله أسرنا ومجتمعاتنا وبلادنا وجعل الله هذا البلد آمنا مطمئنا والسلام.