جاء في أحد المؤلفات خطأ أن محكمة بيروت الشرعية كانت سنة 1899م برئاسة القاضي إسماعيل رامز بك. والحقيقة أن إسماعيل رامز بك تولى نيابة القضاء الشرعي في بيروت مرتين سنة 1889 و1894 نقل بعدها نائباً إلى ولاية ديار بكر حيث توفي فيها كما نشرت ذلك صحيفة ثمرات الفنون في 15 تموز 1895م وقالت عنه الصحيفة «كان المرحوم عالماً جليلاً واسع الإطلاع لاسيما في القوانين وتقلد عدة مأموريات مهمة كرياسة محكمة التمييز في دار السعادة (الأستانة) ومفتش الحكام ووظيفة تدقيق القضاة ومستشار الصدرين .
وكان هذا القاضي محبوباً ومحترماً اشتهر بالفقه والعدل. تناقل الناس عنه انه كان يذهب الى مركز عمله ماشياً وفي أحد الأيام التقى به أحد أولاد الأغنياء فدعاه للركوب معه في عربته فأبى القاضي ذلك قائلاً للشاب الغني: إذا تعودت أنا ركوب العربات تتعرضون أنتم للمشي حفاة. يريد بذلك أن حياة الترف تقود إلى الإسراف وإسراف الموظف يجره إلى الرشوة وابتزاز أموال الناس، وهذه من الدواعي التي تعمل على إفقار الشعب وإذلالـــه. وكان الشيخ علي العمري الطرابلسي صاحب الكرامات يزور هذا القاضي عندما يأتي الى بيروت وكان جمال ابن القاضي يعتقد بكرامة الشيخ العمري ويكرمــه وكان إسماعيل رامز يزور المدارس الإسلامية باستمرار ويطلع على أحوال التلامذة وقد أهدى مكتبة المدرسة الإعدادية نسخاً من كتاب صحيح مسلم. وقد شهد مجلسه النظر في عدة قضايا منها ما يتعلق بتسجيل الأوقاف ومنها ما يبت في حقوق الجوار والحكم في قضايا القتل.
أوقاف على فقراء الكاثوليك والأرثوذكس وخلوة عيتات
شجعت سيرة القاضي إسماعيل رامز على عمل الخير الذي تمثل في الحضور الى مجلسه والإقرار بوقف عدة عقارات. ففي الحادي والعشرين من شهر ربيع الثاني سنة 1306هـ/1889م حضر موسى ابن حنا ابن موسى فريج الى المجلس الشرعي ووقف ما هو له وجار في ملكه وتصرفه والموقوف المخزن الكائن في محلة الشيخ رسلان في الخان الجديد المعروف بخان البربير قرب جمرك بيروت يحدّه غرباً خان الملاحة وذلك على فقراء جمعية مار منصور بولص الكاثوليك الرومانية وجعل النظر لشقيقه سليم أحد رؤساء الجمعية وإذا انحلت الجمعية عاد الوقف على فقراء طائفة الروم الملكيين الكاثوليك.
وفي الثالث عشر من شهر ذي القعدة سنة 1310هـ / 1893م حضر نصر الله بن طنوس بن جرجي الخياط الى مجلس القاضي المذكور ووقف الدار الكائنة في محلة الرجال الأربعين يحدها شمالاً وقف طائفة السريان وغرباً وقف فقراء طائفة الأرمن الكاثوليك ووقف أيضاً الدار الكائنة بالمحلة المذكورة قبلتها وقف فقراء الرهبنة المارونية ووقف داراً ثالثة وقفاً على فقراء طائفة الأرمن الكاثوليك بمدينة بيروت.
وفي غرة ذي القعدة سنة 1211 هـ /1894م حضر فرنسيس بن ميخائيل بن فرنسيس يارد الى مجلس القاضي ووقف الدار الكائنة بمحلة الشرقية بزقاق اليهود داخل بيروت ثمانية قراريط منها على فقراء طائفة الروم الكاثوليك في بيروت و16 قيراطا على فقراء بني يارد الإناث وإلا عاد الى أولاد المذكور وإلا على فقراء الطائفة وإذا لم يوجد فقراء فيها عاد الوقف على فقراء جميع الطوائف في بيروت.
وفي آخر شعبان سنة 1310 هـ /1893م حضر الى مجلس القاضي المشار اليه الشماس ارسانيوس بن جرجس بن حنا الحداد وكيلاً عن غفرائيل بن نعمة الله بن حنا شاتيلا مطران الروم الأرثوذكس في بيروت ولبنان ووقف مدرسة البنات المسماة باكورة الإحسان.وفي الثاني عشر من شهر ربيع الثاني سنة 1306 هـ /1889م وقفت حنه بنت قسطنطين بن طنوس فياض الثمن من قطعة أرض بمحلة الصيفي على فقراء بني فياض في بيروت وبعدهم على عموم فقراء طائفة الروم الأرثوذكس في بيروت. وفي الرابع عشر من شهر جمادى الثانية سنة 1306 هـ/1889م أقر ورثة ميخائيل بن سلوم ابن جرجس أبي عون المجدلاني بأن مورثهم وقف حال حياته على فقراء كنيسة ميخائيل وجبرائيل قطعتي أرض بمحلة مزرعة العرب وأنه إذا الغيت الكنيسة يكون وقفاً على فقراء طائفة الروم الأرثوذكس في بيروت.
وفي الخامس والعشرين من شهر جمادى الثانية سنة 1306 هـ / 1889م حضر الى المجلس الشرعي ملحم بك بن الشيخ ضاهر ابن الشيخ محمد بن عباس ابن حسين محمد تلحوق اصالة ووكالة عن سعيد فاعور حمد تلحوق وأقر بأن ندى بنت شاهين محمد تلحوق وقفت حال حياتها عدة قطع أرض في رأس بيروت في زقاق الحمرة وزقاق جبّ النخل برأس بيروت يحدها شاطىء البحر وفي زقاق الرمل بالمصيطبة ، على ذريتها الذكور وإلا على الإناث وإذا لم يوجد أحد يكون وقفاً لفقراء خلوة عيتات.
ثلاثة من مؤسسي المقاصد خبراء في دعوى منع الكشف
شهدت المحكمة الشرعية عدة قضايا متعلقة بحقوق الجوار أكثرها ناشىء عن تجاور البيوت وتلاصقها، ومن هذه القضايا الكشف من أحد البيوت على فسحة دار الجوار وقد سبق وعالجنا هذا الموضوع في كتابنا حقوق الجوار في الشريعة الإسلامية والقوانين الوضعية تعليقاً على فتاوى لمفتي بيروت الشيوخ محمد الحلواني وعبد اللطيف فتح الله وأحمد الأغر.
وشهد مجلس القاضي إسماعيل رامز قضية مماثلة عندما حضر عمر بن الحاج مصطفى بن عبد الرحمن القباني في الثاني عشر من شهر شوال سنة 1305 هـ /1888م وادعى على جارته ليلى بنت محيي الديــــــــن بن عبد الحليم خطاب الشامية أنها أحدثت عليّة فوق غرفة دارها في محلة الباشورة وجعلت لها باباً وشباكاً كاشفين مع سلم خشب يصعد اليها على فسحة داره العلوية والسفلية وعلى مطبخيهما التي هي مقر النساء وجولانهن وقد أجابت ليلى بأن عمر هو الذي كاشف من واجهتي داريه على فسحة دارها التي هي كذلك مقر النساء وجولانهن وطلبت منع الكشف فجرى الكشف على الدارين بحضور ثلاثة من مؤسسي جمعية المقاصد وهم محمود عبد الغني عمر رمضان وأحمد سعيد مصطفى دريان وسعيد سعيد عبد الله طرباه فتعرف فريقي الدعوى انه يلزم كلاً منهما منع الكشف المحدث منه على الآخر وتعهد كل منهما بمنع هذا الكشف.
التبرك بإسم النبي صلى الله عليه وسلم وبأسماء الصحابيات
يذكر ان عادة التبرك بإسم النبي صلى الله عليه وسلم كانت وما زالت شائعة في بيروت وذلك بسبق الاسم بكلمة محمد أو احمد. ولم تكن عادة التبرك بالنسبة للبنات بأسماء الصحابيات شائعة في بيروت كما هو الحال في طرابلس الشام. ومن الوثائق الصادرة في مدة قضاء إسماعيل رامز بك وثيقة مؤرخة في التاسع عشر من شهر صفر الخير سنة 1310 هـ/1892م وقد ورد فيها التبرك بإسم النبي صلى الله عليه وسلم وبأسماء الصحابيات، فأثبتت الوثيقة وفاة شيخ الحرم المدني محمد شوكت بلحش ابن محمد صادق وانحصار إرثه بأولاده (محمد) عصمت و(محمد) صفوت و(محمد) نصرت و(فاطمة) مطهرة و(عائشة) رفيعة و(أمينة) ناجية.
إلزامية الحصول من المحكمة الشرعية على سند تمليك
إنفاذ للتعليمات السلطة ممثلة بإدارتي الطابو والأملاك بوجوب الحصول على سند تمليك تقدم كثيرون من المحكمة الشرعية بطلب الحصول على وثيقة تثبت الحق بالتملك . فبموجب الوثيقة المؤرخة في الثاني والعشرين من شهر ربيع الأول 1306 هـ/1889م طلب الحاج محمد بن حسين بن علي بليق أبي مرق إثبات حقه بقطعة أرض في محلة الباشورة ضمنها بناء غرفة يحدها شرقاً بعضه الشيخ أحمد بن الحاج بكري بن اعرابي قنبريس وبعضه ملك عمر بن اعرابي قنبريس.
خطط بيروت من وثائق تحرير تركات أغنياء البيارتة
في سجل القاضي رامز بك عدة وثائق تتعلق بحصر ارث بعض المتوفين من أغنياء البيارتة وذكر أموالهم المنقولــــــة وغير المنقولة. ويمكن من خلال هذه الوثائق التعرف على مواقع محلات بيروت وخاناتها وحماماتها. فمن تركة عمر بن درويش بن رجب الغزاوي 1200 سهماً من ثلاثين مخزناً في محلة الدباغة وعدة حارات في محلات الباشورة ورأس بيروت والدباغة والحمام الجديد عند باب الدركاه والحمام الصغير (13 جمادى الثانية 1307 هـ).
ومن تركة أسعد بن إسحق ابن ابراهيم ثابت عقارات في محلة الدحداح وفيها كرخانة الدحداح للحرير. وأرض في زقاق عصّور قرب باب الدركاه والخان الصغير بالمحلة المذكــــــــــــــورة (المعروف بخان ثابت ضرب فيه المثل؟) ودكاكين في باب يعقوب وفي الخان العتيق بسوق البازركان وفي ميناء البصل من محلة الكرنتينا (كانت الكرنتينا قديماً داخل غرب بيروت) وخان البربير ودكاكين داخل الخان المعروف بخان الصاغة بسوق البازركان ملاصق لجامع الأمير منذر.إضافة لعدة قطع في جبل لبنان منها كرخانة حرير في الطيونة الـــــخ ( غرة شعبان 1305 هـ).
جريمة قتل خليل الغرزوزي قرب المدرسة الكلية
ترأس القاضي إسماعيل رامز بك في الثامن عشر من شهر جمادى الأولى سنة 1305 هـ / 1888م النظر في دعوى قتل خليل بن الياس بن حنا الغرزوزي في دكان لطف الله ربيز في رأس بيروت قرب المدرسة الكلية (الجامعة الاميركية) بسكين جارحة في صدره. واستمع الى عدة شهود وجدت شهاداتهم غير مقبولة شرعاً لعدم موافقتها للدعوى ثم طلب من والدي القتيل عرض اليمين الشرعي على القاتل فلم يشاءا تحليفه فردت دعواهما لعجزهما عن الإثبات.
* محامٍ ومؤرخ