تولى عمر فخر الدين المكي نيابة بيروت خلال سنتي 1328 - 29 هـ/ 1910 -11م وقد حفلت مدة نيابته بعدة أحداث ظهرت من خلالها شخصيته المتدينة المتشددة، كما حصل سنة 1911 فقد كان اهالي بيروت يعتبرون ان مدرسة الصنائع انشئت من اموال تبرعاتهم ومن الأراضي التي وقفوها في موقع الرمل وبالتالي فان ملكية المدرسة وإدارتها يجب ان يعودا إما الى جمعية المقاصد وإما الى ادارة الاوقاف الاسلامية، وعارضوا انتزاع الحكومة ملكيتها منهم . وتمثل هذا الرفض بما ذكرته صحيفتا المفيد والاتحاد العثماني سنة 1911م بمناسبة الاحتفال بذكرى المولد النبوي الشريف الذي اقيم في ساحة مدرسة الصنائع، من ان قاضي بيروت الشرعي (عمر فخر الدين) ومفتي بيروت (الشيخ مصطفى نجا) ونقيب الاشراف (الشيخ عبد الرحمن الحوت) تخلفوا عن حضور الاحتفال. وان لجنة مكتب الصنائع كانت قد وضعت امام الباب الرئيس للمكتب يوم الاحتفال صندوقاً لتلقي تبرعات الإعانة للمكتب فلم يوجد في الصندوق ولا متليك واحد اعتراضاً وإظهاراً لغضب الاهالي من عدم رد الحكومة العثمانية المكتب اليهم الممثلين بجمعية المقاصد الخيرية الاسلامية (شعبة المعارف الأهلية) او بإدارة الأوقاف. وقد تنجلي حقيقة مراحل انشاء مدرسة الصنائع عندما تكشف سجلات الارشيف العثماني
القاضي عمر فخر الدين والبدع
في معرض خلاف بين زوجين ، طلب الزوج فونوغراف وهو آلة للتغني ولا يصلح لشيء آخر مع ستة عشر قالباً للتغني عيناً أو قيمة ذلك وهي ثمانماية وثلاثين قرشاً وثلاثون بارة. فبناء على أن آلة اللهو والطرب مستحق الكسر ولا قيمة لها شرعاً ما دامت آلة للهو، فقد أجرى القاضي التنبيه على الزوجة بأن لزوجها أنقاضه، وأفهمها بأن تكسره وتعطيه مكسراً إن كان معها.
وفي قضية أخرى وبعد وفاة الحاجة خانم عبد الله قريطم تركت ثمانية عشر الف قرش وماية ليرة عثمانية وأثاث بيت مختلف منها ثوب ستكروزة وآخر عنبركيز وقمصان نوم باتيسته قيمتها سبعة الآف وسبعماية واثنان وستون قرشاً وطلبت شقيقتها حصتها من التركة وأوضح أبن عمها بأنه صرف عن المرحومة ستماية وأربعة وخمسين قرشاً الى الأطباء أجرة مداواتها وماية وسبعة وخمسين قرشاً ثمن أدويتها وسبعماية وستة عشر قرشاً و15 بارة لتجهيزها وتكفينها وثلاثماية وأربعة وأربعين قرشاً أجرة الى المشايخ لقراءة القرآن على قبرها وثلاثماية واربعة وأربعين قرشاً و10 بارات صدقة للفقراء وأربعة وسبعين قرشاً ثمن حلاوة ومشبك الى الفقراء وسبعة وسبعين قرشاً لتطيين قبرها الخ ، فقرر القاضي في التاسع من شهر شوال المكرم سنة 1328 هـ / 1910م بان إعطاء شيء الى المشايخ للقراءة على القبر وتطيين القبر لم يرد به الشرع وحتى الوصية بهما باطلة شرعاً.. الخ».
التحقيق في الجرائم وبحث عدالة الشهود
تولى القاضي عمر فخر الدين رئاسة مجلس المحاكمة في مقتل أحمد بن عبد الله الإمام في محلة حي الرمل قرب حوض المصيطبة عندما كان نائماً فدخل عليه القاتل بقصد السرقة فانتبه له أحد أقرباء أحمد وصاح به وسمع أحمد المجادلة فخرج وعندها طعنه السارق بسكين كبير وهي آلة جارحة مفرقة للأجزاء فأصابه في قلبه ورئتيه عمداً فمات في الحال فزعم المدعى عليه ان إفادته أخذت منه بالإكراه الذي لم يثبت فحكم عليه في الثاني من شهر صفر الخير سنة 1328 هـ/1910م بالقصاص.
وفي التحقيق بمقتل جرجي بالأشرفية والطعن في بعض الشهود قرر القاضي «أن من العداوة المؤثرة في العدالة كعداوة المجروح على الجارح وعداوة ولي المقتول على القاتل ومنها غير مؤثرة كعداوة شخصين وقعت بينهما مضاربة أو مشاتمه فشهادة صاحب النوع الأول لا تقبل وشهادة صاحب النوع الثاني تقبل كما هو مصرح في معتبرات كتب المذهـــــب (أي الحنفي المذهب الرسمي للمحاكم العثمانية) فلا يلتفت شرعاً الى ما أيداه المدعى عليه جبران وحكم عليه بالقصاص في الثاني عشر من شهر جمادى الأولى سنة 1328 هـ/1910م.
تسجيل أوقاف وأعمال برّ
في الثاني من شهر رجب الخير سنة 1328هـ/ 1911م حضر فائق ابن جبرائيل ابن نقولا غرغور الى المجلس الشرعي ووقف وحبس ما هو بملكه قطعة أرض عليها دار كبيرة كائنة بمحلة المصيطبة يحدها قبلة أبنية وجنائن مدارس الإنكليز وغرباً بعضه أبنية وجنائن وقف فقراء راهبات مار يوسف وقفاً مؤبداً على فقيرات الراهبات الساكنات في دير مار يوسف الظهور الكائن في بيروت ثم على فقراء الراهبات الساكنات في كل دير سمي دير مار يوسف الظهور في أية بلدة كانت ومن بعدهن على فقراء الطائفة اللاتينية الساكنة في بيروت ثم على فقراء الطائفة المذكورة الساكنة في أية بلدة وجعل النظر والتولية على الوقف للست ماري بنت جان بن جاك اليزبو مديرة الراهبات في دير مار يوسف الظهور في بيروت ثم لمن تكون مديرة بعدها وإذا آل الى الفقراء فلمتربوليت الطائفة اللاتينية وأجاز الواقف التبديل والتغيير بالوقف للمتولية ولكن بشرط الإذن ممن تكون مديرة عامة للراهبات ومقيمة في بلدة مرسيليا من أعمال فرنسه.
وفي الحادي والعشرين من شهر ذي القعدة سنة 1328 هـ/ 1911م حضر الى مجلس الشرع الشريف حسن آغا ابن مصطفى البكباشي المتقاعد من الطابور الثاني من الآلاي الأربعين من أهالي بلدة (علاية) من ولاية قونية الساكن بالبسطة التحتا ووقف عدة عقارات على نفسه ثم من بعده المنزل الأول والثاني والثالث على ابنه محمد جميل أحد طلبة المدرسة العثمانية (مدرسة الشيخ أحمد عباس الأزهري) والمنزل الرابع على ابنه خليل رفعت والمنزل الخامس على ابنه محمد توفيق رئيس محكمة جزاء نابلس.
نزاع بين الجارين عمر الداعوق وعائشة عريسي
في العاشر من شهر ربيع الأول الأنور سنة 1328 هـ/1910م حضر الى المجلس الشرعي عمر بن محمد بن الحاج أحمد الداعوق الساكن برأس بيروت وعائشة بنت خليل العريسي الساكنة بمحلة باب إدريس وأقرا بأن الطريق الخاص البالغ عرضه ثلاثة أذرع وطوله ثلاثون ذراعاً الكائن بين حارتيهما الكائنتين بمحلة باب إدريس المسماة بمحلة الفاخورة المحدودتين شرقاً بمنزل السيد عمر وغرباً مخزن ومنزل ابراهيم سرسق وقبلة دير الكبوشيين وشمالاً طريق لا يحدث أحدهما فيه بناء إلا بإذن الآخر.
فرمان الترخيص بإنشاء مستشفى الروم
نشير الى ان الترخيص ليوسف سرسق بإنشاء مستشفى الروم ذكر القاب القاضي عمر فخر الدين وذلك في التمهيد لإنشاء المستشفى بعد صدور فرمانين في الرابع من شهر ربيع الثاني والرابع من شهر جمادى الثانية سنة 1328 هـ/1911م موجهين «الى افتخار الأعالي والأعاظم، مستجمع جميع المعالي والمفاخم المختص بمزيد عناية الملك الدائم والي بيروت نور الدين بك دام علوه . واقضى قضاة المسلمين، أولى ولاة الموحدين، معدن الفضل واليقين ،رافع أعلام الشريعة والدين، وارث علوم الأنبياء والمرسلين المختص بمزيد عناية الملك المعين بيروت نائبي (قاضي بيروت) مولانا عمر فخر الدين افندي زيدت فضائله ومفاخر الأماجد والأكارم أعضاء المجلس زيد مجدهم.. ».
الموظفون ومعتبرو المهن
يفيدنا سجل القاضي عمر فخر الدين الصفة التي كانت تطلق على بعض التجار والباعة والحرفيين فمن موظفي الويركو والنفوس كامل بن خالد بن محمد أبي النصر باش كاتب مديرية النفوس بولاية بيروت ومن الشهود عثمان بن عبدي باشي كاتب الويركو وخضــــر عبد الله الكاتب في محاسبة الولاية الخ.
وترد في السجل لفظة معتبر دلالة على أهمية الموصوف فمن ذلك على ان أحمد قراقيـــــــرة وعبد الستار هما من معتبري النجارين وميشال عبود من معتبري التجار واحمد ناصر وملحم صفير من معتبري بياعين السمنة ومحمد نجا وكامل قرانوح من معتبري التجار في البضاعة الإسلامبولية ويوسف ويعقوب الدرزي من معتمدي بياعي الخضر وحسين علم الدين من معتمدي الخضرجية وعبد الرحمن شهاب وصالح ومحمد حميدي صقر وعمر مصطفى القباني من معتمدي النجارين وخليل صيداني ورشيد شبارو من معتمدي الصبّاغين في البويا.
*محامٍ ومؤرخ