بيروت - لبنان

اخر الأخبار

17 آذار 2018 12:05ص من تاريخ القضاء الشرعي في بيروت (10)

الدقة في صوغ الأحكام وحسن اختيار الألفاظ

حجم الخط
تجلى اتقان العاملين في المحاكم الشرعية للعربية بالدقة في صياغة الأحكام واختيار الألفاظ الموافقة للمعنى. يذكر ان الأصوليين حصروا دلالة اللفظ على المعنى في عبارة النص وإشارة النص ودلالة النص واقتضاء النص. فالألفاظ تبعٌ للمعاني . وتتحدد الدلالة في  السياق ذلك أن دلالات الألفاظ لا تظهر إلا من خلال التركيب وضم لفظ لآخر ووضعه في موضعه الصحيح كما قال الجرجاني في دلائل الإعجاز.
وقد أشار الفقهاء والنحويون الى أن الفاظاً تجري في البيوع وسلوكيات البيع والشراء والمقاسمة والمهايأة والإبراء والإقرار والرهن الخ.
فنذكر في مقالنا هذا نماذج من الوثائق الشرعية التي تظهر دقة صياغة الأحكام وحسن اختيار الألفاظ.
* جاء في إبراء للوكيل  ذمة (فلان  عن موكلتيه «من كل حق ودعوى تتعلق بالحقوق الشرعية إبراءً عاماً مقبولاً مسقطاً لجميع الحقوق والدعاوى الشرعية، وانهما لا يستحقان قبله لا ديناً ولا عيناً ولا أمانة ولا وديعة ولا عارية ولا نحاساً ولا رصاصاً ولا تركة ولا متروكاً ولا ذهباً ولا فضة ولا متاعاً ولا أمتعة ولا قليلاً ولا كثيراً ولا جليلاً ولا حقيراً ولا شيئاً من الأشياء كلها قلّ أو كثر...»  
* «أقرت إقراراً معتبراً شرعياً في صحة منها وسلامة وطوعية واختيار ، من غير إكراه ولا إجبار ، عالمة بصحة الإقرار ومآله انها لا تستحق ولا تستوجب قبل ابنها لصدرها حنا ولد يوسف جنحو الحاضر معها في المجلس المزبور،  لا ديناً ولا عيناً ولا ذهباً ولا فضة ولا أثاثاً ولا نحاساً ولا أمتعة ولا حلياً ولا مصاغاً ولا ثمناً ولا مثموناً ولا قليلاً ولا كثيراً ولا جليلاً ولا حقيراً ولا شيئاً من الأشياء كلها قلّ أو كثر ولا دعوى ولا طلب بوجه ولا سبب، لا بسبب ما باعته إياه من عقار ومنقول ووفته عنه من الدين لأربابه ولا بغير سبب».  
*«بحقوق ذلك وطرقه ومشتملاته وما يعرف به ويعزى إليه شرعاً من جميع الجوانب والجهات ، بيعاً وشراء صحيحين شرعيين باتين لازمين بإيجاب وقبول وتسليم وتسلم من الجانبين خاليين من الشرط والفساد لا مرجع فيهما ولا معاد، بالتخلية الشرعية بثمن قدره للمبيع المسطور عشرة الآف قرش صاغ.  وغبّ حلول الثمن المحرر واستقراره ديناً في ذمة المشترية مريم المرقومة،  ابرأت ذمتها أمها البائعة المذكورة من عامة الثمن المحرر ومن كل جزء فيه ابراء عاماً مقبولاً من المشترية المرقومة لنفسها بالمواجهة،  القبول الشرعي مع إسقاط الغبن والضرر والإقرار بسبق الخبرة والنظر،  بطواعية واختيار،  من دون إكراه ولا إجبار..». 
مقاسمـــة رضائية وإبراء متبادل
«واقروا جميعاً بأن كل فريق منهم قد استوفى حقه من جميع ما ذكر بما أخذه وارتضاه بمقاسمة عادلة شرعية جرت بينهم بالإنصاف من غير غبن ولا غرر وتسلم كل فريق منهم ما أفرز له بهذه المقاسمة وأمضى للآخر بما أخذه وصدق عليه.  وبوجه الاستئناف أبرأ كل فريق منهم ذمة الآخر من كل حق ودعوى يتعلقان بهذه المقاسمة ابراءً عاماً مقبولاً من كل منهم بالمواجهة قبولاً شرعياً .  فعلى هذا قد انفصل ملك كل عن الآخر بحكم هذه المقاسمة وصار صاحب كل قسمة يتصرف فيما تلخص له على الوجه المشروح تصرف الملاك بلا منازعة ولا معارضة. وأذن كل فريق منهم بالإشهاد على نفسه بما تضمنه طوعاً ..». 
* جرت معاملة قسمة عقارية بين حنّة أنطوان غزال وأشقائها فدونها الشيخ إبراهيم الأحدب كما يلي: «وقد أمضى كل من الفريقين المرقومين ما أخذه الفريق الآخر بحق نصيبه ونصيب من ناب عنه  واقر أنه ما بقي يستحق ولا يستوجب شيئاً فيما قسم وأفرز للفريق الآخر. وأبرأ كل فريق ذمة الآخر من كل حق ودعوى تتعلق فيما قسم وأفرز للآخر. قسمة صحيحة شرعية عادلة مرضية صادرة بينهما بالطوع والرضى والاختيار من غير إكراه ولا إجبار، لا حيف فيها ولا ضرر، ولا غبن ولا غرر، ولا نقصان ولا شطط، ولا نسيان ولا غلط. مشمولة بمعرفة أهل الخبرة من المسلمين والذميين...». 
بيع وفاء حكمه حكم الرهن
* «بيع وفاء حكمه حكم الرهن في الرد والاسترداد على أنه متى رد البائع على المشتري مثل الثمن الذي سيرقم بعد مضي ثلاث سنوات من تاريخه،  يرد عليه المبيع المزبور،  بإيجاب وقبول فارغاً مسلماً لجهة المشتري تسليم مثله شرعاً، حسب اعتراف المتعاقدين بالتخلية الشرعية عما يمنع القبض، بثمن قدره للمبيع المسطور ثمانية الآف قرش حالة مقبوضة من مال المشتري المرقوم بيد البائع المذكور تماماً حسب اعترافه في مجلس عقده. وقد أباح له بذلك النفع والانتفاع والسكن والإسكان ما دام البيع قائماً والثمن غير مرود.  إباحة شرعية مقبولة من المشتري لنفسه بالمواجهة قبولاً شرعياً وبالطلب...». 
مهايأة بالقرعة على سكنى الدار
* دار في زاروب الطمليس منها 11 قيراطا ملك عباس مصطفى صالح الجدايل اصالـــة و13 قيراطا لنفيسه وزينب وعائشة وسعدى بدر وفاطمة العطشان وكيلهن عبد الغني دمشقية  وطلب الأصيل والوكيل اجراء المهايأة على الدار المذكورة بأن ينتفع الأصيل احد عشر شهراً والموكلات المذكورات ثلاثة عشر شهراً بحسب نصيب كل منهما واعتبار ذلك من تاريخه.  فاجيبا الى طلبهما وأجريت المهايأة الشرعية واقرع بينهما، فخرجت القرعة على ان ينتفع الموكلات المذكورات. فأمر الحاج عباس المذكور حيث كانت الدار بتسلمه وقت إجراء المهايأة ان يفرغها ويسلمها للموكلات المذكورات لينتفعن بها اولاً في المدة المذكورة، ثم يسلمنه إياها لينتفع في مدته المذكورة..». 
ولمعرفة كيفية إجراء القرعة يمكن العودة إلى ما جرى عليه التعامل في القضاء كما جرى في محكمة قضاء كسروان سنة 1317هـ برئاسة القاضي الشاعر تامر الملاط. بأن كان يكتب اسم كل من المدعي والمدعى عليه على ورقة، ثم تطوى الورقتان وتوضعان مع أخرى بيضاء مطوية في منديل، وتجال مراراً. ثم تنزل ورقة، فإذا خرجت باسم المدعي كانت له الحصة الأولى.
الكشف على عقار موقوف مطلوب استبداله  بحضور خبراء
«...فوجدوا أن دار الوقف المرقومة مشعثة عديمة الانتقاع لا تصلح للسكن.  وان قيمتها تساوي اربعة الاف قرش على فرض كونها ملكاً واجرتها عن كل سنة ثلاثماية وستون قرشاً. وان هذا الإستبدال غاية في النفع لجهة الوقف لكون البدل أكثر نفعاً وأدر ريعاً وأحسن صقعاً واغلى قيمة. فحضر الكاشفون المذكورون وانهوا ذلك لهذا الداعي في المحكمة الإبتدائية وفي مجلس ادارة اللواء بحضور محاسب جي الأوقاف.  فحينئذ بناء على قول الإمام أبي حنيفة رحمه الله قدمت غرض الكيفية للسلطة السنية لصدور الأمر بإجراء الإستبدال...» حضر الكشف  الشيخ  ابراهيم الأحدب وباش كاتب المحكمة وعبد القادر قباني عضو مجلس الإدارة واحمد الرفاعي جابي الأوقاف والخبراء عبد اللطيف عباس السبليني والحاج عبد الرحمن سعيد محيو وعبد القادر حسن السروجي.
* «الاستبدال صحيح وفيه الأنفعية والأصلحية لجهة الوقف، وان قيمتها تساوي أكثر مما تقدرت به ، بتقدير أهل الخبرة والمعرفة المذكورين... وشهد أهل الخبرة كل منهم بمفرده غب الاستشهاد الشرعي... بلفظ أشهد أن بهذا الاستبدال الأنفعية الواضحة والغبطة الراجحة لجهة الوقف وأن الأماكن التي بها حصص الوقف المزبور، متشعثة بعضها خرب وبعضها آيل للخراب ولا ريع للوقف المحرر موجود لتعميرها...». 
 * محامٍ ومؤرخ