بيروت - لبنان

اخر الأخبار

28 نيسان 2018 12:05ص من تاريخ القضاء الشرعي في بيروت (13)

صياغة نادرة لحكم شرعي في أرجوزة شعرية

حجم الخط
كان لكل شاعر من العرب شيطان – يلقى اليه الشعر يسمونه التابع. ولعلهم بذلك يفسرون نطق الشاعر بالقصيدة في ظروف خاصة عفوية. عرفت قصائد عديدة وأبيات مختلفة قالها أطباء: شكا مريض لإبن سينا ألمه شعراً فأعطاه إبن سينا وصفة طبية شعراً.

ذكر إبن أياس أن زين الدين ابن الوردي ( 1291- 1349م ) فقير أتى دمشق ودخل مجلس القاضي واستخف به الشهود. جرت مبايعة حول قطعة ارض بالغوطة . فقال الشهود استخفافاً: كلفوا المعري اين هو؟ وأشاروا الى ابن الوردي فقال : نثــراً أم نظماً ؟
قالوا: نظماً. فنظم المبايعة شعراَ. وابن الوردي ولد في المعرة وولي القضاء بمنبج وكان سيد شعراء عصره له منظومة نصيحة الاخوان ومرشدة الخلان او مرشدة الانام والمشهورة باللامية من ثمانين بيتاً وكانت تدرس للطلاب في بيروت في القرن التاسع عشر ومطلعها: 
إعتزل ذكر الأغاني والغزل 
وقل الفصل وجانب من هزل 
من مشهور ابياتها: 
لا تقل أصلي وفصلي أبداً      
إنما أصل الفتى ما قد حصل 
روي أن نائب الشرع في محكمة الميدان بدمشق وقع على حجة  شعراً فقال:
لما تأملت ما تحويه أسطره
وصح عندي ما في طيه وقعا
أنفذته واثقاً بالله معتمداً
عليه دون الورى راضٍ بما صنعا
فإنني أحمد الكنجي ابن أبي
الثناء الذي بحال الله مدرعا
وإنني النائب الشرعي بمحكمة الـ
ميدان  والحر في دنياه من قنعا
يا رب فاختم بخير لي وخذ بيدي
ما طاف بالبيت عبد صالح ودعا 
 ذكر خير الدين  الزركلي في كتابه «ما رأيت وما سمعت» أن الفريقين من قبيلتي ثقيف وعتبة كانا يترافعان أمام القضاء بالسجع أو بالشعر يقول كل منهما أقواله شعراً ثم يقضي القاضي بينهما.  
تتميز سجلات محكمة بيروت الشرعية بأنها تتضمن مبايعة تمت يوم الخميس منتصف جمادى الأولى سنة 1266 هـ (1850 م) لدكان في ساحة الخبز بمبلغ 1300 قرشاً بين ابراهيم الجبيلي الحسامي وعمر وعبد الله بيهم . نظم الحكم بها الشيخ إبراهيم الأحدب بشكل أرجوزة شعرية نشرناها كاملة  في كتابنا منزول بيروت. ومطلعها:
من بعد حمد الله والصلاة     على النبي باذل الصلات 
لمجلس الشرع الشريف السامي   ومحفل الحكم المنيف النامي
بثغر بيروت الرفيع العالي    أيده الرحمن ذو الجلال
ثم يشير الناظم  الى فريقي المبايعة:
قد جاء إبراهيم إبن الساميمحمد الجبيلي الحسامي
وهو بحال فيه ذو اعتبار وحسن عقل ليس له الانكار
وباع ما يملك شرعاً بيعهوما له ملكٌ يجني ريعه
لمن هما فردان بالمعارفِوالفضل والإحسان واللطائف
أعني الشقيقين الكريمين الألىوردُهما لمن أتاه قد حلا
السيد الندب الهمام المعتبرْ بيهم العيتاني ذي الفضل عمرْ
وصنوه ذي الرأي عبداللهقد حفظا من شرّ عمرٍ لا هي
وقبل الشراء بالأصالةعن نفسه عمر ذو الكرامة
وعن أخيه بالنيابة التيتجوز شرعاً بمقال مثبتِ
ثم يعين الحكم الدكان موضوع المبايعة وموقعها  فيقول:
من مال الاثنين فللشهم عمر   ثلثان والثلث لصنوه الأغر
وذا المبيع هو كل الحصه   ذات الشيوع لا التي مختصه
وهي قراريط تبدت اربعه  من اصل عشرين تبدت للأربعه
من كامل الدكان الكائنة    بساحة الخبز أمام البركة
محدودة معصرة السقعان    قبلتها يا طالب العرفان 
وجهة الشمال قد حوى الطريق    وفيه اغلاق لها أيا رفيق
والشرق ملك من لها اشترى ومن    له غدا مشاركاً يا ذا الفطن
والغرب انطون غزال يملك       له وذا تمام حد يسلك
شركتهما بستة من القرا     ريط وبالباقي أناس أخرا فأحرزا بذا الشرا المرقوم     عشر قراريط أيا نديمي 
ويشير الى الثمن وكيفية تسديده فيقول:
بثمن من القروش الفضةأربع آلاف وخمسماية 
ثلاثة آلاف ومائتان           مقبوضة منهما بلا نكران 
حسب اعتراف البائع المذكور لدى شهود الحال في الحضور 
ثم تمام المبلغ المحرر الف وثلاثماية يا ذا اسري
وبما ان التسليم شرط  من شروط البيع قال: 
ثم من ساعة لهما تسلمامن باع في الحال ومن سلما
وسلم البائع ذا المبيعا لمن له اشترى فكن سميعا
وهو اقر أنه قد استلم وكلّ ذا جرى لدى المولى الحكموبعد ذكر ثمن المبيع واتمام التسلم والتسليم:
والتمسا من الامام الوالي تسطير ما جرى بتلك الحال 
لكي يكون حجة عند الخصام    وكوكباً يضيء في جنح الظلام 
فأمر المولى برقم ما جرى  نظماً فحسب الأمر نظماً سطرا 
ويختم الحكم الأرجوزة بقوله: 
وذا مقال العبد ابراهيمالأحدب الراجي رضا الكريم
وذاك في نصف جمادى الأولِيوم الخميس يا رفيع المنزل
سنة سته وستين بدتْومائتين قبل الف قد خلت
من هجرة المختار خير الرسلصلى عليه ربنا ذو الفضل
وآله والصحب أهل العلم ونسأل الرحمن حسن الختم .
وفي ذيل الأرجوزة تواقيع شهود الحال وكانوا الشيخ عبد الله خالد والشيخ حسن ناصر وعبد القادر وعبد الرحمن بكداش وقاسم عبد اللطيف درويش وعبد الوهاب محمد مكداش وأحمد ناصر زنتوت.

 * محامٍ ومؤرخ



أخبار ذات صلة