بيروت - لبنان

اخر الأخبار

23 حزيران 2018 12:05ص من تاريخ القضاء الشرعي في بيروت (17)

القاضي حسن صدر الدين وجمعية المقاصد الخيرية الإسلامية في بيروت

حجم الخط
نشير الى انه نظم سنة 1296 هـ/1878م سجل دونت فيه أسماء الشباب البيارتة الذين استشهدوا في حرب البلقان في مدن بلافنا وشبكة والجبل الأسود وغيرها من المدن وبلغ عددهم خمسة وخمسين شاباً تركوا أرامل وأيتـــــــــاما لا معيل لهم وقد نظم السجل من أجل إثبات وفاتهم وبيان ورثة كل منهم. وجاء في مقدمته «هذه جردة متخذة لتقييد وقوعات المحكمة الشرعية الإخبارية والتصديقية العارية عن الحكــم وما شاكلها الجارية في مدة نيابة العالم العلامة صاحب الفضيلة السيد حسن صدر الدين أفندي أطال الله بقاه».

قرار القاضي بنقل التولية على المدافن الى جمعية المقاصد 
أوضحنا في كتابنا نور الفجر الصادق، انه كانت لمتصرف بيروت رائف بك اليد الطولى في تأسيس جمعية المقاصد الخيرية الإسلامية  في بيروت بالتنسيق مع سكرتير مجلس ادارة لواء بيروت حسن محرم بك وعضو المجلس القاضي عبد الله جمال الدين وتقرير المفتي عبد الباسط فاخوري. ولما كانت جمعية المقاصـــد قد تأسست لإدارة وتنظيم أحوال المسلمين الثقافية والصحية والاجتماعية ، عقد مجلس شرعي في محكمة لواء بيروت بحضور أعضائها وبرئاسة النائب حسن صدر الدين (احد اعضاء مجلس الادارة) وتبين فيــه أن عبد الله محمد خرما كان ناظراً على  الترب (المقابر) المعروفة بتربة الباشورة وتربة السنطية وتربة المصلى والخارجة بموجب حجة بيده مؤرخة في 25 من شهر ربيع الأول سنــــة 1290 هـ/1873م  بإمضاء وختم محمد سعيد أفندي قاضي بيروت، فحضر في المجلس الشرعي السيد عبد الله خرما  الموما اليه والتمس عزله من هذه النظارة وإقامة رفعتلو حسن محرم بك رئيس جمعية المقاصد الخيرية في بيروت  ابن إسماعيل بك، (أمين سر مجلس ادارة بيروت) حيث كان مستقيماً عفيفاً صالحاً ذا دراية، فأجيب الى ملتمسه وعزل من النظارة وأقيم حسن محرم ناظراً على جميع الترب وأذن بأن يحافظ عليها ويضع يده على مستغلاتها من مسقفات وأحكار وغيرها، ويصرف غلتها في ما عينه واقفوها  ويتعهدها بالإصلاح والترميم وغيرهما فقبل الإذن والتصب بإخبار شهود وحررت حجة بذلك في غرة ذي الحجة ختام ستة سبع وتسعين ومايتين والف.
يذكر في هذا الموضوع أن بلدية بيروت كانت قد قررت سنة 1916م نقل المدافن خارج البلدة الا ان هذ القرار لم ينفذ في حينه حتى قررت البلدية زمن الانتداب الفرنسي وقف الدفن في ترب الخارجة والمصلى فقام بعض أهالي  المدفونين فيها من  الميسورين بنقل رفات أقربائهم الى تربة الباشورة.
ويشار في هذا السياق الى أنه بعد وقف الدفن  في الترب المذكورة وصل سنة 1936م جثمان «خير النساء» زوجة السلطان عبد المجيد الى بيروت فاستقبل من الأمير سليم نجل السلطان عبد الحميد وكبار العلماء وعلى رأسهم المفتي والقاضي والشيخ محمود محرم شيخ مشايخ الطريقة القادرية وبعد الصلاة عليها في الجامع العمري الكبير ، دفنت في مقبرة السنطية.
واستمراراً لرعاية مجلس الادارة لجمعية المقاصد تبين للقاضي حسن صدر الدين  أن بدرة بنت مصطفى العيتاني الملقب بالنسر كانت قد وقفت دكانه قرب زاوية القصار على القراءة والصدقة والآنس بموجب حجة مؤرخة في 7 جمادى الثانية سنة 1216 هـ/ 1801م  أيام نيابة نائب بيروت عبد الهادي قرنفل ، وتبين أن ليس للوقف متولٍ فقد نصب القاضي صدر الدين وأقام في 28 ذي القعدة 1297هـ/1879/م  حسن محرم بك رئيس جمعية المقاصد الخيرية متولياً على الوقف. يذكر أن هذه الوقفية كانت من ضمن الأوقاف التي ضمت لجمعية المقاصد.
  قرار  القاضي بعدم ثبوت وقف دكان  على سبيل السنطية 
وبالعودة الى القاضي حسن صدر الدين ورعايته لجمعية المقاصد فقد نظر في الدعوى التي أقامها الشيخ محمد بن الشيخ عرابي ناصر زنتوت وبكري وإبراهيم ولدي مصطفى بكري قرنفل بوجه حسن محرم بك رئيس جمعية المقاصد الخيرية ممثلاً بالشيخ طه بن عبد الهادي بن الشيخ عبد المنعم النصولي أحد أعضاء الجمعية ،وادعوا بأن من الجاري في ملكهم وملك الحاجة نفيسة شقيقة بكري وابراهيم، الدكان الكائنة في محلة التوبة  داخل بيروت المحدودة قبلة قبو الحاج عبده بن حسن فرشوخ وغرباً ملك أحمد آغا بن طالب بن حمزة سنو ، وقالوا بأن نصف الدكان آل الى الشيخ محمد ناصر بالإرث عن زوجته آمنة بنت بكري قرنفل والنصف الآخر الى الآخرين إرثاً عن أبيهم مصطفى واليه عن اخته آمنة، وأنهم يتصرفون بالدكان منذ أكثر من خمسين سنـــــة وان محرم بك وضع يده على الدكان بغير حق. وأدلى المدعى عليه بصحة وضع يده على الدكان بمقتضى أنها بتمامها وقف الحاجة آمنة بنت بكري قرنفل زوجة الشيخ محمد ناصر قبل وفاتها على (سبيل السنطية) وأن رئيس الجمعية وضع يده على الدكان ليصرف من أجرتها للسبيل المرقوم فطلب الإثبات من المدعيين فشهد عبد القادر  بن عمر بن عبد القادر بكداش وعبد الرحمن بن مصطفى بن  أحمد العيتاني بصحة أقوال المدعين.
فقرر القاضي إثبات ملكية المدعية للدكان ورفض دعوى الوقف لعدم صحتها بعد 36 سنة كما في المادة 1661 من مجلة الأحكام العدلية وأمر برفع يد الجمعية عن الدكان قراراً صدر في 27 من ذي الحجة الحرام سنة 1297 هـ  يذكر انه لم يعد للسبيل المذكور وغيره من المعالم من أثر./1880م  ولم يعد للسبيل المذكور من أثر. 
قضايا  خاصة بقهوة القزاز وبالجندية وبعض الاوقاف 
وقد عرضت على القاضي حسن صدر الدين عدة قضايا منها قضية مرتبطة بنظام الجندية العثماني فقد ادعى عبد الله بيضون ودرويش الإدلبي على موسى العضمي الممثل بوكيلــــه عبد الغني بن حسين بن عبد الوهاب مشقية (وليس دمشقية) بأن المدعى عليه اتفق مع المدعيين غلى أن يستأجر لهما بدلين يخدمان في العسكرية من شخصين من منطقة علما ببدل عنهما مبلغ  76 ليرة افرنسية وقد قدم البدلان فعلاً.
يذكر ان الدولة العثمانية كانت تجيز في المرحلة الاولى لمن تصيبه القرعة العسكرية إعفاءه بدفع خمسين ليرة ذهبية وفي مرحلة لاحقة أصبحت الأوراق البيضاء التي توضع اثناء القرعة نادرة  وفي مرحلة ثالثة  فرضت الدولة  على من تقع عليه القرعة أن يقدم بدلاً عنه.
ومن القضايا ما يعطي فكرة عن أسعار الأراضي والمؤسسات في بيروت كالقضية التي نظر بها القاضي فيما خصّ التفرغ عن حصة شائعة في «قهوة أبو النصر» (أي المشهورة بقهوة القزاز) .ومن القضايا المتعلقة بالأوقاف نظر القاضي في الوقف الذي قام به يوسف جرجس سيور الدمشقي الأرثوذكسي لقطعتي أرض كائنتين في زقاق القرقوطي في محلة الرميل بجوار ملك الحاج إبراهيم القرقوطي (247/1298). كما نظر في الوقف الذي أجرته سنة 1290هـ بربارة بنت جبرائيل بن يوسف خوكاز وزوجها يوسف بن ينوكيان الازمرلي من الأرمن الكاثوليك، وهو مخزن في محلة الكرنتينــا (داخل بيروت) وجعلا مآله الى فقراء وعائلة حنا خوكاز ومن بعدهم فقراء دير بزمار للأرمن الكاثوليك في جبل لبنان ومن بعدهم فقراء الأرمن الكاثوليك في بيروت. ونظر القاضي في قضية ضرب  إبراهيم ميخائل ابن صليبا خليفة لمتري الحايك وقتله فحكم على  القاتل بالقود.
اهمية السجلات الشرعية في معرفة الاحوال الاجتماعية 
ولسجلات محكمة بيروت الشرعية فائدة في معرفة الحرف والمهن والوظائف التي كانت متداولة ولها أهمية كبيرة في الأنساب لما تظهره من أصول لعائلات المدينة والقرابة بين الأسر. وتعلمنا بنص الوثائق عن شهرات مركبة لم تعد شائعة لعائلات بيروتية  منها شهادة عبد الباسط وأبيه السيد احمد بن مصطفى بن محمد حمّال الربعة في دعوى توكيل محمد بن الشيخ يوسف الأسير لتصفية متروكات في اللاذقية وبيروت. كما ورد في السجلات اسم الحاج محمد وهبه وحسن مصطفى جمعة وذكر بعد اسم كل منهما «حمّال الربعة» وتبين أن آل الربعة ووهبة وجمعة من أصل واحد. فقد وجدت في المساجد قديمـاً ،لاسيما قبل طباعة المصاحف، وظيفة لمن كان يوزع الربعات أيام الجمعة وساعات التدريس على والمصلين ثم يجمعها ويرفعها إلى خزانتها. 
والربعة من ربّع الشيء صيّره أربعة أجزاء. أطلقت أيام المماليك على أجزاء المصحف. والربعة كذلك بمعنى صندوق فيه أجزاء المصحف. قال المفتي الشيخ عبد الباسط الفاخوري في المجالس التي عقدها  في شهر رمضان  سنة 1875م  أن مما اعتاد عليه الناس تفرقة أجزاء الربعة حين اجتماع الناس للصلاة. فإذا كان عند الأذآن قام الذي يفرقها بجمع الأجزاء. 
ويبدو أنه عند إجراء إحصاء النفوس كانت مهمة حمل الربعات وتوزيعها قد زالت فتم تسجيل شهرات الربعة ووهبة وجمعة منفصلة. 

* محامٍ ومؤرخ