بيروت - لبنان

اخر الأخبار

3 شباط 2018 12:05ص من تاريخ القضاء الشرعي في بيروت (5)

مجالس شرعية في مقر المحكمة وفي خارجها

حجم الخط
ذكر الدكتور أسد رستم انه عندما باشر بجمع الأصول العربية لتاريخ سورية ، سأل قاضي القضاة في بيروت الشيخ محمد الكستي عن سجلات محكمة بيروت الشرعية فأفاده بضياع سجلات بيروت قبل سنة 1270 هـ. ولعل القاضي الكستي أخطأ  بهذا التاريخ فذكره بدل سنة 1259 هـ/1843م. ويشيـر أسد رستم الى أن أرباب السلطة في القضاء في المحاكم المحلية الصغيرة لم يجعلوا التسجيل إجبارياً وان قضاة هذه المحاكم كانوا مخيرين بين أن يسجلوا أم لا ولهم الحرية عند انتهاء مدة قضائهم أن يحملوا سجلاتهم معهم حيث شاءوا. 
ونعتقد ان القضاة الذين تعاقبوا على بيروت قبل  سنة 1259هـ اتخذ كل منهم سجلاً لنفسه سجل فيه أحكامه وبقي بحوزته عند انتهاء مدة قضائه وان الذي دفع القاضي الى اتخاذ سجلات تبقى في مركز المحكمة منذ سنة 1259هـ ان السلطة العثمانية أخذت بعد إخراج ابراهيم باشا من بلاد الشام تولي بيروت اهتماماً خاصاً تجلى في عدة مظاهر منها بناء القشلة الهمايونية (الثكنة العسكرية) التي أصبحت وحتى الآن مقرأ للحكومة وتعرف بالسراي الكبير، ومنها تجديد السراي القديمة التي بناها والتي هدمت فيما بعد وقامت محلها أبنية سوق سرسق. وبنيت بدلها السراي الصغيرة في ساحة البرج القديم. ومنها الاهتمام بطرق بيروت  وفتح أبواب جديدة للمدينة كباب ادريس وباب أبي النصر. 

مجلس قضاء بيروت الشرعي
 ويمكن القول بان مجلس قضاء بيروت الشرعي كان قديماً في بيوت القضاة ، في بيت القاضي الشيخ أحمد الأغر  في سوق الفشخة خلف البلدية (شارع ويغان) روت عنبرة سلام الخالدي في مذكراتها نقلاً عن جدتها لأمها عنبرة بنت الشيخ أحمد الأغر أن زوجة هذا الأخير كانت بارعة الجمال تعلق بها زوجها لدرجة جعلته ينقل دار المحكمة إلى جناح خاص في منزله ليكون على مقربة منها حتى أصبح عرضة لانتقاد البيارتة ، فألفوا في ذلك الأقوال الزجلية التي كانوا يتداولونها في مجالسهم ومنها قولهم: 
كلثم يا كلثم كلثم يا مليحه        علشانك يا كلثم بطّلنا الشريعه 
اما عن المجلس الشرعي القديم في بيروت فيمكن القول انه كان يعقد في احد الأبنية الموقوفة الكائنة الى شرقي جامع الأمير منذر في المحلة التي عرفت بسوق العقادين القديم (البازركان فيما بعد) والتي ضمت عقارات وقفية منها ما يعود لجامع شمس الدين الشهيد (الجامع الجديد) ومنها العقار الموقوف الذي تولت عليه جمعية المقاصد الخيرية الإسلامية في بيروت وكانت اجتماعات مجلس أمنائها الأول عند تأسيسها تعقد فيه  وحيث افتتحت الجمعية اول مدرسة للصبيان. ويستدل على ذلك من إعلان نشره سنة 1875م الشيخ عمر البربير مؤسس المدرسة القادرية وفيه « انه بناء على إقدام الطالبين لتعلم اللغة التركية وان دقائق هذه اللغة تستلزم معرفة اللغة الفارسية فقد أحضر معلماً فارسياً مستعداً لتعليم هذه اللغة وكتابتها في محل المحكمة القديمة تجاه جامع النوفرة» (أي جامع الأمير منذر أو الجامع المعلق). 
ويبدو ان قدم البناء في سوق البازركان وازدياد المراجعات دفعت القيمين على القضاء الشرعي الى نقل مقر المحكمة الى مبنى السراي القديمة  ثم بعد هدم هذه الأخيرة ، إلى السراي التي  انشئت في ساحة البرج سنة 1884م. وبعد انتهاء الحكم العثماني نقلت المحكمة  إلى محلة عصور (لسور) في أول يمين الطريق من ساحة رياض الصلح باتجاه الباشورة والبسطة وذلك  في بناء  كان يملكـه سليم صعب.ويبدو أن القاضي الشيخ محمد علي الأنسي شاهد سنة 1934 شقوقاً في غرف البناء المشار اليه فتقرر بالرغم من عدم وجود خطر داهم  نقل المحكمة الى محل آخر. وقد أخبرني المرحوم والدي بأن المحكمة الشرعية اتخذت تلك السنة مقراً مؤقتاً لها في المبنى الكائن في محلة الخندق الغميق شارع داود عمون حالياً وكان هذا المبنى يخــص آل نعمان وقرم (أجداد الوزير السابق  جورج قرم) وكان موقعه تجاه بيت جدي لأبي عبد اللطيف فاخوري.
ومنذ الانتداب اخذت المحاكم الشرعية تعاني من عدم توفر المكان المناسب لكافة الدوائر الشرعية الأمر الذي دفع المسؤولين الى التنقل بهذه المحاكم من مكان الى آخر عن طريق الإجارة فلا تستقر في مكان حتى تبادر الى الانتقال منه لعدم صلاحيته .الى ان اكتشف الشيخ شفيق يموت ان مائتين وثلاثين الف ليرة لبنانية يدوّر في الموازنة اللبنانية سنة بعد سنة باعتباره احتياطياً وفوائد اموال ايتام المسلمين التي كانت تشرف عليهم مديرية أيتام خاصة ملحقة بالمحاكم الشرعية وكان نصف هذا المبلغ من حق ايتام بيروت .فطالب بإعطاء هذه الأموال لأصحابها لتحسين اوضاع المحاكم الشرعية فتقرر إجابة طلبه وتم شراء مقر لمحكمة بيروت الشرعية في البناء التراثي الذي كان يملكه آل طربيه في محلة البسطة الفوقا.وقد تخرب هذا المبنى أثناء الحرب فنقل مقر المحكمة الى أحد أبنية دار الفتوى الى ان استقرت اخيراً وحتى اليوم في محلة الطريق الجديدة.
انعقاد  المجلس الشرعي خارج مقر المحكمة
كان المجلس الشرعي يعقد جلساته بالإضافة الى مقر المحكمة  خارج مقرها سواء في بيت الوالي او المتصرف او في بيت احد السادة لإجراء عمل قانوني او في مجلس تمييز بيروت او في ديوان مشير إيالة صيدا الخ  فعلى سبيل المثال:   
 في 26 جمادى الثانية 1308 هـ عقد مجلس شرعي انتدب له يوسف عز الدين ورشيد ابراهيم الأحدب في منزل القصادة الرومانية اي القاصد الرسولي أي السفير البابوي في ميناء الحسن (ولم تكتب الحصن إلا بعدما قامت سلطات الانتداب الفرنسي بتنظيم السجل  العقاري) حضر فيه القاصد الروماني كودنسيون بن كاتيانو بن سيبا ستيانو بونفيلي وتم فيه توكيل الياس الشلفون بأن يقبل للقصادة  شراء قطعة أرض في المحلة المذكورة ملاصقة لبيت القاصد.
 وفي 18 رجب 1302 هـ /1885م عقد مجلس شرعي برئاسة الشيخ ابراهيم الأحدب المأذون وذلك في دار الولاية بمحلة الباشورة سكن والي سورية أحمد حمدي باشا وبحضوره وحضور عبد الغني عمر رمضان أحد أعضاء محكمة لواء بيروت. وفيه تفرغ الوالي لزوجته أمينة زاهدة خانم كريمة عارف شيخ الإسلام الحاضرة بالمجلس عن قطعة ارض يملكها في الأستانة مساحتها 5300 ذراع بمبلغ 15750 قرشاً. ووكّل كلاً من الوالي وزوجته وكيلاً عنه في الأستانة لإنجاز التفرغ المذكور. 
يذكر أن العادة جرت على تسمية الدار الذي يسكنها الوالي بدار الولاية وكانت هذه الدار ملك آل العريس وكائنة شرقي المدرسة العسكرية المعروفة اليوم بمدرسة حوض الولاية وقد تحول العقار الى حديقة عامة – وكانت الدار مؤلفة من طبقتين تحتوي كل منهما على دار كبيرة تحيط بها عدة غرف وكان آخر من سكنها نائب بيروت محمد فاخوري وجرى الاحتفال فيها بزفاف الحاج رشيد الكبي والد المرحوم الدكتور جميل كبي.
وفي 18 جمادى الثانية سنة 1293 هـ عقد مجلس شرعي في دار ملك محمد شباره بمحلة زقاق البلاط وراء القشلة الهمايونية (السراي الكبير) سكن محمود حمدي باشا قومندان فرقة بيروت بن عبد الله المجري فأقر المذكور بدين بذمته لزوجته منيرة عبد الله المجرية بلغ ثلاثة الاف ليرة عثمانية وان موجودات الدار مما يصلح للنساء أو للرجال أو لهما وكذلك الجواري الجركسيات الست والجارية السوداء والعبد الأسود الخصي الموجودين في الدار ملك زوجته المذكورة. وكذلك العربة المعروفة به مع رأسي خيلها واوائلها. 
وفي الدار المشغولة بسكن صاحب السعادة السيد عبد الخالق نصوحي بك متصرف لواء بيروت الأكرم الكائنة في محلة زقاق البلاط خارج بيروت... حضرت السيدة شريفة أمينة فريدة خانم بنت المرحوم محمد أمين درويش باشا زوجة سعادة المتصرف المشار اليه... ووكلت شقيقها الموجود في دار السادة... 
وفي 18 ربيع الأول 1322سنة هـ عقد  مجلس شرعي  من المأمور عبد القادر النحاس في خان فخري بك فحضرت ماري بنت جان بن يوسف الزيو من تبعة دولة فرنسا الفخيمة، رئيسة دير مار يوسف الظهور (أباريسون) ووقفت قطعتي أرض في ميناء الحسن على فقراء دير راهبات مار يوسف الظهور في بيروت...  

* محامٍ ومؤرخ