بيروت - لبنان

اخر الأخبار

25 آذار 2021 12:01ص هل فعلاً نحن نستعد لاستقبال شهر رمضان؟!

حجم الخط
في ظل الكوارث التي استوطنت بلادنا وما زالت تزداد، يحق لنا كمسلمين أن نسأل وبكل وضوح... هل فعلا يستعد كل مسؤول كما ينبغي ليكون شهر رمضان شهر الخير والبركة..؟!

فالأيام والليالي التي تمرُّ على كثير من الأسر المسلمة - تماما كما الأسر اللبنانية عموما - لم تعد من المقبول أن تستمر، ولم يعد أيضا مقبولا الاستمرار في حالة التخلّي عن الناس والمحتاجين ليواجهوا الفساد بضعفهم وعجزهم بينما هم قادرون على المواجهة ورفع الصوت ورفض المنكر... في سبات عميق..؟!

فشهر رمضان المبارك هذا العام سيأتي في ظل الظروف والأوضاع والأحوال المأساوية التي نعيشها جميعا وبالتالي هو ليس شهرا عاديا.. ولا ينبغي أن يكون شهرا عاديا.. بل هو سيأتي على شكل امتحان كبير لكل مسؤول في بلادنا مهما كانت مسؤوليته، فإما أن يثبت أنه فعلا من العاملين بمقتضيات ما تحتم عليه المسؤولية.. وإلا فهو يؤكد «المؤكد» الذي يقوله كل الناس..؟!

فنحن نريد شهر رمضان خلية نحل على كل الأصعدة...

نريده شهر إظهار حقيقة الخير في نفوس اللبنانيين..

نريده شهر العمل والسعي والإصرار على إنقاذ الناس من مستنقعات الفقر والجوع والعوز والذل التي «أوقعوا» فيها، والكل تخلّى عنهم وغاب..؟!

ولا أقصد بكلامي هنا الاستعداد «الفلكلوري البغيض» الذي صوّر عمل الخير في رمضان على صورة كرتونة من التمر وبعض المواد توزع هنا أو هناك على أناس يقفون مذلولين صفوفا على أبواب الجمعيات والمؤسسات، لأن هذه الموروثات البالية توسعت مجالاتها لتشمل كل مناحي الحياة، مما يعني أنها باتت تشكّل خطرا حقيقيا على الفكر الديني عند الأجيال القادمة خاصة في ظل التشويه المتعمد الذي نراه من قبل البعض لصورة هذا الدين الحنيف، ولكن أقصد عمل الخير الذي ينفى الحاجة ويؤسس لمرحلة جديدة فيها الفكر الصحيح والعمل السليم.

تمنيات قديمة... ما زالت تمنيات

لقد سبق وكتبت من أكثر من عشر سنوات وقلت... 

كم نتمنى مع بداية شهر الصوم أن نسمع ونرى ونشاهد بأم أعيننا العلماء والمرجعيات يحتفلون بإطلاق مشروع لإنشاء مساكن للشباب المسلم ومساعدتهم على الزواج...؟!

وكم نتمنى أن نراهم مجتمعين لإطلاق مشاريع استثمارية مدروسة من كل الجوانب يعود ريعها لمصلحة الأيتام والأرامل...؟!

وكم نتمنى أن نحتفل معهم بإفتتاح مستشفى إسلامي خيري على أعلى مستوى من الخدمات الطبية يعالج مرضى المسلمين بأسعار رمزية...؟!

كم نتمنى... أن نرى دعاتنا ومشايخنا (الأوادم) والمخلصين (معززين مكرّمين) يعطون في شهر رمضان من علمهم وخبراتهم ويعلّمون الناس أمور دينهم.. دون أن ينشغلوا بطعام الإفطار هل استطاعوا تأمينه لعائلاتهم أم لا...؟!؟

كم نتمنى... أن تعلو أصواتهم في الدروس والخطب وصلاة التراويح.. على أصوات الجوع المعلنة من بطون أبنائهم...؟!؟

كم نتمنى... أن نرى وجهاء وعلماء المسلمين يحتفلون بنفي الحاجة عن جموع الفقراء من المسلمين..؟!

ولكن يبدو أن التمنيات في بلادنا تبقى تمنيات... وأن الدعوات التي يطلقها الناس في كل المجالات لا تلقى آذانا صاغية، ويبدو أيضا أن الناس متروكة لا أحد يسأل عنها ولا أحد يبالي بمعاناتها..

إننا أيها السادة نعيش في زمن مليء بالادعياء.. مليء بالإمعات... مليء بالكثير من الذين يقولون ما لا يفعلون... ومع ذلك لا يريدون حتى الاعتراف أنهم عاجزون..؟!

نعم.. للأسف... الواقع كارثي ومأساوي وسوداوي ومظلم... ولكن الفرج آتٍ والأفضل آتٍ بمشيئة الله رغم أنوف الكثير من المستفيدين...؟!

ولذلك أقول للجميع.. ودون إستثناء.. إن لم نراجع في شهر رمضان كل أمورنا وشؤون حياتنا لنرى مدى توافقها مع كتاب الله وسنّة رسوله الكريم ثم نبدأ بالإصلاح والتصويب والتجديد والترميم طوال العام حتى يأتي رمضان التالي لنعود مجددا إلى عملية التقييم السنوي.. فنحن إذن لم نفهم رمضان...؟!

فرمضان بهذا المعنى الإنساني والحضاري هو الذي جعل من المسلمين قديما في مقدمة الأمم والشعوب...

وهذا الفهم الراقي هو الذي حرك عقولهم وجوارحهم وإبداعاتهم لتعمل وتجتهد وتقدّم للأمة ما ينفعها وينفع الناس جميعا..

فرمضان في ديننا شهر للإبداع.. 

شهر لغرس أسس التقدّم والتطوّر.. 

شهر لبناء الخطط المستقبلية وفق قواعدها الصحيحة..

شهر لإنطلاق الأمة نحو حياة جديدة ليس فيها إلا العمل والاجتهاد والتفاؤل والتعاون والمساندة والتكاتف والعلم والثقة بالله تعالى..

هذا هو «رمضاننا» الذي نعرفه والذي نريده...

فهل يا ترى هو عينه رمضان الذي تعرفونه..؟!

أيها «اللامسؤولون».. شهر رمضان هو شهر الصوم.. نعم..

ولكنه أيضا هو شهر تثبيت «مفهوم الأمة» في نفس الفرد، وشهر «تأكيد الجماعة» والعمل بمقتضيات وآثار هذه الوحدة، وكل من يرفض هذه الوحدة ودلائلها العملية والفكرية والاجتماعية.. فهو أول مخالف..؟!

هدانا الله لما فيه الخير.. وجعل شهر رمضان المبارك نهاية لكل راعٍ.. لم يتقِ الله في ما استرعاه..؟!