بيروت - لبنان

اخر الأخبار

21 تشرين الأول 2017 12:05ص والي بيروت نصوحي بك يعيد سنة 1894 العطلة إلى يوم الجمعة

حجم الخط
للإمام محيي أبو زكريا يحيي بن شرف النووي ( 1233- 1277م) مؤلف بعنوان «الأربعون حديثاً النووية في الأحاديث الصحيحة النبوية « قام كثيرون بشرحه والتعليق عليه والنسج على منواله والإقتداء به  وكان يدرّس للطلاب ويحفّظ، ومن أهم شروحاته شرح أحمد بن محمد بن علي بن حجر الهيتمـــــــــــــــي (مصر) 1504- 1567م.
وكان الشيخ محمد الحوت يدرّس هذا الشرح لطلابه في الجامع العمري الكبير سنة 1847م ويفسر لهم الأحاديث، وكان يعلّق على الشرح بفوائد قام تلميذه المفتي الشيخ عبد الباسط الفاخوري بقيدها في حواشي المخطوطة.
ومما جاء في هامش الكراسة رقم 16 بموضوع تسريح أولاد المدارس يومي الخميس والجمعة قول الحوت «فائدة  يروى أن أول من جمع الأولاد في المكتب عمر بن الخطاب، وأمر عامر بن عبد الله الخزاعي أن يلازمهم للتعليم، وجعل رزقه في بيت المال . وكان فيهم بليد وفهيم. فأمره أن يكتب للبليد في اللوح، ويلقن النبيه من غير كتابة. فكان عمر يشهدهم على الأمور التي يخاف عليها الانقطاع، كالنسب والولاء . فسأله الأولاد أن يجعل لهم التخفيف ، فأمر المعلم بالجلوس بعد صلاة الصبح الى الضحى العالية ، ومن صلاة الظهر الى صلاة العصر، ويستريحون بقية النهار. الى أن خرج الى الشام عام فتحها، فمكث شهراً ثم رجع الى المدينة، وقد استوحش الناس من غيبته، فخرج الناس للقائه فتلقاه الصغار على مسيرة يوم، وكان ذلك يوم الخميس، وباتوا معه، ورجع بهم يوم الجمعة، فعيدوا في خروجهم ورجوعهم. فجعل لهم التسريح في اليومين المذكورين. فصار ذلك سنة الى يوم القيامة، ودعي بالخير لمن أحيا هذه السنة ، دعي بضيق الرزق لمن أماتها... ».
وبالنظر لفضل يوم الجمعة قررت المؤسسات التربوية الاسلامية ومنها جمعية المقاصد تعطيل الدروس في مدارسها  يوم الجمعة والتدرس يوم الأحد وقد مارسنا هذا التقليد سنين عددا الى أن رؤي في مرحلة أولى جعل الدروس يوم الأحد حتى الظهر ثم جرى التعطيل يوم الأحد بكامله إضافة الى الجمعة بما كان يشعر بالمساواة بين الطلاب اللبنانيين كافة.
وكان يوم الجمعة هو يوم العطلة الرسمية في الادارة الحكومية العثمانية 
إلا أن الأمر اختلف بعد انتهاء الحكم العثماني ففي سنة 1918 احتلت بريطانيا فلسطين والعراق وشرق الأردن واحتلت فرنسا لبنان سنة 1918 وسورية سنة 1920.
وبقيت العطلة الرسمية في الدول العربية ومنها سورية يوم الجمعة كما كانت في العهد العثماني ما عدا لبنان إلا أن المسلمين استمروا في التعطيل يوم الجمعة ولاسيما في صيدا وطرابلس.
وأعلن الجنرال غورو في 20 أيلول 1920 من أعلى درج نادي عزمي بك (قصر الصنوبر فيما بعد) دولة لبنان الكبير – مع أن لبنان  كان كبيراً بأبنائه المنتشرين في العالم – وأجلس البطريرك الماروني الى يمينه ومفتي بيروت الى يساره علماً بأن مفتي بيروت كان يجلس الى يمين والي بيروت في العهد العثماني( وتنظيم الاحتفال اعلى الدرج قديم كاحتفال ملك وملكة اسبانيا باكتشاف كولومبوس لأميركا). ولم تكن سياسة الاحتلال الفرنسي عادلة في المساواة بين اللبنانيين فتعمقت الانقسامات الطائفية التي ظهرت بانتفاضات وتوترات أمنية. وكان المسلمون خلالها يطالبون بالتعطيل يوم الجمعة اسوة بعطلة الأحد للمسيحيين وذلك لإتاحة المجال لأداء الصلاة ، الى ان تقرر حق الموظفين المسلمين بالخروج من الإدارة عند الساعة الحادية عشرة من قبل ظهر يوم الجمعة لأداء الصلاة ثم توسع هذا الحق ليشمل الموظفين كافة مساواة بينهم.
وقد جرت محاولات لتحديث الإدارة سنتي 1972 و2003 لجعل العطلة الرسمية يومي السبت والأحد فرفض المسلمون ذلك ولقي رفضهم تجاوباً من الرئيسين صائب سلام ورفيق الحريري فطوي الأمر إلى أن أعيد التعطيل يومي السبت والأحد في  القانون 46/2017 على أن تعطى ساعتان للمسلمين  للصلاة يوم الجمعة.
لمفتي بيروت الشيخ عبد الباسط الفاخوري رسالة لا تزال مخطوطة بعنوان «الحجة الواضحة المتّبعة في حكم صلاة الظهر جماعة بعد صلاة الجمعة» وما ظهر من آراء بذلك من  جواز تعدد الجمعة في بلدة واحدة.
ويذكر تلك الرسالة فضل يوم الجمعة وخصائصها «وأنه كان لليهود يوم السبت والنصارى يوم الأحد فهدانا الله ليوم الجمعة. وحديث النبي عن أوس يرفعه في فضل أيامكم يوم الجمعة فيه خلق الله آدم وفيه قبض وفيه النفخة وفيه الصعقة فالرسول سيد الأنام والجمعة سيد الأيام ويذكر من خواص الجمعة أنه اليوم الذي يستحب أن يتفرغ المؤمنون فيه للعبادة وله على سائر الأيام مزية بأنواع العبادات واجبة ومستحبة وأن الله سبحانه جعل لآهل كل ملة يوماً يتفرغون فيه للعبادة ويتخلون فيه عن الأشغال الدنيوية فيوم الجمعة يوم عبادة وهو من الأيام كشهر رمضان في الشهور وساعة الإجابة فيه كليلة القدر في رمضان...»
كانت العطلة الأسبوعية الرسمية في بيروت الجمعة. وقد أتى حين من الدهر قبل سنة 1894م اصبحت العطلة فيه يوم الأحد.  وفي شهر آب من السنة المذكورة وصل نصوحي بك ابن خير الله أفندي ابن عبد الحق افندي والياً لبيروت وكان سنة 1886م متصرفاً عليها فقام بتنفيذ عدة مشروعات منها الطريق الممتد من البحر حذاء خان انطون بك الى محلة ميناء الحسن فرأس بيروت  فالفنار (المنارة) وصولا الى محلة شوران (وهه المعروف اليوم بكورنيش المنارة كما فتح الطريق من امام الجامعة الاميركية الى الفنار. فلما عاد والياً رأى فتح طرق اخرى منها واحدة مارة بمحلة الرمل من القنطاري حتى الحمراء فالمنارة وطريق من مدرسة الانكليز الى جبّ النخل فشوران  الخ.  
ولدى وصول الباخرة التي أقلته الى بيروت أحاطت بها زوارق تقل الوجهاء والأعيان وركب من الميناء عجلة والى يساره كامل افندي نائب الشرع الشريف، وسار حتى وصل الى الجامع الكبير العمري (هكذا كان يلفظه البيارتة وليس الجامع العمري الكبير أو اختصاراً الجامع  الكبير تمييزاً له عن الجامع العمري الصغير الذي  أنشأه المسلمون عند الفتح وعرف بجامع البحر الذي أنشىء بالقرب منه جامع الدباغة وبقرب هذا الأخير جامع أبي بكر الصديق بشارع فوش) فصلى ركعتين تحية المسجد ثم توجه سيراً على الأقدام الى دار الحكومة (السراي الصغير) وأمامه وخلفه جمع غفير فجلس في قاعة الاستقبال في الطبقة الثانية من السراي وفاه نقيب الأشراف الشيخ عبد الرحمن النحاس بدعاء للمناسبة ثم انتقل الوالي الى دار عمر بن درويش ابن الشيخ رجب الغزاوي التي أعدت له مؤقتاً وقد علقت ثمرات الفنون في حينه قائلة «مما ضاعف سرور المسلمين ذهاب الوالي تواً الى الجامع الشريف وإحياؤه لهذه العادة الحسنة التي كان لها أحسن وقع في الأفئدة ...»
 وتضيف الصحيفة أنه في «يوم تشريف عطوفته زار ضريح سيدتنا أم حرام رضي الله تعالى عنها (كان لها مقام في مقبرة الخارجة  نقل الى مقبرة الباشورة  بعد الغاء الدفن في الخارجة). وفي صباح الجمعة (اليوم التالي لوصوله) شخص الوالي لزيارة مقام سيدنا الإمام الأوزاعي رضي الله عنه. وفي يوم السبت زار مقام سيدنا الخضر عليه السلام  فأمر بتوسيع مقام الخضر. واستقبل الوالي في صالون السراي صاحبي الفضيلة القاضي الشرعي كامل افندي والمفتي الشيخ عبد الباسط الفاخوري. وقد مدحه الشيخ أحمد عباس الأزهري  بقصيدة مطلعها:
ألا مسعدُ فيما أرى ومعينُ
فحسب الهوى شجو له وحنينُ
 الوالي  يعيد العطلة الرسمية الى يوم الجمعة
وبعد أيام من وصول الوالي أطلقت المدافع بمناسبة المولد النبوي الشريف فحضر الى الجامع الكبير وتليت سيرة المولد ووزعت قراطيس الملبس.
وبعد استقرار الوالي ومباشرته لعمله  اتصل بمسامعه أن دوائر الحكومة الرسمية في بيروت (مركز الولاية)  وفي ملحقاتها تعطل أيام الآحاد التي لا تعد من أيام العطلة الرسمية الاسبوعية فأصدر أمره في أيلول 1894م بإلغاء هذه العادة ولزوم فتح دوائر الحكومة أيام الآحاد واشتغال جميع المأمورين والكتبة في أشغالهم  طبقاً لما حاصل في جميع الولايات السلطانية (أي التعطيل يوم الجمعة) وقد أخذ منذ ذاك الوقت برعاية هذه القاعدة في دوائر الحكومة..»
ومن أفضل أعمال عبد الخالق نصوحي بك قيامه في التاسع من شهر ذي القعدة 1312هـ/ 1895م بوقف قطعة ارض مجاورة للمقبرة المعروفة بالخارجة على طلبة العلم الشريف وهو ما عرف بوقف العلماء الذي سنشير اليه في مقال لاحق.
ويستدل مما ذكرناه ان العطلة الرسمية الاسبوعية في ولايات الدولة العثمانية كانت يوم الجمعة وان بيروت شذت عن هذه القاعدة قبل 1894م لفترة غير محددة فأعاد الوالي سنتها العطلة الرسمية لتكون يوم الجمعة.
وهكذا كانت العطلة الأسبوعية تدور بين يومي الجمعة والأحد فمن منطق المساواة جعل العطلة الرسمية يومي الجمعة والأحد بدل السبت والأحد.
 *محامٍ ومؤرخ