بيروت - لبنان

اخر الأخبار

14 أيار 2022 12:00ص الانفصال والطفولة

حجم الخط
بعد طلاق اهلي... قالت لي أُمّي وانا صغيرة والبكر «الطلاقُ ليس سيِّئًا كما تظُنّين».. وقال لي أبي «أصدقاؤك لديهم بَيتٌ واحدٌ وسيكونُ لك بيتانِ يا محظوظُة...».
ظلَّت غُرفتي في بيتِ أمّي كما هي وجهّزَ لي أبي غُرفةً في بَيتِهِ الجديدِ.. بمِنشارٍ قديمٍ قَسَما جسَدي إلى نِصفَينِ.
تركتُ نِصفي الأيسرَ عِندَ أُمّي حَيثُ العينُ اليُسرَى والذِّراعُ اليُسرَى والقدَمُ اليُسرَى.. وذهَبتُ بعَينِي اليُمنَى وذِراعي اليُمنَى وقدَمي اليُمنَى معَ أبي.
لكنَّ أبي كان يصفَعُني لو حدَّثتُهُ عن اشتِياقي إلى نِصفِي الآخَر.. وأُمّي كانَت تَحبِسُ نِصفِي داخِلَ غُرفةٍ مُغلقةٍ كي لا يجتَمِعَ بالنِّصفِ الذي يَملِكُهُ أبي.
أمّا مُدَرِّسُة الباليه فَقَد رَفَضَت انضِمامي إلى الفَريقِ بِدَعوَى أنَّهم يَحتاجونَ إلى راقصة تراوِغُ المُنافِسينَ بقَدَمٍين.
وتَرَكَني حبيبي لأنَّ حِضني لا يكُونُ دافِئًا بذِراعٍ واحِدةٍ.. ظلَّت عَينِي اليُمنَى تبتَسِمُ لأبي وعَينِي اليُسرَى تبتَسِمُ لأُمّي..
لم أستَطِعْ أن أقولَ لهُما: لديَّ بَيتانِ وغُرفَتانِ وسَريرانِ... لكِنَّ رُوحي تنامُ في الشارعِ في رعاية الله و تحت جناحه..
فكرت يوما...ماذا لو تزوجت و لم أستطع أن أبني عائلة مترابطة موحّدة او عشت تجربة امي وابي في الطلاق؟؟ ماذا لو اخترت الاب غير المثالي لأولادي؟؟ لا أريد أن اعيد الكرّة! لا أريد لأطفالي ان يشعروا بما شعرت! اريد عائلة فقط !! هذا الهاجس و الخوف من المجهول بقي يراودني كظلي!!
و اتضح ان كل ما تخافه قد يحدث لك اذا استمريت بالتفكير فيه، فعلاً انت تجذب ما تريده لحياتك...
يقول الإمام علي ابن ابي طالب كرم الله وجهه « كل متوقع آت»..
و حصل ما حصل وواجهت خوفي.. تطلقت.. لم يعد هناك ما اخاف منه.. ولكن !! ماذا عن اولادي؟؟
قالت لي امي «لا تكرهوا شيئا علّه خيرا لكم.. ولا تتمادي بالأحلام لان اقدارنا مكتوبة... وقل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا.. وإن الله إذا أحب قوماً ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط.».
ولكن الاحساس بالامان والطمأنينة انطفئ يا امي.. أصبحت ما أنا عليه اليوم لا انحني و لا اتكأ على احد.. قوية.. مثابرة.. لا استسلم.. اتحمل.. مسؤولة.. معطاءة.. حساسة.. لا اخاف شيئاً.. أؤمن بالقضاء والقدر..ولا التفت إلى الوراء إلا عندما أشعر بالتعب او بالأعداء من حولي..
فأتذكر واقول لنفسي لن ارضى بالظلم مرتين.. سأقاتل بشراسة و ارفع صوتي عن كل السنين التي لم أستطع أن أقول فيها ما اريد و ادافع عن نفسي...
نعم لطلاق الأهل ثمن كما له وجه آخر وهو النضوج المبكر.. من السنن الكونية وقوع البلاء على الخلق اختباراً لهم وتمحيصاً لذنوبهم وتمييزاً بين الصادق والكاذب منهم ( وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ) (وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ)...
بالمختصر، نعم الطلاق هو أبغض الحلال عند الله وهو ليس محرماً ولكنه مكروه إذا كان لأسباب عادية، فالزواج هو علاقة إنسانية قائمة على الرحمة و المودة والتراضي وإن لم يكن فعلاً كذلك فالطلاق هو الحل الأنسب بالرغم من كونه يهدد أمان الأسرة، لذلك على الزوجين ان يعرفا حقوقهما وواجباتهما قبل الزواج وحال الطلاق كي يكون لدى الطرفين وعي وادراك كافيين قبل الإقدام على اية خطوة قد تكون ناقصة لأن طريقة الإنفصال لا شك أنها تؤثر على شخصية الاطفال المستقبلية وإحساسهم بالامان والثقة ونظرتهم للزواج.
للأسف عادة الطفل هو الذي يدفع ثمن طلاق أهله، فالاولاد بطبيعتهم لا يتقبلون الانفصال وهم من يعانون الإحباط خاصة اذا تأثر مستواهم المعيشي بعد الطلاق عما كان قبله، هذا عدا عن إقتران الطلاق أحياناً كثيرة بصراع تافه بين الأبوين يؤدي إلى حرمان الأطفال رؤية أحد ذويهم نتيجة تصفية حسابات لا دخل لهم بها، وهنا يلعب الوعي دوراً مهماً جدا في كيفية تجنيب الأولاد الصراعات العبثية.
في النهاية، وجب على الاهل في حال الإنفصال أن يوقنوا أن سعادة واستقرار أطفالهم هي الاولية القصوى، وهي لا تتحقق إلا من خلال تعاون حقيقي بينهما يتشكل عبر احترام بعضهما البعض وخصوصية كل طرف منهما ومشاركة أمور أطفالهم الحياتية الخاصة آخذين بعين الإعتبار أن للطفل الحق بحضانة مشتركة يعيش فيها توازن عاطفي حقيقي.
ان يعيش الاهل بتعاسة معاً فقط لحماية أبنائهم من صدمة الطلاق هو أمر مرفوض لان الطفل بحاجة لأهل سعداء يمدونه بطاقة ايجابية... لذلك ومع التجربة يتبين أن واجب كل طامح للإرتباط والزواج والإنجاب تجاه اطفاله قبل أن يولدوا هو اختيار شريك واعٍ وصالح ومتفهم خاصة في لبنان نظراً لوجود رجال دين أناط بهم القانون حماية الأسر من التفكك إلا أنه تبين بالممارسة أن آخر أولويات معظمهم هي مصلحة الأطفال او الأسر أو حقوق الإنسان بل عملهم ينصب لحماية حقوق الأقوى نفوذا ...من هنا وعكس المرتجى والمتوقع فإن المحاكم الدينية على إختلافها تبين أنها تفتقد في كثير من الأحيان للعدل والإنصاف، ولولا ذلك ما نشأت الكثير من الجمعيات مطالبةً بحقوق الطفل و الأم إذ ان مجتمعنا أثبت أنه ذكوري بمعظم الاحيان...
وعليه، ضعوا شروطكم قبل الزواج في العقود لحماية انفسكم وأولادكم من تقلبات الحياة وجور المحاكم الدينية ولضمانة فاعلية أي عقد وجب توثيقه عند الكاتب العدل.. وعلى سبيل النكتة « في لبنان، تزوجي سيدتي ممن يسمح لك ان تري ابنك بعد الطلاق..»
عن التفكك الأسري اتكلم .. قصة حقيقية.. من واقع معاش ويعاش يومياً علَّ الذكرى تنفع..
ريف سليمان
أم، وإعلامية